عبد الرحمن كوركي
لقد قرأنا في التاريخ أن الديكتاتوريات كانت بادئة الحدث في كثير من الحالات، ولكنها لم تكن المُنهية له. وهذا الأمر متجذر في طبيعة الدكتاتوريات. والحقيقة هي أن الدكتاتوريات انهارت نتيجة لارتفاع مستوى الوعي واليقظة لدى الشعوب. والجدير بالذكر أن إيران تحت حكم الملالي لم ولن تكن مستثناه من هذا المبدأ الأساسي. لقد بدأ بعض الأشخاص دكتاتوريتهم، من قبيل رضا بهلوي الأب، وخميني وخامنئي، ولكن كما رأينا؛ أطاح الشعب بأحدهم في عام 1979 والآخر على وشك السقوط، وهو نظام ولاية الفقيه الديني! والحقيقة هي أن أبناء الوطن هم المُنهي للحدث، حيث أن العلم والفلسفة أظهرا ذلك مرات عديدة عبر التاريخ!
لن نذهب إلى الماضي البعيد، فالحرب التي بدأت في الشرق الأوسط في الـ 7 من أكتوبر، واستقطبت اهتمام الرأي العام العالمي؛ هي الدليل الدامغ اليوم على هذا التقدير الإلهي الذي لا ريب فيه، وهو أن الدكتاتوريات لا تدوم طويلًا. وتقودنا النظرة العميقة لهذا الأمر إلى المصدر الحقيقي الذي تتجلى فيه مصداقية هذا القانون!
بداية جديدة لإشعال الحرب في المنطقة!
بدأ النظام الديني الحاكم في إيران منذ تأسيسه في عام 1979؛ وجوده بقمع “الحريات” في إيران، وأسس استمراره على “إشعال الحروب” وتصدير الأزمات إلى خارج الحدود. ولذلك رأينا أنه مهَّد الطريق لحرب الـ 8 سنوات بين إيران والعراق، واحترف الدكتاتورية في سوريا من خلال عائلة الأسد، وترسَّخ في لبنان تحت اسم “حزب الله”، وأسس الإرهاب وإشعال الحروب، كما شكَّل في فلسطين “مجموعة بالوكالة”، ومهَّد الطريق للحرب التي نشهدها الآن. كما انتهج في دول أخرى سياسة العصا والجزرة تجاه الآخرين، باستخدام “الإرهاب والتطرف” للحفاظ على دكتاتوريته في إيران!
بعض الأسئلة الأساسية!
تخيل الآن ماذا كان سيحدث لو لم يكن قد وصل مثل هذا النظام إلى السلطة في إيران، أو لو لم يكن قد أُجبر على توليها؟ أو تخيل ماذا كان سيحدث لو لم يستولي الحكام المستبدون في إيران على رأس مال دولة يبلغ عدد سكانها 85,000,000 نسمة؟ وأخيراً، تخيل ماذا كان سيحدث للمنطقة والمجتمع الدولي لو لم تكن في إيران “مقاومة إيرانية”؟
هذه هي الأسئلة التي تطرق أو ستطرق باب كل بيت، أي أن هذه الأسئلة مهمة للغاية وتؤثر على جميع الناس، بغض النظر عن مكان إقامتهم أو وضعهم الاجتماعي. إن الشعب الإيراني وشعوب المنطقة والعالم يبحثون عن شخص قادر على تحمل المسؤولية، ومن المؤكد أنهم سيجدونه ويمكِّنوه من تولى السلطة في البلاد. ومن المؤكد أن هذه الشعوب ستحقق أهدافها عاجلاً أم آجلاً، ولكن بدون أي جهد.
سياسة الاسترضاء مع الدكتاتورية الدينية!
يكفي للدلالة على خطورة سياسة الاسترضاء مع ديكتاتورية ولاية الفقيه أن نشير إلى أن الوضع الحالي للعراق هو في الأساس نتاج هذه السياسة، وإذا لم يتم وضع حدٍ لها، فإن الوضع فيه سيكون أسوأ بكثير من لبنان وفلسطين؛ نظراً لأن أساليب وحيل نظام الملالي أكثر تعقيداً من تلك التي تستخدمها الحكومات الغربية والعربية على طريق الحضارة الإنسانية. ولاريب في أن هذه الحكومات ستخسر في أي صراع أو مواجهة مع إيران إذا لم تتحالف مع الشعب والمقاومة الإيرانية، وستكون النتيجة تقدُّم نظام ولاية الفقيه العدواني المستبد.
وفي الآونة الأخيرة، قال الجنرال جيمس جونز، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي، في خطابه وشهادته القيمة؛ في سياق التحذير من خطورة رأس الأفعى المشعل للحروب، أي خامنئي، والتأكيد على أن “النظام الإيراني هو البؤرة التي لا يمكن إنكار أنها السبب الرئيسي في عدم الاستقرار والفوضى الإقليمية”: “إن النظام الإيراني قد دمر استقرار الشرق الأوسط ، وصدَّر الإرهاب والتطرف خارج حدود إيران للحفاظ على سلطته الهشة، ولا نجد هذا الأمر يتجلى في أي مكان في العالم بقدر ما يتجلى في قضية فلسطين. ويقول حول الأوضاع المتفجرة في المجتمع: “إن إيران قنبلة موقوتة جراء أنها مزيج من الاستبداد، والاضطراب الاقتصادي، وعدم الكفاءة، والفساد. والجدير بالذكر أن الأحداث التي وقعت في إيران، من قبيل مجزرة عام 1988، واختيار إبراهيم رئيسي رئيسًا لجمهورية الملالي؛ ساهمت في تفاقم هذا المزيج الذي لا يطاق. وقد أظهرت انتفاضة عام 2022، على الرغم مما خلَّفته من خسائر فادحة؛ قوة نظام الملالي الآخذة في الانهيار، وسلطت الضوء على الإرادة القوية للشعب الإيراني وتصميمه على التغيير”.
