«سفر بر لك غزة»!

 

فرمز حسين

 

حين ينظر المرء إلى معاناة كلا الشعبين الكردي و الفلسطيني يستطيع أن يتخيل مقدار احترام حقوق الانسان و حق الشعوب في تقرير مصيرها عند دعاة الديمقراطية في “العالم الحر”! أمريكا و الاتحاد الأوربي بامكانهما ايقاف الغزو الاسرائيلي لقطاع غزة في يوم واحد و انقاذ أكثر من مليوني فلسطيني من القتل و التشرد. لكن لماذا لا يفعلان؟ هذا هو السؤال البسيط الذي يراود كل متابع للأحداث صغيراً  كان أم كبيراً، مهتم بشؤون الشرق الأوسط أم لا. لكن الاجابة ليست بالبساطة ذاتها و لفهم كل ذلك علينا العودة إلى أيام الحرب العالمية الأولى و انهيار الامبراطورية العثمانية و قرار كل من بريطانيا و فرنسا رسم الحدود الاستعمارية للشرق الاوسط في اتفاقيات سايكس بيكو، و انتداب بريطانيا لفلسطين ومن ثم معاهدة سيفر التي أحبطها أتاتورك فيما بعد من خلال اتفاقية لوزان و أدخلت الشعب الكردي في صراع دائم مع أربع دول تتقاسم جغرافيتها بدل اثنتين للحصول على حق تقرير مصيره

 

و أقحمت الشعب الفلسطيني مسلمين و مسيحيين  في تناحر دامٍ مع اليهود و في دوامة عنف لها بداية و ليست لها نهاية. ما نعيشه اليوم هو الحصاد المر الناتج عن التدخل الغربي السافر في شؤون الشرق الأوسط و اقامتها لكيانات مصطعنة دون أن يكون لشعوب المنطقة رأي في القبول أو الرفض. إنه السلم الذي جاء بعد توزيع تركة الرجل العثماني المريض و الذي أسماه المؤرخ الأمريكي دافيد فرومكين ب “السلم الذي قضى على السلام كله”.
 حدود جغرافية مصطنعة و جدران عنصرية فاصلة في هذه البقعة من الأرض بالاضافة إلى استمرار التدخلات الخارجية لحماية مصالح القوى العظمى وهيمنة لغة القنابل و الصواريخ  و أسطول اسرائيل العسكري الضخم مدعوماً بالصمت الدولي حيال كل تجاوزاتها، كل ذلك لايبشر بمستقبل يعم فيه السلم الأهلي و التعايش.
 إسرائيل تكذب و لاتريد انهاء حماس بل تريد تهجير المزيد من الفلسطينين و حكومة اسرائيل ليست بصدد حتى التفكير في القضاء على ايديولوجية حركة حماس ليس لأن ذلك مستحيلاً فقط بل لأنها كانت من الداعمين لها على عكس ما تريد اظهاره. بمقالة في صحيفة أفتونبلادت في العاشر من أكتوبر المنصرم للصحافية السويدية الأكثر خبرة بشؤون الشرق الأوسط”بيتي هامرغرين” تقول فيها بأن القائم بأعمال حاكم غزة العسكري 1981 إسحاق سيجيف صرح لصحيفة نيويورك تايمز بأن الحكومة الاسرائيلية منحته ميزانية لكي يتبرع من تلك الميزانية لحركة الاخوان المسلمين المتواجدة حينها في غزة و كان ذلك بمثابة “البذار” ومن خلال ذلك الدعم المادي تشكلت فيما بعد حركة حماس في العام 1987 و بعد عشرون عاماً استطاعت حركة حماس طرد منظمة التحرير الفلسطينية فتح من  قطاع غزة كله، لكن مع تفرد الحركة بالسلطة في غزة اقتربت أكثر من ايران و ازدادت راديكالية مع بقية الحركات الاسلامية المتشددة.
  كما هو معروف فان حركة حماس لاتمثل الفلسطيين دولياً وكذلك مصنفة من قبل أوربا و أمريكا كمنظمة “ارهابية” ووجودها في المشهد السياسي و العسكري يخدم مطامح  اسرائيل في كسب المزيد من التعاطف الغربي معها و يعطيها فرصة القتل المرخص. الاشكالية تكمن في حجم القوة التي تريده اسرائيل لحماس من جهة و ماهية تواصلها مع القوى المتقاربة فكرياً معها في العالمين العربي و الاسلامي. حماس إذا كانت قوية سوف تشكل حاجزاً منيعاً في وجه سياساتها القائمة على التوسع في بناء مستوطناتها و اذا كانت ضعيفة جداً فسوف لن تكون في مكانة تشكل تهديداً لمنظمة فتح و بالتالي تفقد اسرائيل مساحة المراوغة في قضية حل الدولتين.
أمريكا و معها اسرائيل تراهنان على تطبيع علاقة اسرائيل مع أكبر عدد ممكن من الدول العربية ظناً منهما بأن هذا التطبيع سوف يُجنب اسرائيل الكثير من المتاعب و يغيب صوت الشارع العربي و الاسلامي و بالتالي تستطيع بالتالي الاستفراد بالفلسطينين أكثر فأكثر، اليوم  حماس  و غداً السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيرش” قال مؤخراً في خطاب له بأن “هذه هي لحظة قول كلمة حق” حول ما يحدث من انتهاكات بحق المدنيين في غزة. لكن مايحدث اليوم هو أن هناك إما من يقول ماهو باطل أو يتفرج بصمت على المشهد الدامي الذي  يعانيه أهالي غزة شيباً و شباباً، أطفالاً و نساءً مع كل لحظة تمر. ما يتعرض له الغزاويين اليوم هو أكثر من “سفر بر لك” أو تهجير جماعي، انه الخيار بين الطاعون و الكوليرا بين الموت جوعاً، برداً، و عطشاً من خلال الاقتلاع من الجذور و التشريد القسري أو الموت تحت الأنقاض.
ستوكهولم
2024-01-04

