عبد العزيز قاسم
في عالم اليوم، وكما نرى أن أي إطار وطني، سياسي، اقتصادي أو ثقافي لديه مشروع أو خطة معينة يستعان من أصحاب القرار بالخبراء والاختصاصيين ذوي الخبرة والكفاءات، وكما كل الخطط فهناك الخطة البديلة المثلى من حيث تكلفة الوقت والمال في إطار تحقيق الأهداف المرحلية للجهة صاحبة القرار والخطة وللدفاع عن مصالحها ومواكبة التطور والتغييرات المرحلية والمستقبلية والديمومة في العمل المنوط بتلك الجهة سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو ثقافية كما أسلفت سابقاً.
لاشك أن كل مشروع ناجح يحتاح إلى وسائل كثيرة منها: القوة والمرونة، وقابلية التحقيق، والدفاع عن الذات، والتنبؤ الذي يسبق الخطة وإلى المعلومة المفيدة ولاسيما وقد دخلنا عصر المعرفة العلمية، فالمشاريع الناجحة تحتاج إلى تلك الأسس القوية والمتينة للاستمرارية ولمواجهة مشاريع الأطراف المعادية والمعارضة أو المنافسة.
في عالم الاقتصاد والمجتمع يحتاج المشروع الناجح إلي دراسات تسويقية لترويج المنتج أو الفكرة أو لدراسات إجتماعية تستهدف “المجتمع الإحصائي” وكذلك ففي عالم السياسة لابد للسياسي الناجح من دراسات ومعلومات عن واقعه وبيئته الاجتماعية وجواره الإقليمي تشمل مجالات الاقتصاد والديموغرافيا واتجاهات ونزاعات وميول الأفراد نحو كل قرار سياسي متخذ لدرء مخاطر الحظر الإقتصادي على الإقليم المعني كقضايا إغلاق الحدود والمعابر التجارية والهجمات السيبرانية (الإلكترونية) على منشآته. فالقرار السياسي الفردي والخاطئ في معظمه يقود في النهاية إلى كانتونات (مقاطعات) متقوقعة على ذاتها، تصبح مع الزمن خارج الجغرافية السياسية وتتجه صوب الفشل والإنهيار وهي حال الدول الفاشلة اليوم وما أكثرها جلها مخرجات للمشاريع الفاشلة والإستفراد بالرأي والقرار.
وعندما نقارن تلك الدراسات الميدانية والنظرية الآنفة مع الوضع السياسي والثقافي في العام لكردستان (الجزء الملحق بسوريا)، نجد بوضوح حالة الإنقسام والتشرذم السياسي ولاسيما بغياب أية صيغة لمشروع كردي موحد يلوح في الأفق؛ وحتى أي عمل حقيقي في المنظور القريب لأجل لملمة الأوراق الكردية المبعثرة!
والأنكى من ذلك هي وجود العديد من المشاريع على الساحة السورية، وبخاصة تلك المعادية لحقوق الشعب الكردي ووجوده، كتلك السياسات والمشاريع المتبعة من قبل النظام السوري واليوم من قبل الدولة التركية والمعارضة السورية التابعة والرديفة لها.
وبغياب مشروع كردي سيخلف تهديدات كبيرة لوجود ومستقبل الأمة الكردية، في الوقت الذي يتم فيه تشويه المسألة الكردية وإفراغها من محتواها القومي من قبل أحزاب وقوى يفترض أنها كردية، فما بالك أن هناك أحزاب كردية كثيرة وعلى الملأ ترفض “المسألة القومية” في أدبياتها وغير مهتمين بالقضية الوطنية الكردية وإنما يعتبرون كياناتهم قوى ديمقراطية وسورية وبالمقابل تسخر طاقات أبناء شعبنا في مشاريع بعيدة لا علاقة لها بالحقوق الكردية!
