د. محمود عباس
أحد أهم الأسئلة التي تدار بعد قتل إسرائيل لقادة فيلق القدس الإيراني:
هل إيران ستغير من استراتيجيتها في سوريا ولبنان والعراق؟
وهل سيكون هناك رد، وأن تم فكيف؟
من المعروف، أنه لا قيمة للمواطن، بل وللإنسان بشكل عام في الأوطان التي تحكمها السلطات الدكتاتورية والأحزاب الشمولية، يصرفون الضحايا تحت مسميات عدة، إن كانوا في مصلحتهم فهم أبطال وطنيون أو شهداء، وإن كانوا معارضة فهم خونة وعملاء، في الحالة الأولى يجعلونهم رموز دينية أو قومية، ليكونوا وقودا لحشد الجماهير خلفهم وإشعالهم في حروبهم العبثية، أو أثناء الصراع مع القوى الديمقراطية، وفي الحالة الثانية يبتذلونهم مع ضجة إعلامية للتغطية على فشلهم وفسادهم.
وكثيرا ما تتم التضحية ببعض الزعماء الوطنيين أو الشخصيات المعروفة، للتغطية على جرائمهم، أو عندما تواجههم المصاعب السياسية والاقتصادية الداخلية، فلا يستبعد أن يكون لطرف من أطراف النظام الإيراني دور في معرفة إسرائيل بتحركات وأماكن تواجد قادة فيلق القدس، فدقة العملية شبه إثبات على ذلك، إلى درجة تم قصف البناية بعد خروج القنصل الإيراني منها بخمس دقائق، وتأكدها من بقاء الثلة العسكرية فقط، الجنرالات الثلاث ومعهم عدد من الضباط الكبار وقادة من حزب الله وربما قيادات عسكرية فلسطينية.
فبعد عملية قتل قاسم سليماني كان قادة الحرس الثوري يتحركون بين العراق وسوريا ولبنان بمنتهى السرية، ومخططات تنقلاتهم كانت محصورة بين المسؤولين الكبار في السلطة، فخروج المعلومة لابد وأن تكون من ضمن تلك الحلقة، إما لخلافات داخلية، أو لاختراق أمني عالي المستوى، وللتغطية على هذه الإشكالية الخطيرة بدأت تنشر معلومة على أن أئمة ولاية الفقيه أصبحت تتهم سلطة سوريا بتململها من الوجود الإيراني، كما وتوجه أصابع الشك لروسيا، والتي تجد التوسع الإيراني في سوريا بشكل خاص تقويض لإستراتيجيتها في الشرق الأوسط.
ففي كل الحالات، وأينما اتجهت الأصابع، فقد بدأت إيران تحصد مكاسب العملية الإسرائيلية، وصنفت جنرالاتها كشهداء ويتم الترويج لهم بين الشعب كأبطال قوميين، ليس فقط لتأليب الجماهير على إسرائيل وأمريكا، بل لإنقاذ السلطة من السقوط في هوة الصراع الداخلي والإقليمي، وبدأت تثير الضجة الإعلامية للتغطية على دورهم في دفع حماس للقيام بعملية 7 أكتوبر، والمؤدية إلى الجرائم التي تجري في غزة، فكما هو معروف دوليا أن إيران متهمة بخلق هذا المستنقع الكارثي، والصراع الدموي ليس فقط في غزة، بل وفي المنطقة بشكل عام.
إيران ومنذ سيطرة مرجعية ولاية الفقيه، توسع من السيطرة المذهبية والعسكرية على بعض دول الشرق الأوسط، على حساب الدمار الاقتصادي الداخلي، والعزل السياسي العالمي، لم تحد الحصار الأمريكي – الأوروبي يوما هذا الطموح، ولم تتأثر بحربها الطويلة مع صدام حسين، وخلافاتها المذهبية السياسية مع دول الخليج، بل بالعكس غيرت من خططها للتمادي، مسخرة لها الاقتصاد الداخلي، والتطور التكنولوجي العسكري، ففي الواقع تطورها ليس لخدمة الشعب، بل لتقوية أدواتها واذرعها في الدول الإقليمية وتوسع إمكانياتها التخريبية.
ولتكوين البنية الملائمة بين الشعب؛ والحصول على دعمه، كان لا بد من خلق أعداء مذهبيين ودينيين وقوميين، فأحيت الصراعات المذهبية القديمة ما بين السنة والشيعة، وأثارت معاداة اليهود، والداعمين لإسرائيل، كما وحرك نظام أئمة ولاية الفقيه النعرة القومية بين العنصر الفارسي، ووجهتهم ضد الحراك الكوردي والبلوجي والأزري في المنطقة، كما وهي بحاجة ماسة إلى توسيع الصراع مع إسرائيل، بعدما تمكنت السعودية ودول الخليج من إخماد حدة الصراع معها.
