د. محمود عباس
هل ستسمح روسيا لتركيا باجتياح غرب الفرات؟
وهل هذا المطلب التركي من جملة الصفقات التي يتم تداولها بين الدول الأربع والتي ستعود إلى الاجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية في أستانة في 21 من هذا الشهر؟ لمتابعة مخطط وزراء خارجية الدول الأربع الذين اجتمعوا في العاصمة الروسية موسكو بتاريخ 10 أيار الفائت.
رسمت حينها خريطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، أي مسيرة التطبيع، وإنشاء لجنة يشارك فيها نواب وزراء الخارجية ومسؤولين من وزارات الدفاع وأجهزة استخبارات الدول الأربع.
وقد كان من جملة بنود الخريطة؛ المخطط التركي باحتلال البقية الباقية من عفرين، بل كانت في صدارة التداول، ولم تخفي تركيا طموحها التمدد في المنطقة الكوردية على شرق الفرات، وربطها بمنطقة كري سبي وسري كانيه، تحت الحجج المعروفة والتي يكررها لأمريكا وروسيا بشكل متواصل، والغاية هي جعلها منطقة واحدة يقيم عليها حكومة من المعارضة تابعة لها كحكومة شمال قبرص، وبها يتمكن من الضغط على النظام بعد التطبيع، وإيران، بل وعلى المصالح الروسية في سوريا.
بالمناسبة: كتبنا في هذا البعد مقالات عدة قبل سنتين، منها (هل سيتكرر سيناريو عفرين في شرق الفرات، بتاريخ 29/10/2021)
فصمت أردوغان خلال السنة الماضية كانت:
1- على خلفية الانتخابات.
2- قبلها الموقف الأمريكي والروسي والإيراني الرافض، كل حسب مصالحه.
لكن الخباثة الميكيافيلية التي يتسم بها أردوغان، نبهته إلى أن الوقت لا يزال غير ملائم لتنفيذ الاجتياح، فضل السكوت عليه، وأجله إلى أن يحين الظرف المناسب، علماً أنه وطوال السنة ظل يعرضه ويحاور روسيا وأمريكا عليه وبطرق مختلفة، لكنه بالمقابل أستمر في تصعيد الاعتداءات على غربي كوردستان، بالقصف العشوائي: لإضعاف الإدارة الذاتية من جهة وجلب أنتباه الدولتين إلى مطلبه تحت غطاء حماية أمنها الوطني من جهة أخرى، وبعدما لم يتمكن من تغيير المواقف، خرج بخدع سياسية أوسع، وهي إثارة عملية التطبيع مع نظام بشار الأسد، وتقديم الخدمات لروسيا في حربها مع أوكرانيا، وكسب ود بوتين بمعارضة الناتو في عدة قضايا، وللحصول، على الأقل، على منطقة تل رفعت ومنبج المدرجتين ضمن الهيمنة الروسية وليست الأمريكية.
فالاعتداءات العشوائية على سكان المنطقة، وبشكل خاص منطقة عفرين المحتلة، والتي طالت المراكز الصحية، كالمستشفيات، وغيرها، وتصعيدها السافر وبهذا الشكل الإجرامي، ليست سوى مقدمة لفتح الملف السياسي-العسكري مع روسيا، قبل الاجتماع الذي سيتم في أستانة.
والسؤال المهم هنا:
1- إلى أي مدى ستتعرض مصلحة أمريكا للخطر، وتدفعها لإيقاف التوسع التركي المحتمل، في حال وافقت روسيا على مطلب أردوغان؟
فالولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة إدارة بايدن، تدرك بأن أي اجتياح جديد سيكون دعما للسيطرة الروسية على سوريا ورسالة ضغط لإخراجها من المنطقة الكوردية، ومن البعد الإستراتيجي، العملية ستكون رجحان كفة المواجهة لها ولحلفائها في سوريا، وخاصة قوى الإدارة الذاتية، وفي مقدمتهم قوات قسد؟
2- هل ستدرس أمريكا هذه الخطة، في حال نجاحها، على أنها قد تكون مقدمة على مستقبل وجودها في سوريا عامة، وهي من ضمن الاستراتيجية الصراع مع روسيا خارج أوكرانيا؟
تحدثنا قبل سبع سنوات عن المؤامرة ضد غربي كوردستان، والتي تم العمل عليها حينها ولم تنجح بسبب التدخل الأمريكي، على خلفية محاربة داعش، والتي كانت من أحد الأدوات التي استخدمتها تركيا حينها، لكن تركيا لم تتقاعس، والمخطط لم يخمد، وظلت تعيد المحاولة، مرات عدة، صعدت من ضغوطاتها على أمريكا وروسيا، بكل الأساليب السياسية والدبلوماسية، مع تصاعد سيطرة الـ ب ي د على المنطقة وتشكيلها لقوات قسد، وانتقالها من قوة عسكرية إلى هيئة ومؤسسات إدارية قابلة لتشكيل دولة، إلى درجة حاولت أن تزيد من الخلافات بين أطراف الحراك الكوردي والكوردستاني، وسخرت لها الكثير، ماديا وسياسيا وعسكريا، والعائق الوحيد الأكثر تأثيرا كانت المصالح الأمريكية ووجودها ضمن المنطقة الكوردية، والتحالف مع قوات قسد والإدارة الذاتية وبالتأكيد مع جنوب كوردستان، وهما الأكثر ثقة من كل من تم التعامل معهم في المنطقة.
