في مشهد يثير الاشمئزاز و التقزُّز و بدائية الفكر و الممارسة، تحالفت الذئاب الرمادية التركية هذه المرة مع انصار حزب العدالة و التنمية الاسلامي في نشر الحقد و الكراهية و التهديدات للمراكز و الهيئات الكوردية الثقافية و الاجتماعية و السياسية في بروكسل و برلين و لندن و اغلب العواصم الاوروبية.
القومي الشوفيني التركي و الاسلامي التركي توحَّدوا في الموقف و الرؤية تجاه الطموحات الكوردية ليس في تركيا فحسب، وانما في العراق ايضاً و حيثما تواجد الاكراد.
و بدأت الدوائر الاعلامية و السياسية و الدينية التركية تستيعد الزمن الاتاتوركي و العنصرية الطورانية تجاه كل القوميات غير التركية القاطنة في تركيا.
و السؤال الذي يطرح نفسه الآن اين هي ردود افعال التيار الاسلامي الكوردستاني الذي رقص انصاره فرحاً حين فاز حزب العدالة و التنمية بالانتخابات في تركيا، لماذا لايثبت هذا التيار الآن وطنيته و كردستانيته، و لماذا يسكت في وقت يأتي الخطر من تركيا الاسلامية التي تعلن على رؤوس الملأ انها ستهاجم و تحاصر و تمنع التجارة بين تركيا و اقليم كوردستان العراق.
ان التيار الاسلامي الكوردستاني كان دائماً ضعيفاً و هشَّاً و تابعاً و ذليلاً و لم يستطع ان يبلور نظرة اسلامية برداء كوردستاني مثلما يفعل الاسلاميون في ايران و تركيا و كل الدول الاسلامية.
و انني استعيد الآن الى الذاكرة كتاب “المستضعفون الكورد و اخوانهم المسلمون” للدكتور جمال نبز الذي يستعرض بالتفصيل آراء و افكار التيارات الاسلامية و الاحزاب الدينية في العراق و تركيا و ايران و سوريا تجاه القضية الكوردية و عدم قدرتها على طرح رؤية واضحة و عادلة لهذه القضية، و رغم ذلك فان الاسلام السياسي الكوردي عاجز عن مقاطعتها و انتقادها و مجابهتها انطلاقاً من مبدأ ان الاسلام ديننا جميعاً و لا يمكن للاسلاميين في هذه الدول ان يتسبَّبوا في مواصلة اضطهاد شعب كامل، ليكون الاسلام مغنماً لهم و مغرماً لنا كما عبَّر ذات يوم –بحق- الدكتور محمد صالح گابوري.
كنت اتمنى ان يكون للاسلام السياسي الكوردي صوت عال و مسموع في هذه الازمة وان لايظلَّ خائفاً من اخوانه المستكبرين من اسلاميي الدول المقتسمة لكوردستان.
ان تركيا مشبعة هذه الايام بالغرور و الغطرسة العسكرية و هي تشعر زوراً و بهتاناً انها قريبة من نبض الانسان الكوردي لمجرد انها كتبت على قمم جبال كوردستان تركيا عبارة ((انا فخور بانني تركي)) وهي لا تعلم انها قبيحة التقاسيم سواء بين اكراد تركيا او العراق وكان الباحث و الاكاديمي (اسماعيل بيشكجي) محقاً حين قال ان أسوأ ادارة كوردية تبقى لدى الكورد افضل من احسن ادارة تركية.
لكن تركيا عاجزة عن استيعاب هذه الحقيقة الكبيرة فهي تهدد و تتوعد و تلجأ كالعادة الى لغة القوة في التعامل مع اكرادها ومع كوردستان العراق وهي تراهن ان ثمة في الاقليم الكوردي من سيناصرها اذا اجتاحته، وهذا حلم لن تراه تركيا، و الاقلام الكوردية حين تنتقد السلبيات و تمارس حقها في النقد و المراجعة و المطالبة باصلاح الاوضاع لايعني ذلك بتاتاً انها تبتعد عن و طنيتها و اخلاصها، بالعكس فان قمة الوطنية ان ننتقد الاوضاع الداخلية لكي تكون الجبهة في الداخل قوية و محكمة تجاه التهديدات و الاجتياحات التركية و الايرانية.
ان المطلوب لدى تركيا حالياً هو رأس الثورة الكوردية و الادارة الكوردية في العراق، و حتى اذا لم يتواجد حزب العمال الكوردستاني في الاقليم فان تركيا لن تكفَّ عن التدخل و الاعتداء، و الدليل انها و معها سوريا لاتعترف منذ عام 1992 بالادارة الكوردية و تتحيَّن الفرص للتخلص منها و تسميها عنصر فوضى في المنطقة وواقع الحال عكس ذلك فالفوضى و اللاستقرار سواء في كوردستان او العراق سببه التدخل السلبي لدول الجوار تركيا و ايران و سوريا.
المهم ان لايكون لدينا ادنى شك ان تركيا لن تتصالح بسهولة مع الكيان الكوردي في العراق وان لاعقلانيتها ستستمر مادامت الحكومة التركية خاضعة لبنادق العسكر و لذا نعتقد ان الفاعليات السياسية الكوردستانية عليها ان تتوافق على جملة من الامور منها:
1- تقوية الحملة الدبلوماسية و الاعلامية باتجاه كشف نوايا تركيا العدوانية التي تستهدف الكيان الكوردي في العراق قبل حزب العمال الكوردستاني.
2- التأكيد على نقطة محورية هي ان قضية كوردستان تركيا سياسية بالدرجة الاولى وهذا امر معروف في اوروبا و امريكا.
و لايمكن لتركيا ان تدعي الديمقراطية دون تقديم حل معقول و عصري لهذه المعضلة و لايجوز لحزب العدالة و التنمية الذي حصد مئات الآلاف من الاصوات في المناطق الكوردية و بين نوابه (50) نائباً من اصل كوردي، ان لا يفكر بعقلية حضارية تجاه اكبر مشاكل تركيا و يلجأ مثل الحكومات التركية السابقة الى الحل العسكري!.
3- ان تركيا في تعاملها مع اكراد العراق تنوي ان تعيد سيناريو تعاملها مع سوريا عام 1998 حين استطاعت عقد اتفاقية (أَدنه) الامنية بين تركيا و سوريا.
و علينا في كل الاحوال ان نمنع في كوردستان العراق عقد هكذا اتفاقية، لان الكورد في كل مكان و زمان كانوا ضحايا الاتفاقات الامنية الخطرة بين دول الجوار.
و اشعر بمرارة ان هناك داخل الاوساط السياسية العربية و العراقية من يحاول التواطؤ لعقد تحالف امني على حساب المصلحة الكوردية.
4- لايجوز تسليم عناصر حزب العمال الكوردستاني الى تركيا لانها ببساطة لن تكتفي بذلك و ستظل على عداء مع الادارة الكوردية في العراق التي تعتبرها تركيا اكبر تهديد لامنها القومي الاستراتيجي.