فكانت عملية طوفان الأقصى، وهو ما دفعت بإسرائيل على إدراج قادة فيلق القدس مع قادة حماس المطلوبين، وكانت العملية رغم معرفتها، وأمريكا، التامة لغايات وأهداف إيران، مع ذلك لم تتردد في اغتيال قادة فيلق القدس من الدرجة الأولى، متوقعة أن تحصد عدة إيجابيات منها:
1- على أمل أن تكون العملية رادعة لإيران لتحد من عبثية أذرعها في المنطقة، أو أن تخف نشاطاتهم مع غياب القيادة لفترة ما إلى أن يتم تعيين البديل ويكسبون الخبرة والمعلومات التي كان لدى الذين تم اغتيالهم.
2- من حيث البعد الميداني، ستؤثر غياب القيادة لفترة ما على نشاطات الأدوات والمنظمات التي كانت تتحرك بتنسيق منهم، ربما إلى أن يتم اتفاق بين إسرائيل وقيادة حماس.
3- من حيث البعد التكتيكي، لا يستبعد أن تخلق شرخا بين سلطة بشار الأسد وأئمة ولاية الفقيه، التي بدأت توجه أصابع الاتهام إلى عناصر من النظام على نقل المعلومات، وبالمقابل سلطة دمشق أصبحت بعد فتح أبواب الجامعة العربية لها تأمل أن تقلل أيران من هيمنتها على سوريا، كما وأن سلطة إيران بدورها لم تكن راضية عن التطبيع الجاري.
4- وفي البعد ذاته، لا يستبعد أن تؤثر على الاستراتيجية الروسية الإيرانية، فروسيا تطمح أن تكون صاحبة الهيمنة الكبرى على سوريا، والتي تجدها مركز استراتيجيتها في الشرق الأوسط، والتوسع الإيراني تؤثر بشكل ما على هذه الإستراتيجية، وعليه فإيران لا تبعد روسيا عن معرفتها المسبقة بحدوث العملية حتى ولو أنها لم تكن على دراية تامة بها لكن لا يستبعد أن تكون إسرائيل قد أخبرتها عسكريا بحدوث عملية ما، فكما نعلم أن سماء سوريا تحت حماية روسيا بشكل شبه مطلق.
5- أما في البعد الإستراتيجي، وهو الأهم، كانت الرسالة على أنه لم يعد هناك خطوط حمر في الصراع الجاري، فمثلما كانت تحاربها بشكل واسع أثناء مسيرة تخصيب اليورانيوم، وقامت باغتيال عدد من علمائها، ففي هذه العملية، والتي شاركتها أمريكا بشكل مباشر عندما سمحت لها باستخدام ف-35، تقول بأنها فيما إذا لم تحد إيران من عبث أدواتها قد تطال العملية القادمة الدبلوماسيين أو السياسيين داخل إيران، أي ستكون هناك حرب مفتوحة وهو ما تتجنبه إيران، لأن جل استراتيجيتها مسنودة على أذرعها خارج جغرافيتها، وتدرك أن أي حرب مع إسرائيل تعني إدراج أمريكا إلى المعركة. وعلى الأرجح أن روسيا لن تكون قادرة على فتح جبهة مشتركة مع إيران إلى جانب حربها مع أوكرانيا.
وعليه فالرد الإيراني على الأغلب لن يتجاوز ما أقدمت عليه عند اغتيال أمريكا لقاسم سليماني، يوم سمح لها ترامب وبطلب منها بقصف قاعدة أسد في العراق بعدد من الصواريخ لتهدئة الرأي العام الداخلي، أو ربما بعملية مشابهة لعملية قصف دار مدني في إقليم كوردستان تحت حجة إنه مركز للموساد وفيها تم قتل طفل لم يتجاوز الثمانية أشهر مع والدته، في الوقت الذي لم تتجرأ على قصف إسرائيل حيث مركز الموساد الرئيسي، واليوم لا يستبعد أن يكون الرد مشابها لما سبق، لحفظ ماء الوجه، علما أن وزير خارجيتها نوه إلى أن الرد سيكون مماثلا أي قصف إحدى القنصليات الإسرائيلية في دولة ضعيفة، وبالمناسبة المكان الذي تم فيه قتل الجنرالات لم تكن قنصلية بل دار السفير، وهو سكن مدني تم استخدامه لأغراض عسكرية وكمركز لوضع مخططات إرهابية، وهي عملية غير قانونية دوليا، ولا يحق لإيران عرضها على مجلس الأمن، لذلك تصر على أنها قنصلية، وعادة لا توجد قنصليات في العواصم العالمية، بل فقط السفارات.
إيران من إحدى أخبث دول العالم والأكثر عبثية في المنطقة، لا بد من وضع حد لتجاوزاتها، فهي تفاقم الصراع وتفتح أبواب الحرب بين السنة والشيعة، وتعمق الخلافات بين القوميات، ولا تعترف بحقوق الإنسان ولا بالشعوب، تحت حجج الدولة الإسلامية الجامعة، ولربما حان الوقت لإزالة هذا النظام الفاسد من على رقاب الشعوب الإيرانية.
الولايات المتحدة الأمريكية
2/4/2024م