نظرة إلى أحداث المنطقة

 

افتتاحية جريدة الديمقراطي*

 

إذا كانت  الحرب الروسية – الأوكرانية قد أثرت سلبا في التنسيق العملياتي لتفادي الاصطدام بين القوات الروسية من جهة، وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، من جهة أخرى، على الأراضي السورية بسبب تضارب مواقف الطرفين بخصوص الأزمة الأوكرانية، إلا أن حشد الولايات المتحدة لذلك الكم الهائل من القوات خلال الربع الأخير من العام المنصرم، والمستمرة حتى الآن، والتي شملت حاملات الطائرات والصواريخ والأساطيل الحربية في المنطقة والتي توقع الكثير من المراقبين بأن هذا التحشيد للقوات الأمريكية يهدف إلى قطع الممر الذي تستخدمه إيران عبر الأراضي العراقية والسورية لتمرير الأسلحة إلى كل من سورية ولبنان وإمداد القوات والفصائل الموالية لها بتلك الأسلحة، هذا التحرك الأمريكي دق ناقوس الخطر لدى إيران  فكان إشعال فتيل الصدامات على ضفتي الفرات بين قوات متشكلة من العشائر من جهة،  وقوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى كخطوة استباقية لإفشال الخطة الأمريكية المزعومة،

 

وبعدها جاءت عملية ( طوفان الأقصى) التي فاجأت إسرائيل في حجمها ونوعيتها ما دفع الجيش الإسرائيلي الذي شعر بالإهانة إثر فشل استخباراته كما هو في الظاهر، في منع هكذا عملية نوعية ضده، إلى الرد بكل قوته وبدعم كامل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، لشن حرب شعواء على قطاع غزة لا زالت مستمرة منذ أكثر من شهر ونصف وحتى الآن ولا يمكن التكهن بخواتيمها ونتائجها ومجرياتها، وبالتالي أقحمت حركة حماس نفسها والشعب الفلسطيني كله في معركة طويلة غير متكافئة، والآن تتجه هذه الحرب نحو التصعيد والتوسع يوما بعد آخر، فالحوثيون يهددون الملاحة في الخليج والبحر الأحمر و( المقاومة الإسلامية ) تشن هجمات متكررة وشبه يومية على المواقع والقواعد الأمريكية في كل من سورية والعراق لترد عليها القوات الأمريكية بعمليات قصف جوي عنيف على مواقع تلك الفصائل ولتلجأ مؤخرا القوات الأمريكية والإسرائيلية إلى رفع مستوى الرد ليشمل اغتيال قيادات بارزة جدا في كل من حماس وحزب الله والحشد الشعبي وكذلك الحرس الثوري الإيراني، حيث أدركت أمريكا بان عملية هجوم حماس على إسرائيل كان بتخطيط وإيعاز من إيران وإرباك المخطط الأمريكي ضدها في المنطقة، وبالفعل فقد صرح مسؤول إيراني كبير بأن عملية طوفان الأقصى جاءت ردا على اغتيال القائد العسكري الإيراني البارز قاسم سليماني العام الماضي، هذه التطورات المتسارعة والدراماتيكية تزيد من احتمالية نشوب حرب شاملة في المنطقة إذ أن العديد من الجبهات كالجبهة اللبنانية والسورية كانت تكتفي بالمناوشات الموضعية حتى الآن، إلا أن التطورات الميدانية تنذر بانفجار كبير في المنطقة، ومن الواضح أن هذه المواجهات تلقي بظلالها ونتائجها بشكل مباشر على الأزمة السورية وتزيدها تعقيدا، فالحرب الداخلية مستمرة بين قوات الحكومة والقوات الموالية لها وكذلك القوات الروسية من جهة، والفصائل الموالية لتركيا من جهة أخرى، والدولة التركية التي تجيد ابتزاز الآخرين وخاصة حلفائها، استغلت أحداث غزة لتقوم بقصف المراكز الاقتصادية والمرافق والمنشآت الخدمية والبنية التحتية بشكل شبه كامل في المناطق الكردية الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية، أما الهجمات الإسرائيلية المتكررة على المواقع السورية الحيوية  لازالت مستمرة من حين لآخر، في حين تكتفي القوات الروسية فقط بقصف مواقع المعارضة، ومفاوضات حل الأزمة السورية باتت شبه متوقفة، وتنظيم داعش لايزال نشطا في العديد من المناطق، وكل انعكاسات هذه الأوضاع لازالت تلقي بظلالها على حياة المواطن السوري وهذه الأزمة وغيرها كالحرب في السودان واليمن وغيرها أضحت في النسق الأخير من الاهتمام الدولي بسبب ظهور ملفات أكثر سخونة وأهمية، وأن صراع الحروب بالنيابة يكاد يدخل مرحلة التصادم المباشر..وإذا كانت الولايات المتحدة تلوح بين الحين والآخر بأنها قد تنكفئ وتنسحب من المنطقة، إلا أن الأحداث التي تشهدها المنطقة والخطر النوعي والوجودي الذي واجهته إسرائيل إثر عملية (طوفان الأقصى) من المتوقع لها أن تدفع الإدارة الأمريكية إلى استبعاد هذه الخطوة، حيث صرح أكثر من مسؤول أمريكي رفيع في الآونة الأخيرة بأن القوات الأمريكية باقية في المنطقة لأمد طويل، فهي تدرك جيدا بأنها ستخسر مصالحها وتواجدها نهائيا بمجرد سحب قواتها لأن القوى الدولية والإقليمية التي تنافسها على هذه المنطقة جاهزة لملء أي فراغ قد تتركه خلفها إضافة إلى أنها تدرك بأن انسحابها سيترك المجال لعودة داعش إلى المنطقة بشكل أو بآخر مما يهدد الأمن والسلام في الدول الغربية وفي أمريكا أيضا..كل هذه الصراعات وتناقضات المصالح المحتدمة في المنطقة قد تبلغ ذروتها خلال العام الجاري وقد تنجم عن مجرياتها نتائج ليست  في الحسبان..فالمنطقة، إن لم نقل العالم كله، تمر بحالة من الفوضى، وليس لها بالضرورة أن تكون خلاقة….وفي خضم كل ما يجري، يبقى السؤال الكبير على المستوى الكردي: أين نحن من كل هذا؟  وهل اتخذت الحركة الكردية أو الكردستانية الحد الأدنى مما يلزم القيام به لمواجهة ما قد يأتي بأقل الخسائر؟؟ إنني أميل إلى أن الجواب ربما لا يتجاوز حرفين ليس إلا….
——————————————————-
*جريدة الديمقراطي /العدد 627/ كانون الثاني/ 2024
*الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا
(عدد خاص بانعقاد المؤتمر السادس عشر للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)
لتحميل و قراءة العدد (٦٢٧) اضغط على الرابط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* الحرب المدمرة التي استمرت 12 يومًا وصلت إلى “هدنة”. فما هي الخطوة التالية؟ هل سيتحقق ما يريده الشعب الإيراني ومقاومته، أي “الانتفاضة” و”الإطاحة بالديكتاتورية” في إيران؟ أين وما هي المعركة النهائية أو الحرب الرئيسية؟ هل هذه الحرب تقترب؟ من هو الفائز ومن هو الخاسر في هذه الحرب؟ ساحة الحرب! حتى الآن، ثبتت هذه الحقيقة: “الحرب الرئيسية”…

