د. محمود عباس
ما نشره موقع المدن من المعلومات والتحليلات في دراستها المعنونة بـ (سوريا: مخطط أمريكي لتطوير شرقي الفرات.. بدءا من القطاع النفطي) فيها الكثير من الخباثة السياسية، بطريقة بسيطة لكنها مغرضة وخطيرة بنفس الوقت، رغم ما تم نشره من المعلومات والتحليلات تبين على أنها تأتي لصالح الإدارة الذاتية ولقادم الكورد، لكن مع بعض التمعن وبدراسة سياسية، تتبين على أنه تشهير وتخوين غير مباشر بالإدارة الذاتية والكورد من البعد الوطني، وعلى سوية العلاقات الإقليمية.
لا نستبعد أن تكون ورائها قوى دولية، وتدرج ضمن مخططات التآمر على الإدارة الذاتية والحراك الكوردي بشكل عام، حتى ولو كانت تبعاتها أضحل من أن تؤثر على تغير الموقف الأمريكي من النظام المجرم، ودعمها للإدارة الذاتية، وهي من جملة مصالحها الإستراتيجية في المنطقة. ولمعرفتهم لهذه الجدلية، نشروها بمنهجية النأي عن المسؤولية، أو الكشف عن المعلومات السرية.
لا شك يحاول المتربصون بالقضية الكوردية بشكل عام، وبالإدارة الذاتية بشكل خاص، بلوغ ما يطمحون إليه باستغلال كل الفرص واستخدام كل الوسائل الممكنة، ومن بينها تحريف وتشويه أسباب زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال (مارك ميلي) الثانية إلى المنطقة، من خلال عدة نقاط:
1- عرض إشكالية النفط كقضية رئيسة للوجود الأمريكي في المنطقة الكوردية، وإدراج دعمهم لقوات قسد والإدارة الذاتية تحت هذا الغطاء المهترئ، ومن ثم التغطية على خطر الخلايا النائمة لمنظمة داعش في المنطقة والمدعومة من قبل بعض الأنظمة الإقليمية، كما وهي محاولة لعزل المنطقة الكوردية عن الإستراتيجية الأمريكية الشاملة والتي بدأت تتبين من خلال الزيارتين للجنرال مارك ميلي، على أنها تندرج ضمن حلقات الصراع مع روسيا في أوكرانيا.
2- وبدارسة سريعة، لهذا المجال الاقتصادي، نعلم بأنه لا يمكن أن يصل إنتاج النفط في المنطقة إلى قرابة 400 ألف برميل يوميا، إلا بعد مسيرة طويلة من الإصلاحات في الآبار وعمليات الاستخراج، وتغيير الأجهزة، وتأمين الكهرباء، وتحديث خطوط النقل، وغيرها، وهذه تحتاج إلى سنوات من الاستقرار العسكري والسياسي، وهي النسبة التي كانت عليها الإنتاج في سوريا قبل عام 2011، وبالتالي فهذه التضخيم محاولة لاستقطاب رأي الشعب السوري على أن قوات قسد متفقة مع أمريكا على سرقة النفط السوري.
كما والتهجم على الإدارة الذاتية على أنها ترسل أكثر من 10 ألاف برميل يوميا إلى النظام، مطعون فيه، رغم أن أي مساعدة للنظام تعتبر جريمة بحق الشعب السوري، لكنه مبرر من البعد الكوردي ولأسباب:
– أهمها هو التأكيد على أن غربي كوردستان ليست في وارد الانفصال عن سوريا كما تدعي تركيا والنظام والقوى الأخرى المتربصة بالكورد، علما أن أكثر المستفيدين هم تجار الحروب وشريحة فاسدة ضمن النظام المجرم.
– كما وأنها تدرج ضمن الصفقات التجارية والتي يمكن عقدها حتى مع الأعداء، ومثل هذه العقود معروفة للعالم أجمع.
