أزمات الشرق الأوسط وتعرية مفاهيم الديمقراطية الدولية

أعداد الأكاديمي عبداللطيف محمدأمين موسى

إن نظرية المؤامرة وحجم التعقيد التي تُعايشها الدول والأنظمة الشرق الأوسطية على الأصعدة  السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية تعكس الانهيار الحقيقي للقيم، وصراع النفوذ من خلال الإعتماد على استيراد ومحاكة المفاهيم والعولمة والتبعية للأنظمة الدولية، وكواليس وغرف أعداد الاستراتيجيات والخطط في تمثيل حقيقي للأجندات وصراع المصالح في امتداد النفوذ من خلال التبعية مجسداً الاستعمارية والإمبريالية الحديثة عبر مفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان. مستغلة حاجة الشعوب في التحول الديمقراطي نحو الانتقال الى مجتمع يسوده العدالة الاجتماعية وحرية الفرد والتعايش السلمي، و لعل العامل الأساسي الذي يشكل الركيزة الهامة لدى الكثير من الأنظمة الدولية في تحقيق أجنداتها هي أشكال وأساليب الحوكمة الغير الصحيحة التي تتخذ من التفرد بالسلطة، والشمولية الأيديلوجية في سّوق واخضاع شعوبها من خلال العمل على تكريس سياسية هدم مفاهيم المجتمع السليم، واشاعة الجهل وانتشار الفقر والتشرد في تكريس الجمود الفكري، والإرهاق النفسي وأضعاف الشخصية وعم الثقة في الذات لتمثيل الخضوع المطلق المبني على العبودية والتبعية اللإرادية لشعوبها.
  أن جوهر الأزمات في أنظمة ودول الشرق الأوسط ومع بداية الألفية الثانية من هذا القرن تعكس حجم المعاناة التي دفعتها شعوب المنطقة على أمل التحول نحو الديمقراطية في تجسيد حالة الأزمة من خلال صراع المصالح والنفوذ في تشكيل أقطاب ومحاور النفوذ العالمية، والحرب عبر الأفق في اخضاع الشعوب وأنشاء سلطات موالية لها على حساب أمال وتطلعات شعوبها، ولعل ذلك الصراع يتمثل في تصدير الأزمات لتحقيق نفوذ السيطرة في قيادة أزمات تعكس وتعري مفاهيم الأنظمة التي تقود الصراع عبر إيهام شعوب المنطقة في الحاجة الى التغير والانتقال الديمقراطي، وكما أن مفهوم الربيع العربي الذي يجسد ويلخص ما أود التعبير عنه و الذي وجدت من خلاله شعوب المنطقة الأمل والوسيلة نحو الأنتقال الى الديمقراطية، وكذلك السلطات التي توهمت بأنه في الوقت نفسه يعتبر التهديد الحقيقي لأنظمتها القمعية في الزوال، ولكن القوة الخفية التي عجزت شعوب وأنظمة الحكم في الدول المتصارعة عن عدم القدرة على اكتشافها هي أن دول وأنظمة خفية قد ادارت ولا تزال تدير الأزمات من خلال إشاعة الفوضى والاقتتال في إضعاف وأنهاك الشعوب والدول من خلال استمرارية الحالة، ومصادرة إرادة الشعوب من دون إيجاد حلول حقيقة أو إبداء الرغبة الصادقة في أنهاء المعاناة ووضع نهاية للأزمات تلك. أن الأزمات التي مرت بها الكثير من دول الشرق الأوسط هي تجسيد لحالة النزاع والصراع العسكري والاقتصادي والسياسي والمعاناة والماسي في تعبير وتوصيف حقيقي لإدارة الأزمات تلك، وبل أن صناعتها تعتبر تعرية لمواقف وسياسيات بعض الأنظمة الدولية التي تتشدق بقدسية ونبل الديمقراطية والتعايش السلمي وحق الشعوب في تقرير مصيرها. أن الأزمة الطائفية وإشاعة الصراع المذهبي وتغذيته في العراق أنما تمثيل حقيقي للصراع الإقليمي والدولي على تنفيذ الأجندات والمصالح، ومصادرة إرادة الشعوب وتطلعاتها نحو الحرية والمساوة والتعايش السلمي، وكما أن حجم المعاناة و التعقيد في الأزمة السورية واستمراريتها من دون وجود الرغبة الحقيقة لإيجاد حل لإنهاء الأزمة تلك أو إيجاد تسوية سياسية شاملة لإنهاء معاناة السوريين، وكذلك غياب الحلول الدولية لأنهاء الأزمة اللبنانية والركود في كل مرافقها ومؤسساتها وغياب القانون واضعافها وتدمير البنية الاقتصادية والركود المستمر في نواحي الحياة كافة، وتحويل الحياة في لبنان الى جحيم الأزمات مقابل سيطرة نفوذ اللادولة على الدولة الشرعية أنما تكريس وتعبير حقيقي لزيف المفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك استمرارية أزمة اليمن أنما هو تكريس لسياسة صراع المصالح وتحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ الإقليمي. أن الأزمة وحالة الحرب التي يمر بها السودان باتت وبشكل غير خافي على أحد أنما حالة من أزمة مصالح وصراع دولي وإقليمي في دعم كلا طرفي الصراع على حساب دعم الجهود الحقيقة في الضغط على الأطراف المتصارعة لإيجاد حل للأزمة وإيقاف الحرب، وكما  تعتبر تجسيد واستمرارية للأزمات التي تعاني منها الدول الشرق الأوسط من دون إيجاد الرغبة الحقيقة في أنهائها. في المحصلة، أن الأزمات والصراع بكل جوانبه السياسي والاقتصادي والعسكري والأيديولوجي في الدول الشرق الأوسط أنما يتحمل مسؤوليتها الشعوب والأنظمة والحكومات (الحكومات المسؤولية الأكبر لأنها تقود الشعوب) في تلك الدول كونها اتخذت من نفسها رهينة مسيطرة عليها ومسلوبة الإرادة، والقرار من قبل الأنظمة الدولية والتي تمثل الإمبريالية والاستعمار الحديث عبر تعرية مفاهيمها التي تنادي بالديمقراطية والتعايش السلمي وحقوق الإنسان ومحاربة الديكتاتورية والتخلص منها، ولكن السؤال الذي يراود مخيلة الشعوب في المنطقة وكل متابع للأزمات هل أنها ستبقى مسلوبة الإرادة أم أنها راضية عن تسليم إرادتها وحقها في تقرير المصير الى الأنظمة التي تتخذ من المفاهيم والنظريات الإنسانية، وحقوق الإنسان وتقرير المصير والتطلع نحو الديمقراطية ومحاربة الديكتاتورية شعارات ومفاهيم مزيفة من أجل استمرارية فرض أرادتها واستمرار معانتها.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…