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي   تُعَدّ العلاقات الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، إذ تلعب دورًا جوهريًا في بناء شخصيته وتشكيل نظرته إلى الحياة. فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، مما يجعل هذه العلاقات ضرورية لتحقيق التوازن النفسي والعاطفي. ورغم دورها الإيجابي، فإن للعلاقات الاجتماعية جوانب سلبية قد تؤثر على الأفراد والمجتمعات بطرق مختلفة. في سوريا، تتميز…

عُقد يوم الثلاثاء الموافق ٢٢ نيسان ٢٠٢٥ لقاءٌ مشترك بين المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا برئاسة سكرتيره الدكتور صلاح درويش، ووفد من المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح الكردي – سوريا برئاسة المنسق العام الأستاذ فيصل يوسف، وذلك في مقر الحزب بمدينة القامشلي. تناول اللقاء عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وكان أبرزها: ١. مناقشة آخر المستجدات على الساحة…

مصطفى منيغ / تطوان من الدولِ مَن صوتها يعلو وهي صامِتة ، تُسْمِعٌ عنها كلَّ أنباءٍ مُفْرِحة ، عملاقة لا تهتم بمن دونها مع الأفضل أفكارها مُعلَّقة ، متطلٍّعة للمزيد ما دام الرقي يُكتسَب عن إرادة غير مُصَنَّعَة ، حافظة أصلٍ بالابتكار الطبيعي المُباح نتائجه بالقبول الحسن مُشبَّعة ، مهما بلغ التطوُّر مِن تطَور به دوماً بجذوره مُشبَّهة ، وُجِدَت…

صلاح عمر لا أفهم، بل في الحقيقة، يصعب عليّ أن أستوعب هذا الإصرار العجيب – وهذا الإمعان في السخرية والتقزيم – من بعض أبناء جلدتنا، من أولئك الذين يتفاخرون بثقافتهم العالية و”نضجهم” السياسي على منصات التواصل الاجتماعي، تجاه أي خطوة تُحاول، ولو متعثرة، أن ترمّم البيت الكردي المتهالك… وآخرها، الهجوم المستغرب على محاولة انعقاد كونفرانس كردي موسع، يضم تحت مظلته…