– في الواقع الإنتاج يكون بحدود 100 ألف برميل يوميا، وبالتالي فما يقال على إنها ستحصل مقابل 10 ألاف برميل على 200 برميل مكرر، يوميا، خباثة إعلامية لتأليب المعارضة الوطنية والرأي العام الكوردي ضد الإدارة الذاتية، فنتاج مصفاة بانياس المبنية على نوعية النفط السوري ليست بقادرة على تأمين جزء بسيط من احتياجات منطقة النظام، فكيف سترسل هذه الكمية إلى منطقة تعتبرها تحت الحماية الأمريكية ومعادية لها.
كما وأن بث هذه المعلومات وبهذه الطريقة محاولة لتغيير الموقف الأمريكي منهم، على أن هناك اتفاق خفي يجري بين النظام والإدارة الذاتية، إما أنه لا علم للأمريكيين بها أو أنهم يقدمون عليها دون الإرادة الأمريكية وهذه ستكون عواقبها وخيمة على الإدارة الذاتية.
3- والأغرب هي محاولتهم الإيقاع بالإقليم الفيدرالي الكوردستاني عندما يتحدثون على أن أمريكا تنوي بناء مصفاة نفط في الإقليم من نفط منطقة الإدارة الذاتية وإعادة المكرر، وهي تعني إن عملية التهريب سارية وتشترك فيها حكومة الإقليم! في الوقت الذي لا تزال فيه حكومة الإقليم بحاجة إلى بناء مصفاة لتأمين احتياجاتها الداخلية. كما وأن منطقة الإدارة الذاتية أي المنطقة غربي كوردستان ملائمة لبناء المصفاة، ودون الحاجة إلى النقل والإعادة. فكل من له إلمام بالخطط الاقتصادية وعمليات التوزيع، سيدرك مدى ضحالة هذه الفكرة، كما وأن السياسيين سيفهمون الغاية الخسيسة من بث مثل هذه المعلومات التي لا أساس لها من الصحة، ولا نستبعد أن تكون الغاية من نشر مثل هذه المعلومة توسيع للشرخ بين حكومة بغداد وهولير.
4- كما وأن إثارة قضية قائد المجلس العسكري في دير الزور أحمد الخبيل المعروف ب “أبو خولة” وإقالته، والخلافات العشائرية، والذي لا يستبعد أن يكون المتسلقين والانتهازيين للفرص، وما أكثرهم ضمن قوات قسد والإدارة الذاتية، وربما من ضمن المجموعات التي خلقت الكثير من الفساد ضمن المنطقة. لكن إثارة إشكاليته بهذا الأسلوب، محاولة لخلق صراع بين العشائر العربية وقوات قسد، من جهة ونشر الكراهية بين الشعب الكوردي والعشائر العربية في المنطقة من جهة أخرى. وقد كان عليهم البحث عن الفجوات بين الحاضنة الاجتماعية وقوى المعارضة السورية ومثلها بين الشعوب السورية والنظام المجرم قبل التحدث عن الفجوة بين المجتمع وقيادات “قسد”، لا شك المجتمع السوري الأن يعيش تحت رحمة القوى العسكرية المتصارعة، لكن ورغم كل نواقص قوات قسد والإدارة الذاتية، تظل هي النزيهة في البعد الوطني والعلاقات الاجتماعية، والتمييز العنصري، وكثيرا ما تكون هذه على حساب الشعب الكوردي وقضيتهم القومية.
5- تحليل الموقع ومن أعتمد عليهم، حول خلفيات اجتماع الجنرال مارك ميلي، مع بعض رؤساء العشائر، خبث سياسي، ونفاق إعلامي يحاولون من خلاله نشر الوباء الثقافي في المنطقة وبأساليب جديدة. فكما هو معلوم لدى جميع المحلليين السياسيين أن غاية الجنرال وقوى التحالف، إقليميا، هي إقناع وإبعاد العشائر عن خلايا داعش التي لا تزال تعبث في المنطقة، ودوليا هي إدراج المنطقة ضمن استراتيجية الصراع مع روسيا.