أما الأحزاب الأخرى التي تدعي بإنتمائها (للمشروع القومي)، فلا فعل حقيقي ملموس يدل على صحة إدعائهم ذلك، فلا وجود لبرامج قومية واضحة لديهم وتواجدهم الى جانب (الائتلاف الإخواني) خير دليل على ضبابية الموقف في المسائل القومية، وكما يبدو فأنّ الشعب الكردي قد ابتلي بهذه الأحزاب والجماعات والتي باتت عبئا إضافيا على كاهله (وغدا كالعصي في الدواليب) وهذا مما يعرض مصير الشعب الكردي إلى مخاطر حقيقية في ظل إضاعة وتفويت العديد من الفرص التاريخية، والتي لا تتكرر ربما لعقود ولقرون من الزمن!!
و كما ورد في متن المقال فأنّ غياب الإدارة الواعية والمخلصة وبغياب مشروع كردي واضح يساهم في نجاح وتمرير مشاريع وخطط وسياسات النظام والقوى والكيانات السياسية الأخرى والمعادية أصلا لشعبنا!
وفي بدايات العام 2011 وما تلاه وللآن لم يتضرر أي مكون قومي أو طائفي أكثر مما تضرر به الشعب الكردي وقضيته القومية، فقد نزح أكثر من نصفه، واحتلت تركيا ومجموعاتها الإرهابية نصف أراضي المنطقة الكردية (عفرين، جرابلس، گرێ سپی، سەرێکانیە)، وكل الدعوات التي تدعوا إلى حماية الباقي من الأمة بشعبها وأرضيها لا تلقى صدى عند القيادات الكردية المتنفذة!
لذا لابد علينا من دعم كل خطوة نحو تحقيق وحدة الصف الكردي، وعدم اليأس ورغم الحالة الكردية والتي وصلت لطريق مسدود، ومن منطلق الحرص والشعور القومي فلا بد من التركيز على ذلك، اليوم وغدا وفي المستقبل والدعوة إلى نبذ الخلافات الشخصية جانبا والمصالح الحزبية الضيقة والإحتكام إلى رأي الشعب والتحاور، فهي الأرضية لنجاح المشروع الكردي فالتاريخ لا يرحم وخاصة ونحن في مراحل مفصلية من تاريخ سوريا المعاصر، وما المتتبع لمشاريع تركيا وإيران اللتين تستهدفان تدمير وإلغاء المسألة القومية الكردية بالأساس وزرع التفرقة بين الكرد والسوريين، فلا خير لمشروع وطني كردي بالتوازي مع مشروع وطني سوري إن وجد في مراحل تالية لضمان الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، ووضعها على طاولة المفاوضات آنذاك، فالمشاريع التوسيعية القائمة على تدمير وإزالة الشعب الكردي من الوجود هي مكشوفة وهذا ما تقوم به القوتين الإقليميتين تركيا وايران، وما تحركاتهما المستمرة والدورية و اجتماعاتهم في آستانا، موسكو، طهران وأنقرة وبوجود (الدب الروسي) والتقرب منه بذريعة طرد القوات الأمريكية من سوريا وحتى العراق، إلا في هدف مبطن وهي إجهاض كل حراك كردي سوري …
والمتابع للأحداث السياسية سيرى أن الوضع القائم سيتغير في المنطقة وسوريا، ولاسيما بعد (حرب غزة) وستؤثر تداعياتها على المنطقة وستختل موازين القوى، وستضع بلا شك وكما أرى، كلاً من تركيا وإيران أمام خيارات دولية وإقليمية صعبة، و بالتأكيد سيخلق التوازن الجديد فرص أخرى للسلام في المنطقة ولاسيما بخروج بعض أذرع إيران وتركيا من الساحة، وستتوفر مرة أخرى مناخات إيجابية وفرص لحصول الكرد على بعض المطالب القومية في سوريا، وكل ذلك مرهون بوحدة الصف الكردي وبوضع الحركة السياسية الكردية ومدى إلتزامها واخلاصها للقضية.
