استكمالا لحوارات البحث عن الحقيقة

صلاح بدرالدين

الصديق الحقوقي – موسى موسى –  اثار انتباهي في ملاحظته التالية المنشورة على صفحات الفيسبوك:  
”  ليس راضياً من أداء الأحزاب، ويعارض الانشقاقات الحزبية، ولا يوافق على تأسيس أحزاب جديدة ايضاً.!!! ” ولكن من دون ان يسمي .
  ليس من الضروري ان أكون مقصودا بما سماه ( بالغير راضي، والمعارض، وغير الموافق ) حتى اكتب وأوضح وجهة نظري ولا أقول الرد عليه، ولكنني  اعترف انني كذلك وبنفس المواصفات، لان الموضوع المطروح يتعلق بالحركة السياسية الكردية السورية، واجد نفسي معنيا بها، وهي تهم بصورة غير مباشرة اكثر من ثلاثة ملايين انسان، ومن اهتمامات الملايين من شركاء الوطن أيضا،  وعلى طاولة النقاش اليومي للنخب الثقافية السياسية ونشطاء العمل القومي والوطني، ومثار خلاف، واختلاف، وموضع جدل منذ ان وضعت اللبنة الأولى لقيام الحركة منذ اكثر من تسعين عاما، في مختلف مراحل الصعود، والهبوط، والنجاح، والاخفاقات، وفي البيئات الوطنية تحت ظل الأنظمة والحكومات المتباينة باكثريتها الدكتاتورية الاستبدادية، والاشد شوفينية – عنصرية تجاه الكرد وحركتهم الوطنية .
  أولا – ” ليس راضيا عن أداء الأحزاب ” :، والغير راضون هنا يتعدون الافراد الى الغالبية الساحقة من الجمهور الوطني خصوصا منذ اندلاع الثورة السورية على اقل تقدير، فاحزاب طرفي الاستقطاب المتمترسة في المحورين المتصارعين أخفقت في بلورة المشروع الكردي الوطني، وتبنيه، والعمل من اجل توحيد الصف القومي لتحقيقه، وفشلت في توحيد  الحركة للمساهمة في العمل الوطني العام، والانخراط الموحد في الثورة السورية، بل ان طرفا منها حارب الثورة الى جانب النظام، وافرطت بالشخصية القومية – الوطنية الكردية السورية بموالاتها وتبعيتها للخارج، وحمل اجندات لاعلاقة لها بالقضية الكردية السورية، وازدهر في عهدها سوق المال السياسي الذي انتج الارتزاق، والفساد المالي والأخلاقي، وفي ظل صراعاتها تم افراغ المناطق الكردية، ودفع الناس الى الهجرة والنزوح، وتحول مناطق كردية الى الاحتلال، ووصاية الميليشيات، ونفوذ القوى الإرهابية، وتبدلت في عهدها العلاقات الكردستانية  من التفاعل الاخوي والاحترام المتبادل الى الهيمنة، والتبعية المطلقة، واذا كانت أحزاب ( الانكسي ) تعاني الاختراقات، وغارقة في الفساد والفوضى، وإنتاج الأقل مسؤولية، والأكثر ضعفا، والافقر فكرا وثقافة، فان أحزاب الطرف الاخر وبالاحرى القوة المهيمنة النافذة التي تغالي في التبعية الأيديولوجية الصنمية الاعمى  تتراقص بين أمواج السلطة والتعارض، وتستمد شرعيتها المنقوصة والمشكوكة في امرها من خارج الحدود – قنديل – وامرانلي – فادارتها شكلية ومستعارة من دون مضمون تاريخي تراكمي، وسلطتها المفروضة بالقوة لاتمت بصلة الى مبدأ حق الشعوب بتقرير المصير الذي تمقته أصلا، وتتبرأ منه، ولذلك فهي سلطة حزبية امر واقعية قد تتلاشى باية لحظة بعد سقوط الاستبداد، وحسب موازين القوى المحيطة والخارجية منها بشكل خاص .