واعتبر أن استقرار المنطقة ومستقبلها مرهونان بتقدم الشعب ومستقبل إيران. وبعد الإشارة إلى رأس الأفعى القاطن في طهران والمشعل للحروب والمتسبب في الفوضى، قال: “أرى أن السبيل الوحيد لإقامة السلام الإقليمي يكمن في دعم تطلعات الشعب الإيراني للتغيير وإقامة جمهورية ديمقراطية خالية من أي دكتاتورية دينية أو ملكية. لقد تجلَّت رغبة الشعب الإيراني على أكمل وجه في شعار “الموت للمستبد سواء كان ملكاً أو زعيماً”، والذي تردد في شوارع إيران طوال السنوات الماضية. وبينما تعاني طهران من الإفراط في القمع، تظهر بارقة الأمل في شكل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومؤسسه الرئيسي، مجاهدي خلق، وهو ما يجسد روح إيران الحقيقية”.
وأدرك الدكتور ليام فاکس، وزير الدفاع البريطاني السابق؛ مثل العديد من القادة والبرلمانيين والشخصيات السياسية في العالم؛ أن قوات حرس نظام الملالي هي الجهاز الرئيسي والمحوري للقمع داخل إيران، وإشعال الحروب في المنطقة، وانتشار فرق الاختطاف واحتجاز الرهائن وتنفيذ عمليات الاغتيال في أوروبا وأمريكا.
من بين نتائج انتهاج سياسة الاسترضاء مع الديكتاتورية الدينية!
بناءً عليه، بغض النظر عن أي وجهة نظر تتعلق بالحرب في المنطقة، فإن الحقيقة هي أن هذه الحرب نتاج امتيازات خطيرة تم منحها لخامنئي ورئيس الجمهورية الذي عيَّنه، إبراهيم رئيسي، على مدار العقود الـ 4 الماضية، جراء انتهاج سياسة الاسترضاء مع دكتاتورية ولاية الفقيه، وقووا من شوكة الجهاز الرئيسي للقمع وإشعال الحروب، أي قوات حرس نظام الملالي، وجعلوه أكثر قوة وتأثيرًا، وذلك من خلال زيادة عدد أفراده وتزويدهم بالسلاح والمعدات، ومنحهم صلاحيات واسعة في الداخل والخارج، ودعمه ماليًا وإعلاميًا. ووسعوا نفوذهم اعتماداً على سياسة التوسع والعدوانية في المنطقة، وارتدوا ملابس محلية ووطنية ودينية.
رأس الأفعى المشعلة للحروب موجودة في طهران!
إن الوصف الدقيق لـ “رأس أفعى ولاية الفقيه الموجودة في طهران” هي أنها “المسؤول الرئيسي عن الحرب في الشرق الأوسط”، وقبل كل شيء نجد أنها احتلت إيران، وأسرت الشعب الإيراني ، وأخذت بعض الدول العربية كرهينة، وتمادت في ابتزازها للمجتمع الدولي. وهذا هو الوصف الذي سلطت المقاومة الإيرانية الضوء عليه للمجتمع الدولي والرأي العام، بما في ذلك الحكومات، ويقترن بهذا، التأكيد على أن إسقاط الدكتاتورية في إيران هو واجب الشعب والمقاومة الإيرانية. ويتعيَّن على دول العالم ألا تساعد هذه الديكتاتورية، وإذا أرادوا حل أزمة إشعال الحروب في الشرق الأوسط فعليهم أن يستهدفوا رأس أفعى ولاية الفقيه في طهران. وقد يكون هذا الإجراء أفضل مساعدة للشعب والمقاومة الإيرانية، حيث أنه يركز على إسقاط الدكتاتورية الدينية في طهران وفي جميع أنحاء إيران بغض النظر عن أي تطور في المنطقة والعالم!
رفض حل الدولتين عداوة لفلسطين!
مرَّ الآن ما يقرب من شهرين منذ بداية أزمة الشرق الأوسط والحرب الكارثية في غزة. وهناك إجماع دولي متزايد على أن إشعال الحروب والدور المخرب الذي يضطلع به النظام الإيراني في هذه الأزمة قد أعطى دفعة جديدة لحل الدولتين لتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط، وبات حل الدولتين ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى بعد أن كان في حالة جمود منذ سنوات عديدة. وهو الحل المستند إلى اتفاقات دولية، والذي نادي به كل من السيد محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية، وصديقه القديم ياسر عرفات، أحد مؤسسي السلطة الفلسطينية. وتم التأكيد مؤخراً على الضرورة الملحة لحل الدولتين في القمة الطارئة لقادة الدول العربية والإسلامية، وعارضها نظام ولاية الفقيه المشعل للحروب!
***