نظام مير محمدي*
إن الحرب التي ابتدأت بهجوم حركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 كانت مصدر تحول كبير للغاية، بحيث لا بد من القول إنه تم طي صفحة في تاريخ الشرق الأوسط والجغرافية السياسية للمنطقة.
وربما لم يكن بالإمكان آنذاك التنبؤ بعواقب هذا الحدث بشكل دقيق، لكن تدريجياً، اتضحت أبعاد الصراع وأعداد القتلى والجرحى ومعاناة النازحين وحجم الدمار، واتجهت الدول والمنظمات الدولية لدخول القضية بقوة؛ وأصبحت تداعيات هذه الحرب أكثر وضوحاً.
وأصبح الأمر أكثر حدة وخطورة من الناحية الدولية عندما أصبح أمن المياه الدولية وحركة السفن في البحر الأحمر تحت تهديدات محتملة وفعلية لدرجة أنه بادرت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالف دولي لضمان ذلك، وتم إنشاء الحركة الآمنة للسفن في هذا الممر المائي الاستراتيجي، وبعد ذلك انعقد اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونفذت القوات الأمريكية والبريطانية، بدعم من الدول الحليفة لهما، عملية ثقيلة نسبيا ضد معاقل وقواعد الحوثيين في اليمن.
لسنوات عديدة، كانت هناك صراعات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية لأسباب وأشكال مختلفة، وأحياناً مؤسفة ودموية للغاية، وفي كل هذه الصراعات، تنفخ أصولية نظام ولاية الفقيه أيضاً في أتونها الحربي؛ وهذا له سبب أساسي وهو عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأراضي الفلسطينية وإسرائيل.
ويمكن الإشارة إلى عدم تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي تمت الموافقة عليه بالإجماع في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) 1967، وهذا القرار هو حل أساسي يقوم على إقامة دولتين مستقلتين، إسرائيل وفلسطين.
ومن الجدير بالذكر أن النظام الإيراني، خلافاً للرأي الإيجابي لمعظم دول العالم، يعارض رسمياً هذا الحل المتمثل في تشكيل دولتين مستقلتين فلسطين وإسرائيل.
موقف المقاومة الإيرانية يوم بدء الأزمة؟
“يجب استهداف رأس الأفعى (ولاية الفقيه) في طهران، وفي القضية الفلسطينية، نقدم الدعم الكامل والشامل لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومنظمة فتح ومطالبهم المحقة تجاه الشعب الفلسطيني… ومن لا يعلم أن خط الخميني وخامنئي كان خنجراً وخيانة للقضية الفلسطينية منذ البداية مع دجال «يوم القدس» و«القدس عبر كربلاء»”. (مسعود رجوي 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023).
هذه التصريحات جاءت في رسالة قائد المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي في الساعات الأولى من بداية الأزمة بين حماس وإسرائيل، هذه العبارات والكلمات عفوية وليست ممتعة لأي طرف؛ بل إنه تعبير عن فهم عميق ودقيق للغاية للطبيعة التوسعية والمروجة للحرب لنظام ولاية الفقيه الأصولي الحاكم في إيران.
لماذا نقول “رأس الأفعى”؟!
في بداية الثورة المناهضة للملكية في إيران (1979)، أطلقت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، مع الفهم العميق لطبيعة الخميني بشكل خاص والحركات المرتبطة بالملالي بشكل عام، الصراع الرئيسي في الحياة السياسية، الصراع مع النظام الجديد وولاية الفقيه “الرجعية”، والتي تعني الأصولية.
لاحقاً، واستناداً إلى الأحداث الإيرانية والإقليمية وأحياناً العالمية، استخدم زعيم المقاومة الإيرانية مصطلح “رأس الأفعى” في تحليلاته ومواقفه السياسية بشأن النظام الإيراني.
علاوة على ذلك، تم طرح نفس مصطلح “رأس أفعى الولاية في طهران” فيما يتعلق بالسبب الرئيسي للحرب بين حماس وإسرائيل.
الأصولية ومصطلح “رأس الأفعى” لهما خلفية في تاريخ نضالات الشعب الإيراني، ويمكن للمرء أن يذكر الثورة الدستورية والدور السلبي للغاية للشيخ فضل الله نوري في تدمير هذه الثورة (1911-1906).
وبعد ذلك يجب أن نذكر في الحركة الوطنية للدكتور محمد مصدق الدور المدمر للغاية للملا الأصولي أبو القاسم كاشاني بالتواطؤ مع بلاط الشاه الفاسد في تنفيذ انقلاب آب (أغسطس) 1953 المشين ضد حكومة الدكتور مصدق الوطنية.
