غطرسة الوضيع

 

ماجد ع  محمد

 

صدق عبدالرحمن الكواكبي حينما قال: “لو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما أقدم على الظلم” بما أن الظالم لا يردعه ولا يوقفه عند حده أيَّ ردٍ ودي أو مبادئ أخلاقية أو قيم أو مبادرات إنسانية، إنما الذي يجعله يرعوي ويكف عن ممارساته الطغيانية هو امتلاك الطرف الآخر أسباب القوة فقط، وأقرب مثال على ذلك هو ما شاهده العالم من اعتداءات نظام الملالي في طهران عبر ذراعه الرئيسي الحرس الثوري الإيراني على مواقع في سورية وإقليم كردستان العراق وباكستان.
إذ بالرغم من الإدانات الدولية على اعتداء الحرس الثوري بالصواريخ البالستية على منزل رجل أعمال كردي في ضواحي أربيل، وبالرغم من المظاهرات العارمة التي خرجت في مدن الإقليم وبعض العواصم الأوروبية ضد هذا الاعتداء الغاشم، إلا أن طهران بقيت مصرة على ادعائها الكاذب ألا وهو بأن الموقع الذي استهدفته هو مقر للتجسس لصالح الموساد الاسرائيلي،

 

 هذا بالرغم من أن بغداد وعبر قاسم الأعرجي الذي زار المكان بنفسه مع وزيري الداخلية والصحة في الإقليم قد كذَّب الادعاءات الايرانية، وقال الأعرجي من مكان الحدث بأن لا أساس للادعاءات الايرانية والمنزل هو لرجل مدني، وبالرغم من أن قادة الإقليم وبكل ثقة أبدوا ترحيبهم بقدوم لجان دولية من أي دولةٍ كان لزيارة المكان الذي استهدفته طهران لإجراء التحقيقات اللازمة من أجل تصديق أو تفنيد المزاعم الإيرانية، وبالرغم من انطلاق حملات شعبية لمقاطعة المنتجات الإيرانية احتجاجاً على الهجوم الإيراني على أربيل واستشهاد المدنيين فيها، حيث طالب النشطاء الكورد والعرب على منصات التواصل الاجتماعي بمقاطعة المنتجات الإيرانية رداً على القصف الإيراني، ودعوا المواطنين إلى المشاركة في حملة المقاطعة وعدم دعم الاقتصاد الإيراني من خلال عدم شراء البضائع الإيرانية وتركها تنتهي الصلاحية على الرفوف وفي المخازن، فبالرغم من كل هذه الدلائل والقرائن وردود الفعل الدولية والشعبية على جريمة إيران إلا أنها لم تعتذر عما اقترفته، بل بقيت متمسكة بموقفها الكاذب.
بينما باكستان التي تمتلك السلاح النووي والتي لم تلجأ إلى المجتمع الدولي، ولا إلى رفض الذي جرى من خلال الإدانات القولية والمظاهرات الشعبية في الشوارع والساحات، إنما تعاملت بنفس لغة العنف التي تفهم بها طهران وقصفت بشكل مباشر مواقع داخل إيران، فهو فقط ما أجبر طهران على الخنوع أمام باكستان، وادعت طهران حينها على الفور بأن الحرس الثوري لم يخبرها عندما قصفت قواتها مواقع داخل باكستان، حيث “كشف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، لنظيره الباكستاني باتصال هاتفي، أن حكومة طهران لم تعلم بالضربات التي نفذها الحرس الثوري على الجارة، ولا بالخطة” وفقا لموقع (إيران إنترناشونال)، كما أكد عبد اللهيان أن الحرس الثوري تصرف من دون إبلاغه، ومن جهتها فلم تكتفِ باكستان بالرد المباشر فحسب إنما لوّحت إسلام آباد بالمزيد في حال تهورت إيران، وقال مسؤول أمني باكستاني رفيع إن الجيش في حالة تأهب للرد على أي مغامرة خاطئة من إيران، لذا فإن الرد الباكستاني المباشر أجبر طهران على التملص من مسؤولية ما قام به الحرس الثوري التابع لها بل والخنوع أمام اللهجة الباكستانية القوية.