وبدون القيام بعمل حقيقي وجاد لتوحيد القوى الكردية المشتّتة، قد يعرض فيه الفرص الممكنة في المستقبل إلى مصير مشابه للفرص السابقة فتذهب كسابقها أدراج الرياح!
ويمكن القول أنّه ليس هناك ما يدل على وجود رغبة أو إرادة أو أرضية ملائمة أو استعداد لدى التنظيمات الكردية المختلفة مبادرات باتجاه الحوار وطموح تجاه البحث عن مشروع كردي وهذا ما يستشف من خلال الممارسات والسلوكيات اليومية والتي تجري بعيدا عن لغة الحوار وغياب مناخ الديمقراطية وحالة الطغيان السائدة.
ويلاحظ المتابع السياسي بضرورة البحث عن سياسة أو توجه لإيجاد مقومات القوة، ومن المنطقي فإن المراهنة على قدرة هذه التنظيمات في تحقيق خطوات ملموسة من شأنها تحقيق مطالب كردية حقيقية لصالح القضية الكردية، وإن سنحت فرصة ذهبية أخرى !!
وعلى ذكر الفرص الذهبية التاريخية والتي استفادت منها الشعوب والأمم والفرص ليست كالقطار تأتي في مواعيد محددة، وإنما تأتي وفق ظروف موضوعية قد تمتد ربما لقرون.
فالرهان على التنظيمات الكردية والتي شاخت وترهلت وعجزت عن التجديد، ربما بالاساس ليست لها القدرة والقابلية لخلق أو إيجاد آلية مناسبة للتعاطي مع المستجدات الراهنة، إنما هي بالمختصر (عبث) لا طائل منه ولا أمل يرجى منه.
وهل هناك من فرصة ولا تزال مستمرة و خلال اثنتي عشرة سنة من عُمر (الأزمة السورية) ولا حراك بعد في الشارع السياسي !!هنا يمكن الاستشهاد بقصيدة لشاعرنا الكردي الخالد ملايي جزيري :《مومکنەک دێ هەبتن داکو تەلەب حاسل بت
سەید و نێچیر کو نەبت توولەیێ سەییاد چ کت؟
هەر گل و سەنگ دبتن زێر ب تەدبیرێ حەکیم
قابلییەت کو نەبت حکمەتێ ئوستاد چ کت؟》
وكما يُقال فالشعر أفصح وأبلغ وكشرح مختصر ومبسط للبيتين أعلاه وهي: مفاده أن هذين البيتين يوضِّحان مفهوم العلة والسببية حيث يبين الشاعر أنه على الطلب أن يكون ممكناً فكما لا لزوم لکلب الصيد بانعدام المصيد الذي يمكن اصطياده، وكما على العاشق أن يطلب ويتمنى في عشقه أمراً ممكناً جائز الحصول عليه وإلا فإن سعيه المتواصل مصيره الفشل والحسرة والندامة، ويتحول الشاعر في البيت الثاني إلى اسلوب الاستفهام الانكاري؛ قائلاً: وهل يتحول كل طين إلى ذهب !؟ فبإنعدام العناصر والمواد اللازمة فإن المعلم أو الصانع يعجز عن الصنع).
فالتحول والانقلاب نحو الأفضل مرهونان بمدى الاستعداد والقابلية نحو التجديد والعلنية وتخطي العواقب والاعتراف بالأخطاء وقبول الرأي الإخر والنقد الموضوعي وهذه العوامل للاسف غير موجودة في ذهنية الأحزاب المحتكرة للسلطة والثروة؛ (فكما أن كل طين وحجر لا يتحول ذهباً)؛ فإنه ليس كل تنظيم أو حزب يمكن أن يصبح قائداً أو هادياً أو مرشداً لأمةٍ نحو غدٍ أفضل وأرحب.