إبراهيم كابان تشهد سوريا اليوم تحولات دقيقة تعيد طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الدولة، شكل الحكم، والعقد الاجتماعي الذي يُفترض أن يحكم التنوع السوري المذهبي والعرقي والثقافي. وبينما تستعيد الأذهان تجربة العراق بعد عام 2003، حين قاد الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر عملية الانتقال نحو نظام سياسي جديد، يبرز اسم رجل الأعمال الأمريكي اللبناني الأصل توماس باراك كأحد العقول…

د. ولات محمد تشهد الساحة السورية منذ زمن تسابقاً محموماً بين فئة من المنتمين لمكونات المنطقة على النبش في صفحات التاريخ بغية الإتيان بأدلة وبراهين تثبت أصالة شعب معين في هذه الجغرافيا وطارئية شعب آخر، وذلك لتسويغ استئثار الأول بكل شيء وحرمان الثاني من كل شيء وإلغاء وجوده من الجغرافيا ذاتها والتقليل من شأنه الحضاري. والسؤال الذي يفرض نفسه في…

إبراهيم اليوسف هكذا كان الطريق إلى القدس! -أحدهم- يعود سؤال صلاح الدين والكرد، إلى الواجهة، من وراء سياج ذاكرة الشجاعة والخذلان. الخذلان من قبلنا بحق هذا العلم العملاق، لاعتبارات قرائية خارج السياق الزمني، ومفاد هذا السؤال هو: لماذا لم يؤسس القائد الكردي دولة لقومه لطالما أنه أسس هده الإمبراطورية مترامية الأطراف التي يتباهى بأجزاء منها سواه، بل منهم من ينطلق…