بالمقابل فمع كل الود الذي يبديه إقليم كردستان تجاه إيران، ورغم حرصه الدائم على حسن الجوار لا تقابله طهران بالمثل، إنما بالعكس تستمر في غطرستها وعنجهيتها مع استمرار اللغة السلمية والإنسانية للإقيم وذلك لأن الإقليم لا يمتلك السلاح النووي الذي تمتلكه باكستان، كما أن طهران وقرينتها المعادية للإقليم ضد أي نجاح تحققه أربيل في أيّ مجالٍ كان، فالجار العدواني والمتعجرف لا يطيق نجاح الجيران ولا يطيق تقدمهم في أي شأنٍ كان، لذا استهدفت طهران على مرحلتين رجلين من رجال الأعمال في أربيل لأنهم كانوا مساهمين في رفع سوية الإقليم اقتصادياً، فيغيظ طهران ما يجري في الإقليم من تقدم ملحوظ رغم الإمكانيات المحدودة، وطهران لا تحترم قط أحداً أضعف منها، مهما كان ذلك الضعيف صاحب حق وصاحب قضية عادلة، إنما الحل الأمثل مع طهران هو الرد بالمثل والتحدث معها بنفس اللغة العدوانية كما فعلت باكستان بالضبط، فهي اللغة الوحيدة التي تردع طهران وتجعلها تعتذر للآخر عما بدر منها تجاههُ وعما اقترفته بحق الغير.
لذا على حكومة إقليم كردستان التي تقدمت بخطوات جبارة في مجال البناء والازدهار والتطور العمراني كما هي ماضية في مجال تطوير قطاع الصناعة أن تسعى جاهدةً لامتلاك منظومة صواريخ الدفاع الجوي وأن تطور إذا أمكن من قدراتها العسكرية إلى جانب ذلك، لأنها إن لم تمتلك السلاح الرادع، وإن لم يجد الأعداء السلاح الفعال بحوزة حكومة الإقليم ستظل الدول الاقليمة مستمرة باستهدافها بحجج وذرائع واهية، وستعمل تلك الدول المعادية بشتى السبل على محاربة الأمان والسلام والطمأنينة المتوفرة في الإقليم، ومع تقديرنا واحترامنا للنهج السلمي الذي اختارته أربيل إلا أن الأعداء المتربصين بالإقليم لا يعنيهم بشيء خطاب السلم والأمان والإنسانية الذي تصر عليه وتمارسه على أرض الواقع حكومة الإقليم، بل بودهم الانقضاض على الإقليم متى ما سنحت لهم الفرصة، إذن هل من المعقول أن تبقى حكومة الإقليم مصرة على خطابها الإنساني وسط الكواسر المحيطة بها؟ ثم ما الذي يمنع الإقليم من أن يستمر بنهجه الحالي وثقافته الحالية مع امتلاك أسباب القوة العسكرية التي تردع الجيران العدوانيين والمتغطرسين؟ بل من المؤكد أن ذلك سيزيد من فرص النجاح والازدهار في باقي مجالات الحياة، باعتبار أن امتلاك أدوات الردع سيساعد على التقدم وسيجلب المزيد من الفرص الاستثمارية، ولأهمية وضرورة أدوات الردع لن نعيد ما قاله الكواكبي إنما وسط الوحوش الكاسرة سنستعين بعبارة عيسى ابن مريم رسول التسامح والإنسانية على لسان تلميذه لوقا الذي قال: “مَنْ لا سيفَ عِندَهُ، فَلْيبِعْ ثوبَهُ ويَشتَرِ سَيفًا”.
ــــــــــــــــــــــــــ
عنوان المقالة مقتطع من سياق شذرة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…