تناولنا لتلك المؤامرة كانت مسنودة إلى مصادر موثوقة، الاختلاف الذي تم من حينه إلى اليوم، هو أن المخطط تم تعديله، من حيث الوجوه التي يجب أن تدير المناطق، وتوزيع قوى النفوذ عليها.
فقد كان مخططاً أن تخلى منطقة عفرين، أي غربي الفرات لسيطرة حزب الـ ب ي د، ويتم فيها تشكيل إدارة مشابهة للموجودة الآن في المنطقة الكوردية شرق الفرات لفترة معينة، إلى أن يعيد النظام عافيته، أو يتم تغيير النظام باتفاق دولي في حال نجحت المنظمات التكفيرية أو ما تسمى بالمعارضة السياسية السورية. أما المنطقة الكوردية الشرقية، أي شرق الفرات، والتي كان من المخطط أن تديرها القوات الكوردية المتحالفة مع المعارضة والتابعة لتركيا.
لكن وعلى خلفية التدخل الأمريكي، كما ذكرنا، تم إعادة النظر في مخطط المؤامرة، فكانت عملية التغيير، بتكتيك سياسي ساهم فيها روسيا، أعادوا النظر في مركز الثقل الذي كان في عفرين والتابع لحزب الـ ب ي د، وخطط لإضعافه، وكان لا بد من احتلال المنطقة لإنجاحه، وهو ما دفعت بروسيا السماح لتركيا باحتلال عفرين، في الوقت الذي كانوا يضمنون على أن مناطق شرق الفرات ستظل مؤيدة للقوى الكوردية المعارضة للإدارة الذاتية. ولولا الوجود الأمريكي لاحقا، ومصالحها، لتمكنوا من تنفيذ مخططهم، على عمق 30 كيلومتر، خاصة ونحن نلاحظ كيف تمكنوا من: تصعيد الخلافات الكوردية- الكوردية، وتعميق الصراع الداخلي، والتحكم والتلاعب بالحراك الكوردي والكوردستاني.
اليوم قبل أي فترة سابقة الحراك الكوردي في غربي كوردستان، بل وفي جنوبه، أمام قضايا شبه مصيرية، ففيما لم تتمكن من تناول خلافاتها بعقلانية، وروح حضارية ديمقراطية، وتعي ما يجري من المؤامرات على الطرفين وبأساليب وطرق متنوعة، وإذا لم تساند بعضها للتحرك الدبلوماسي على مستوى القوى الكبرى، لن تتمكن من منع تركيا على محاولة تنفيذ مخطط الاحتلال، علما وبناء على المصالح الروسية والإيرانية في سوريا، يستبعد أن يوافقا على عملية الاجتياح، وتوسع جغرافية المعارضة وزيادة قوتها، رغم أن مسيرة التطبيع تتطلب صفقات سياسية وعسكرية بين الأطراف الأربعة، واحتلال البقية الباقية من منطقة عفرين، من أهم الصفقات المدرجة على طاولة المباحثات. فعلى الأرجح وكرد فعل على الرفض المحتمل في الاجتماع، ستزيد من القصف العشوائي واعتداءاتها على مناطق الإدارة الذاتية، وحصرا على المناطق الكوردية في شرق وغرب الفرات.
التعاضد والتفاهم حتى مع وجود الخلافات، قد يؤدي إلى إقناع أمريكا وربما روسيا بالاستمرار على رفضهم للمشروع التركي، دونها ومستقبلا حتى وعلى مستوى كوردستان، لن يرى شعبنا القادم إلا الفتات من المأمول، وما سيكسبه سيكون عطاء بسيطاً، تحت ضغط الدول التي من مصلحتها الحضور الكوردي لكنها ستكون بأدنى مستوياتها.
الولايات المتحدة الأمريكية
16/6/2023م