العد التنازلي في إثارة الحرب!

 

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)

 

النظام الذي هو ديكتاتوري داخل البلاد هو أيضا توسعي ومثير للحرب وإرهابي. النظام الإيراني الحالي هو مثال موضوعي على هذه الحقيقة. لقد سمع كل واحد منا الكثير في الأشهر القليلة الماضية أن “رأس الأفعى `الذي يثير الحرب هو في طهران”. ماذا تعني هذه الصيغة، ما سوابقها والأفق المنظور لها؟
إن شعوب العالم، وقبلها الشعب الإيراني، غالبية أعضاء البرلمانات والحكومات في العالم، ينادون بسحق “رأس أفعى إثارة الحرب”. من وجهة النظر هذه، من الطبيعي أن يتم تقييم أي تطور فيما يتعلق بحرب الشرق الأوسط وقياسه بمثل هذا المؤشر. كما يتم تقييم الهجمات الأمريكية الأخيرة على قوات نظام ولاية الفقيه ووكلائه في الشرق الأوسط من خلال هذا المؤشر، على الرغم من أن لها انعكاسات مختلفة.

 

لذلك، من الطبيعي أن يكون «ميزان المعادلة» هذا في يد كل جماعة وتيار، ولكل منها تفسيراتها وتوقعاتها الخاصة للتطورات، وخاصة هجمات القوات الأمريكية على القواعد الإيرانية في الشرق الأوسط. لكن هذه الرؤى ستصل بسرعة إلى نقطة الوحدة والقواسم المشتركة. لأن القاسم المشترك بينهم هو عبور “نقطة تحول” فيما يتعلق ب “رأس الأفعى المروج للحرب”!
الهجمات الأميركية الأخيرة على القواعد والقوات الإيرانية، والتي يقول مسؤولون أمريكيون إنها “ستتواصل” جعلت النظام الإيراني “قلقة”، و”فاجأت” مؤيدي الاسترضاء مع النظام.
من الواضح أن الإطاحة بالدكتاتورية في إيران هي مسؤولية والتزام الشعب الإيراني ومقاومته. ولكن بقدر ما ينأى المهادنون في  الغرب بأنفسهم عن ديكتاتورية إيران، فإن الشعب الإيراني سيقترب مما يريد. لأن هذه السياسة كانت حتى الآن “حاجزا” خطيرا أمام انتفاضة الشعب الإيراني.
البداية وسابقة الأمر!
قبل عشرة أيام من سقوط محمد رضا شاه بهلوي في 11 فبراير 1979، وصل الخميني إلى إيران وجلس في منصب “قيادة ثورة الشعب الإيراني المناهضة للشاه”. هذا التغيير في النظام من “ملكية الشاه” إلى “عهد ولاية الفقيه”، الذي حدث مع ديماغوجية وإساءة لمشاعر الناس الدينية، كان على خلاف مع ما أراده الشعب الإيراني والمنظمات الشعبية. كانت الإطاحة بدكتاتورية الشاه مطلب الشعب الإيراني وأيدتها القوى الشعبية. لكن صعود الديكتاتورية الثيوقراطية لم يصادق عليه الشعب والقوى الشعبية والثورية في إيران.
وقال السيد مسعود رجوي، وبعد أربعة أيام فقط من تحرره من سجن الشاه، في خطاب ألقاه في 24 يناير 1979، بينما لم يكن الخميني قد دخل إيران بعد، قال: “لم نأتي لتأكيد  ما هو موجود. عليك أن تفكر في ما يجب أن يكون وما  لا ينبغي أن يكون “. كانت هذه  بداية “وجهتي نظر” حول “مصير الشعب الإيراني” التي فهمها الخميني قبل أي شخص آخر! لهذا السبب عارض انتفاضة الشعب والقوى الشعبية، وكانت نتيجة وصوله وأفكاره “دكتاتورية ولاية الفقيه” و”قمع الحرية” في إيران و”إثارة الحرب” في الشرق الأوسط.
سعت القوى  الشعبية في ذلك الوقت إلى إلغاء الديكتاتورية في إيران وإقامة “الحرية” و “الديمقراطية” و “الحكومة الديمقراطية”. في ذلك الوقت، كان الطريق الصحيح هو “تجاوز أفكار الخميني” وإبعاد ديكتاتورية ولاية الفقيه، بكلمة واحدة، “إبعاد الحركة الرجعية الحاكمة” وتحريك المجتمع نحو “الحرية والديمقراطية”. المسار الذي وصل إلى 20 يونيو 1981 و”مظاهرات نصف مليون شخص” في مظاهرات طهران التي كانت “نقطة تحول” بعد عامين ونصف العام من المواجهة السياسية، كان لا بد من الرد على “رصاصة برصاصة”. بداية “حرب أهلية” في إيران كانت السبب الرئيسي لها ديكتاتورية الفقيه الحاكم!
لم تكن هناك قوة شعبية في تاريخ الدول التي أرادت الحرب. كانت بداية الحرب دائما نظاما ديكتاتوريا. لهذا السبب في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يتم الاعتراف ب “الدفاع” كحق مشروع لكل إنسان وكل حركة شعبية ضد الديكتاتورية!
ماذا يعني “رأس الأفعى” وأين الحرب؟
على الرغم من أن النظام الديني الإيراني متورط منذ فترة طويلة في إثارة الحروب في المنطقة، إلا أنه كان مسؤولا بشكل خاص عن إثارة الحروب في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023. ما هو مذهل ولافت هو خوف النظام الإيراني من انتشار الحرب في الوضع الحالي. حتى التيارات والحكومات التي وصلت إلى السلطة مع “استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة” وفكرة الحلم ب “التفاوض مع هذا النظام” لا توقع الآن أوامر الهجوم العسكري على قوات النظام خارج حدود إيران فحسب، بل تعلن أيضا أن “هذه هي بداية الهجمات!” هذه وثيقة لا يمكن إنكارها لإثبات شرعية صيغة “رأس الأفعى هو ولاية الفقيه في طهران”.
والآن، يرى علي خامنئي فشل نظامه وإسقاطه في فشل سياسة الاسترضاء ويخشى بشدة من مثل هذه الهزيمة. لأنه داخل حدود إيران، تغيرت المعادلات السياسية “بسرعة” وبشكل متسارع، وترسخت انتفاضة الشعب الإيراني ونشاط المقاومة الإيرانية بطريقة تجعل الإطاحة بالديكتاتورية الثيوقراطية في الأفق. لهذا السبب عندما تقترب حرب الشرق الأوسط، أو انهيارها، من حدود إيران، سيهبط الحجر الذي في يد الشعب الإيراني والمقاومة على رأس “أفعى ولاية الفقيه في طهران”! ومن هذا المنطلق فإن استهداف رأس افعى الولاية في إيران هو الحل الذي طالما دعت إليه المقاومة الشعبية الإيرانية وأرادت من المجتمع الدولي أن يفعله.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…