  ثانيا – ” ويعارض الانشقاقات الحزبية ” :، من حيث المبدأ وبمعزل عن الأسباب والنتائج، فان تكاثر الانشقاقات الحزبية التي بلغت نحو مائة حزب او اكثر منذ عشرة أعوام فقط أصبحت نوعا من الملهاة – الصبيانية – فتاريخ الانقسامات بالحركة الكردية السورية شهد مراحل ثلاث : الأولى – في بدايات التأسيس، والانطلاق، ثم التصحيح، ووضع أسس استراتيجية  لمواصلة النضال، وكانت بسب الخلافات الفكرية، والسياسية حول تعريف الكرد اهو شعب ام اقلية، وسبل حل القضية الكردية عبر الاستناد الى مبدأ حق تقرير المصير ام نيل حقوق ثقافية لاقلية مهاجرة فقط،، والموقف من نظم الاستبداد، والمعارضة الديموقراطية، وكذلك الموقف من ثورة أيلول وقائدها الشرعي الراحل الكبير مصطفى بارزاني، وقد امتدت هذه المرحلة من  بدايات قيام – الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ١٩٥٧، مرورا بالكونفرانس الخامس ١٩٦٥، وانبثاق اليسار القومي الديموقراطي بعد انحراف اليمين عن خط الحركة وحتى ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي حيث بدات المرحلة الثانية – وفيها أصبحت الانشقاقات مهمة وظيفية لأجهزة الامن بعد انشاء النظام مكتبا خاصا بالملف الكردي انيطت مسؤوليته بالضابط الأمني المعروف ورئيس المخابرات العسكرية بالقامشلي – محمد منصورة – الذي قام بدوره المرسوم، وانجز مخطط – تكريد الصراع – بدلا من الصراع السياسي بين الحركة الكردية ونظام الاستبداد الذي كان قائما بسنوات المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثالثة – التي تبدأ تحديدا منذ اندلاع الثورة السورية المغدورة، وانكفاء سلطة النظام بقدر كبير في عموم سوريا، وبينها المنطقة الكردية، أصبحت انظار الكرد السوريين وبالاحرى الفئات الحزبية تتوجه نحو العمق الكردستاني بمحاوره المتعددة ( أربيل – قنديل – السليمانية ) فانتقلت مهام التحكم بالحركة السياسية الكردية السورية الى تلك المحاور المتصارعة وعزز ذلك المال السياسي والحاجة الى الحماية لعدم الثقة بالنفس، وتسارعت وتيرة الانشقاقات حيث بلغت الرقم القياسي الذي يفوق حاجة الكرد السوريين .
  ثالثا – ” لايوافق على تأسيس أحزاب جديدة أيضا ” :، من الطبيعي عدم استحسان الإعلان عن أسماء حزبية جديدة اذا كانت لضرورات تكتيكية من تلك المحاور، ومن نفس طينة الأحزاب القائمة، فكلنا نعلم ان هناك ازمة عميقة في الحركة السياسية الكردية السورية تشمل الفكر، والبنية التحتية التنظيمية، والسياسات، والممارسات، والازمة ليست في قلة الأحزاب، واحد أسباب تلك الازمة هو التكاثر الحزبي الهامشي، فكيف يمكن حل الازمة بزيادة اعداد الأحزاب ؟ نعم النضال الكردي القومي والوطني لن يدب فيه الروح من دون اطر تنظيمية، ومشاريع، وبرامج سياسية، ولكن ليس بالضرورة ان تكون تلك الأطر حزبية حسب الطراز القديم الذي اثبتت فشلها منذ اثني عشر عاما، بل يمكن ان تكون تنظيمات من طراز جديد، تستعيد الشرعية المفقودة، وديموقراطية قولا وعملا، وتعكس الإرادة الجماعية لكل الطبقات، والفئات في المجتمع الكردي  وتراعي مصالحها، ولن يتحقق ذلك الا بمؤتمر كردي سوري جامع، تتحقق فيه المصالحة، والمصارحة، ويصاغ ويقر المشروع القومي والوطني، والبرنامج السياسي، وتنبثق عنه مجلس قيادي لادارة العمل النضالي، ومواجهة مختلف التحديات الماثلة، حتى في هذه الحالة نحن بحاجة الى تنافس عدة تيارات من اليسار واليمين والليبراليين حسب قاعدة ( الصراع في اطار الاتحاد )، وهكذا نجد اننا امام سلة واحدة متكاملة في المفاصل الثلاثة لايمكن  القطع بينها، مع الاخذ بعين الاعتبار ان ماينطبق في المجتمعات المتقدمة التي أنجزت الاستقلال الوطني، والتقدم الاجتماعي، والتكنولوجي الصناعي، وتراكم الوعي، وتوفر الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والشعب، لاينطبق على مجتمعاتنا التي مازالت تعاني الفقر، والعوز، والحرمان من كل مقومات الحياة، والتعرض لجميع أنواع الاستبداد، ومصادرة الحقوق، والاستغلال، والانقسام، وسيطرة سلطات الامر الواقع، واقصد هنا بشكل أساسي مسالة الحريات بمافيها حرية العمل السياسي، وانشاء الأحزاب .
  وأخيرا لابد من القول ان من يكون معجبا بأداء الأحزاب القائمة يمكنه العمل بصفوف احدها او اكثر، اما هاوي الانشقاقات فلديه خيارات لاتعد ولا تحصى لشق الحزب الذي يريده، ومن يرغب بإعلان أحزاب جديدة فسوقها مزدهر وبغاية السهولة.  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…