انها العقلية ذاتها!

الدكتور شمدين شمدين

كلمة واحدة نطق بها الرئيس البرزاني ،حين اعتبر إن العلاقات مع إسرائيل ليست جريمة عندما تقرر بغداد نفسها إقامة مثل هذه العلاقات ،أقامت الدنيا ولم تقعدها، وذلك لمجرد إن كردياً أباح مثل هذه العلاقات ، وبداية هذه الدنيا التي لم تقعد كان الهجوم الشرس ضد هذه التصريحات ،من هيئة علماء المسلمين الذين اعتبروها اعتداءا على حقوقهم ومشاعرهم ،وكأنهم ما زالوا الحكام الاوحدون للعراق، وهم الذين يقررون ما ينبغي أن يقال أو لا يقال ،وهم بذلك يسيرون على نفس المنهج الصدامي الذي ظل يحتكر القرار العراقي، حتى جعل العراق فريسة سهلة لكل من يطمح في أرضه وعرضه

وقد كان الاولى بهذه المجموعة التي نصبت نفسها كناطق باسم الملايين من السنة العراقيين، أن تعترض على العلاقات المتطورة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية وكان من الأجدر بها ،أن تقف في وجه علاقات العراق مع دول خليجية وفرت لأمريكا نقطة عبور إلى احتلال العراق، ولكن كما يقول المثل  الشعبي ضرب الحبيب كأكل الزبيب ، فمنذ سقوط النظام العراقي ومطالبة الأكراد بضمان حقوقهم دستوريا والاعتراف بفيدرالية كردستان كجزء من العراق ، والهجمة التي يشنها بعض العرب من مثقفين وغير مثقفين ، و أحزاب ومجموعات وحتى من مسؤولي دول مستمرة وبوتيرة متصاعدة ، فقد صرح البعض ولأكثر من مرة إن كردستان هي إسرائيل الثانية ، وهم الذين يتسابقون في الخفاء إلى استرضاء إسرائيل ،وكسب ودها والحصار العربي على حركة حماس هو اكبر مثال على ذلك ، وللعلم فان كردستان هي كردستان ،ولن تكون لا إسرائيل الثانية ولا أمريكا الثانية،بل تطمح لان تصبح هونغ كونغ الثانية أو دبي الثانية من حيث توفير الرفاه الاقتصادي لشعبها خاصة وللعراق عموما ، وان كل ما يقال ويشاع عن وجود صهاينة في الشمال لهو محض افتراء ولعب على الوتر الحساس، وان من يخافون على وحدة العراق عليهم أن يكونوا دقيقين وحذرين في تصريحاتهم ، فتصريحات هيئة علماء المسلمين والتيار الصدري ، إنما تزيد الشقاق والتوتر بين أبناء الوطن الواحد ، فمن حيث المبدأ الجميع أحرار في التعبير عن آرائهم وأفكارهم ورؤيتهم لمستقبل العراق ، ولا يجوز لأي فصيل كان أن يملي على الأخر ما يجب أن يقال في شان هذا الموضوع أو ذاك ، وما بالك إن كان هذا الفصيل هو زعيم منتخب من قبل شعبه وهو مناضل معروف قد قاس المصاعب الجمة ،وعانى مع شعبه ويلات الأنفال والمقابر الجماعية وحروب الإبادة المنظمة .
إن المشكلة الأساسية التي مازالت موجودة في العراق هي غياب الفكر الديمقراطي الحواري ، وسيطرة الفكر الذي ينظر إلى حقبة القائد العربي الأوحد  كمخلص  وزعيم لا يمكن أن يخطأ ، وهنا نحن على يقين تام إن الطاغية قد رحل، ولكن الموروث لطغياني ما زال مسيطرا في العراق خاصة وفي عموم الشرق ، هذا الموروث الذي ما زال ينظر إلى العرب والعروبة، كخير امة وخير فكرة.

وان من يطالب بحقه في تقرير مصيره ،إنما ينتهك هذا المقدس العظيم الذي يجب أن تكون جميع شعوب المنطقة في خدمة إعلائه ،وعدم النيل من قدسيته أو المساس به ، ولو سارت الشعوب الباقية والمشاركة منذ القدم في العيش على هذه الأرض الخيرة على نفس هذا المنوال ، لاعترض الكورد على إقامة هذه المجموعات للعلاقات مع دول كتركية وإيران ،باعتبارها دولا تقمع الكرد وتمنع حقهم في تقرير مصيرهم ،والعيش بكرامة على تراب أرضهم ، ونحن نعرف إن هذه المجموعات تقيم أوثق الصلات مع هذه الدول بل تتلقى الدعم من بعضها .
إننا هنا لا ندافع عن احد ولا نهاجم أحدا ولكن من منطلق( احترم مشاعري احترم مشاعرك )ومن منطلق البناء السليم للعراق الجديد والشرق الجديد ، فإننا أردنا أن نوضح أن احتكار الرأي مهما كان ومن أي جهة كانت، هي اعتداء على الدماء العراقية البريئة التي سالت لسنوات طويلة ،من اجل التخلص من الطغيان والفكر الاستبدادي الذي يهمش الآخر، ويصادر حقه في التعبير عن آرائه ومشاعره ، ومن اجل بناء وطن يستند على المساواة بين جميع مكوناته وشرائحه ، ينبغي البدء بتصحيح هذه المفاهيم والاتفاق على المصطلحات ،ولا سيما في جهة من هو العدو ومن يحدد هذا العدو ولما هو عدو ، ومن يحدد الصديق وما مدى صدقتيه ، من هي الدول الصديقة وكيف يتم إقامة أفضل العلاقات معها ، وما هي اولويات الحكومة العراقية وما هي متطلبات الشعب العراقي ، كيف يريد العراقيون رؤية عراقهم المستقبلي ،وهل من حق المركز العراقي أن يصادر أراء وأفكار  الحكومات الإقليمية ، كل هذه الأمور يجب أن يتفق عليها العراقيون قبل أن يصرحوا ويفتوا بتحريم العلاقات مع إسرائيل أو غيرها.

،وعلى المجموعات التي تعتبر نفسها الناطق الرسمي بلسان الملايين من الشعب العراقي ، أن تدرك أن زمن الوصاية العربية على الكرد وقرارهم وأرائهم قد ولى ،وان أشخاصا مثل الزرقاوي ، إنما يجرون البلاد إلى مستنقع الحرب الأهلية والانقسام والتشرذم، وهو ما يقف الكرد بعمومهم ضده ،ويعملون جاهدين مع إخوانهم العرب الشرفاء والحريصين على مستقبل زاهر للعراق على منع حصوله أو حتى الترويج له .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…