وقد تم مديح والثناء على فضل الله نوري وأبو القاسم كاشاني الرجعيين والأصوليين في معظم خطابات الخميني وخامنئي خلال الـ 45 سنة التي مرت على حكم ولاية الفقيه.
ومصطلح “رأس الافعى” له تاريخ في القصص والأساطير الإيرانية، فهو يشير إلى الأفعى الجاثمة على أكتاف الحاكم الظالم المسمى (الضحاك) ، واليوم يرى الشعب الإيراني هذه الأفعى على أكتاف خامنئي، ولهذا السبب فإن شعار الثوار في شوارع إيران هو «ميداننا هو إيران، ورأس الأفعى في طهران» وأيضاً «خامنئي يا ضحاك سنقتلك وندفنك تحت الأرض»، إذ تعكس هذه الشعارات رغبة الشعب الإيراني في إسقاط نظام ولاية الفقيه.
لماذا يحتاج النظام الإيراني إلى خلق أزمة؟
منذ بداية انتفاضة أيلول (سبتمبر) 2022، يحاول الشعب الإيراني الإطاحة بالولي الفقيه، وبسبب النار التي تحت رماد هذه الانتفاضة، يحتاج خامنئي إلى حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في غزة واليمن وسوريا والعراق، ويؤججها عبر وكلائه، وبحسب قوله فإن خامنئي يحاول بهذه الطريقة خلق حواجز وعقبات أمام الانتفاضة.
وإذا رجعنا إلى الكتابات والمواقف على المستوى الإقليمي والعالمي، نرى أن مصطلح “رأس الأفعى” الآن ليس كلمة تخص المقاومة الإيرانية فقط؛ بل، بسبب الأزمة التي خلقها النظام الإيراني، تجاوز هذا المصطلح كل الحدود ونرى أنه تم استخدامه في خطابات السياسيين ورجال الدولة وحتى القادة العسكريين رفيعي المستوى في بعض البلدان.
وقال مايكل ألين، المدير السابق لمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، لشبكة فوكس نيوز: “النظام الإيراني هو رأس الأفعى وهم يقودون أوركسترا… يجب أن نذهب إلى النظام الإيراني”.
وفي إثبات صناعة الأزمة في النظام الإيراني، فإن الحقائق الواردة من مسؤولي نظام ولاية الفقيه مهمة:
وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023: “أشار عزة الله ضرغامي قائد قوة الصواريخ السابق في حرس الملالي (وزير التراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية في حكومة إبراهيم رئيسي) في برنامج تلفزيوني، إلى الدعم العسكري من قبل جمهورية إيران (الإسلامية) إلى حزب الله وحماس، حيث أمضى بعض الوقت في أنفاق تحت الأرض في غزة، وقام بتدريب قوات حماس على كيفية صنع الصواريخ”.
إمام الجمعة وممثل الولي الفقيه علي خامنئي في مشهد الملا علم الهدى (والد زوجة إبراهيم رئيسي) 3 كانون الثاني (يناير) 2024: “أنفاق غزة أنشأها فكر وخطة الحاج قاسم سليماني.. سافر الشهيد سليماني إلى غزة ثلاث مرات ورسم مخطط أنفاق غزة”.
خامنئي 16 كانون الثاني (يناير) 2024: “إن العمل الذي قام به شعب اليمن وحكومة أنصار الله لدعم شعب غزة كان عملاً عظيماً، اليمنيون ضربوا القنوات الحيوية للكيان الصهيوني، أمريكا هددت، ولم يخافوا من أمريكا، ومن يخاف الله فإنه لا يخاف غير الله”!
(الموقع الرسمي لخامنئي https://khl.ink/f/54944)
الكلمة الأخيرة
وفي استمرار الحرب بين غزة وإسرائيل وتبعاتها الإقليمية والدولية؛ توصل رجال الدولة ورؤساء الدول إلى نتيجة مفادها أن حل الأزمة الحالية هو الاعتراف بدولتين مستقلتين، إسرائيل وفلسطين، والتعايش السلمي.
وفي النهاية ما ينبغي التأكيد عليه هو أن إشارة الترويج للحرب في طهران نحو «رأس الأفعى»، وإن تأخرت، إلا أن ذلك يشكل أيضاً نقطة تحول في الأزمة واتجاه ناقل التطورات نحو إيران.
* كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني