لا مستقبل لإسرائيل بدون كوردستان مستقلة

زاكروس عثمان 

لو كنت انا مسؤول إسرائيلي لأعطيت القضية الكوردستانية اهمية قصوى، وعملت على الفور لإقناع الدول الغربية بدعم إقامة دولة كوردستان، ليس حبا في الكورد بل لان قيام الدولة الكوردية بات امر ضروري لضمان أمن إسرائيل، وان لم تعمل تل أبيب في هذا الاتجاه فإن زوال إسرائيل بات أمر لا مفر منه، ولن تستطيع البوارج التي ترسلها الولايات المتحدة الامريكية إنقاذها، لأن هجوم حركة حماس الارهابية على الاسرائيليين في 7 اكتوبر 2023 وضع اسرائيل امام حرب جديدة من نوعها، لتواجه مسلحين اشباح يعملون من قرب وعن بعد و من كل حدب وصوب، ولا تمتلك إسرائيل سوى الذكاء الصناعي الذي يفقد فاعليته في مواجهة هذا النوع من القتال، ولكن الكورد يمتلكون خبرة طويلة والمقدرة في التعامل مع التنظيمات الشبحية. 
ربما يجد البعض ان مطالبتي لإسرائيل بدعم استقلال كوردستان امر جنوني، لا ابدا فكرتي هذه ليست هراء بل هي شيء منطقي ـ واقعي، دعونا نتحدث بصدق و وضوح، ونوصف الواقع كما هو، إسرائيل جزيرة صغيرة مُحاطةَ ببحر من دول وشعوب لا ترفض وجودها فحسب بل كذلك تسعى أيضاً إلى إسقاطها، في هذا الصدد ليس من الحكمة ان يراهن قادة إسرائيل على حكومات بعض الدول العربية التي وقعت معها اتفاقيات سلام بضغط من واشنطن، إذ بينت الحرب الدائرة حاليا مدى هشاشة هذه الاتفاقيات التي بقيت محصورة في نطاق العلاقات الدبلوماسية دون ان تنجح في تحقيق انفتاح حقيقي بين الشعوب العربية وشعب إسرائيل.
ما زال الصراع بين إسرائيل والعرب ومن خلفهم المسلمين على اشده، حيث نجد اليوم اجماع عربي ـ إسلامي على موقف واحد وهو الانحياز للتنظيمات الفلسطينية بما فيها حركة حماس. 
ـ عربيا: حكومات الدول العربية بما فيها تلك التي لها علاقات مع إسرائيل خوفا من شعوبها، تتخذ مواقف متشددة من تل ابيب، ان لم نقل انها بشكل او اخر تدعم حماس، وتطالب إسرائيل بوقف القتال.
ـ إسلاميا: إيران تقدم دعم كبير لحركة حماس، سواء بالأموال والعتاد او بتحريك ميليشيات تابعة لها في العراق سوريا لبنان واليمن، للمشاركة في القتال وتوسيع رقعة الحرب، اما تركيا (شريك حلف الناتو) فان رئيسها رجب طيب اردوغان اخذ على عاتقه نشر الدعاية لصالح حماس ونشر الكراهية ضد اسرائيل، حتى وصل به الامر انه هدد بإعلان الحرب على إسرائيل. 
هذا على المستوى الرسمي، أما على المستوى العام فإن الأغلبية المطلقة من الشعوب العربية والإسلامية تقف إلى جانب حماس في تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الإسرائيليين، وعلى نحو مماثل تنحاز وسائل الإعلام في العالم العربي ـ الإسلامي إلى حماس، بل تنظر إليها باعتبارها مقاومة مشروعة. 
في مثل هذه البيئة شديدة العدائية يصعب على إسرائيل العثور على صديق حقيقي أو حليف استراتيجي غير الكورد، لماذا الكورد؟ قد يقول قائل إنهم أيضا من شعوب المنطقة وهم مسلمون ومن الطبيعي أن يقفوا إلى جانب الفلسطينيين، هذا صحيح، لكن هناك عامل اساسي يوحد الكورد والإسرائيليين، وهو أن الشعوب والدول التي ترفض حق الشعب الإسرائيلي في الوجود هي نفسها ترفض أيضاً وجود الشعب الكردي، في مثل هذه الحالة فإن العقل يفرض على الشعبين ان يعملا معا لبناء تحالف استراتيجي بينهما لمواجهة التهديدات والتحديات القائمة.
ولكن هناك مشكلة و هي ان مشروع بناء تحالف استراتيجي بين الكورد واسرائيل وفق الظروف الراهنة غير ممكن، لان إسرائيل دولة مستقلة كاملة السيادة حرة في اتخاذ القرارات وتأسيس العلاقات مع الاطراف الخارجية، اما الكورد فانهم شعب تحت الاحتلال لا يملك السيادة او سلطة اتخاذا القرار وبناء العلاقات مع الدول، هنا يأتي دور إسرائيل كي تستخدم علاقاتها ونفوذها من اجل الاستعجال في مشروع بناء دولة كوردية مستقلة، وفي حال ظهور هذه الدولة فإنها مثل اسرائيل ستواجه لمئات السنين نفس التهديدات، وهذا يجعلها بحاجة إلى تحالف ابدي مع اسرائيل والغرب.
طيب ماذا تستفيد تل ابيب من قيام كوردستان مستقلة، سوف تستفيد الكثير، فإن كانت إسرائيل دولة متقدمة علميا تكنولوجيا وتسليحا، فإنها دولة وحيدة صغيرة الحجم مساحة وسكانا، معزولة محاطة بدول لا تكن لها مودة، كما ان التوازن العسكري لم يعد لصالح تل ابيب التي لم تعد تواجه جيوش نظامية تخوض معارك تقليدية، بل التحدي يأتي من تنظيمات تحت ارضية تشكل فيما بينها شبكة مقاتلين مترابطة تتوزع بلدان المنطقة كلها، تبين بالتجربة بان الجيوش الجرارة و الاسلحة المتطورة لا تنجح في تصفية هذه الحركات التي سرعان ما تعود إلى نشاطها بعد توقف القتال. 
اما الكورد فانهم يشكلون جسرا حاجزا بين إسرائيل وكثير من القوى التي تخطط لضربها، كوردستان كيان ضخم بالمساحة والسكان، لها امتداد كبير ومؤثر في مختلف بلدان الشرق الاوسط، ناهيك عن امتلاكها لإعداد ضخمة من مقاتلين متمرسين في الحروب الثورية (الكريلا. الجبال. الشوارع و مكافحة الارهاب) حروب لا يقوى عليها الجيش الإسرائيلي او اي جيش نظامي، لقد مضى قرابة شهر وجيش إسرائيل غير قادر على تحقيق هدفه المعلن في تصفية حماس، هذا النوع من القتال هو المفضل في الحروب القائمة و في التي سوف تشهدها المنطقة، لن تقاتل إسرائيل جيوش نظامية ولن تنفعها كثيرا المعدات المتطورة، لأنها سوف تحارب اشباح، وقد جربت قتالهم ثلاث مرات ولم تنجح، وحتى تعيد شيء من التوازن عليها ان تساهم في استقلال كوردستان وتنميتها وتسليحها، لتحصل على شريك إقليمي هو ثالث اكبر قومية في الشرق الاوسط، ما المانع من عقد اتفاقية دفاع مشترك بين كوردستان و إسرائيل، لو كانت كوردستان اليوم مستقلة ومتحالفة مع إسرائيل ما كانت تسمح لأنقرة بتهديد تل ابيب و لا تركت المجال لطهران كي تحرك ادواتها في العراق لضرب المصالح الامريكية والاسرائيلية.
تنويه: في غضون اسبوع يمكن اعلان استقلال كوردستان في حال عدم عرقلة واشنطن للعملية، وعلى الاقلية الشريفة من ساسة الكورد وزعمائهم البحث عن اسباب معارضة امريكا لبناء كوردستان مستقلة. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…