لكن ما يهدف إليه الذين نشروا الخبر وبهذه التحليلات الساذجة في الموقع (وهم أدوات تركيا، المسماة بالمعارضة السورية، وبدعم من حكومة أردوغان والدول الأربع المخططة بالاجتماع في موسكو لإنجاح عملية التطبيع مع النظام المجرم) بلغة إيجابية وخلفية مغرضة، يهدفون إلى جانب أحداث خلاف قومي بين الشعب الكوردي وعرب المنطقة، الأسلوب الذي اعتمده النظام المجرم طوال العقود الماضية، أحداث خلافات ضمن قوات قسد، وتشويه سمعتها، وإخراجها من قوات تقاتل أخطر منظمة إرهابية (داعش) في المنطقة، إلى قوات تعتدي على العشائر العربية.
6- عتم هؤلاء الذين هم خلف نشر الخبر وبهذا الأسلوب، ومع هذه التحليلات الضحلة، على الغاية الرئيسة من الزيارة، والتي لها اعتبارات سياسية واقتصادية، فإلى جانب أن الزيارة هي تأكيد على البقاء الأمريكي العسكري في المنطقة، رغم كل ما ينشر من عمليات التطبيع مع النظام، أو التقارب التركي السوري، والوجود الروسي الإيراني في المنطقة، أنه هناك احتمال على زيادة القوة الأمريكية في المنطقة.
كما وتتبين على أن الزيارتين هما بدايات لدمج منطقة غربي كوردستان وحيث قوات التحالف وعلى رأسهم القوات الأمريكية، في الإستراتيجية الأمريكية في سوريا والمنطقة بشكل عام، وتأكيد على أن قوات قسد قد تدرج كأداة مهمة في هذه الإستراتيجية. أما من البعد السياسي والاقتصادي، فهي تبين على أن المنطقة ستكون على أبواب خروجها من الحصار التركي والنظام والمعارضة، والعزلة الدولية، و ستفتح الأبواب لاستثمارات اقتصادية دولية يتم فيها إعادة التعمير والبناء، أوسع من حصرها في مجال النفط، وخارج مجال حصار قيصر على سوريا.
كما وأن مسيرة التطبيع ستقابلها مسيرة الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية، حتى ولو لم تكن على الهيئة الدولية، أي الاعتراف بها من قبل هيئة الأمم. بل ستفتح أبواب لتحالفات سياسية وتعامل على مستوى وفود رسمية.
لا شك هنا ستلعب قدرة وأساليب الإدارة الذاتية دور في تسريع وإنجاح المسيرة أو ربما فشلها. ويجب الانتباه إلى أن (مبادرة الإدارة الذاتية الأخيرة) حول قادم سوريا، إما أنها كانت فكرة مطروحة من قبل السياسيين الأمريكيين، أو كتبت ونشرت بعد موافقتهم. أي أنهم على دراية بها قبل النشر، حتى ولو أن استراتيجيتهم في المنطقة على نقيض بعض النقاط الواردة فيها أو الغائبة منها.
فكما نعلم من الأهداف التي دفعت بأمريكا الدخول إلى سوريا وأخذ الملف الكوردي من الروس، أثناء حواراتنا معهم كمجلس الوطني الكوردستاني-واشنطن، حتى عام 2014م، ومن ثم التحالف مع قوات الإدارة الذاتية في البدايات وأثناء معارك الدفاع عن مدينة كوباني ضد داعش، هي إقامة فيدرالية كوردستانية، ضمن سوريا، وبجغرافية محددة. ولا نستبعد بأنه للأمريكيين، كما هو لنا، بعض الانتقادات على المبادرة، والتحفظ على بعض بنودها، وعلى الأغلب يجدون نقص غير مقبول من البعد القومي الكوردي، وكنا قد نوهنا للبعض على أن أية مبادرة خالية من النظام الفيدرالي المحدد جغرافيا، لغربي كوردستان ستكون مبادرة مطعونة فيها.
على الحراك الكوردي في غربي كوردستان، والإدارة الذاتية الوقوف في وجه هذه الهجمات العنصرية، ودحضها، وتبيان الوطنية الصادقة، وتعرية هؤلاء الذين يدمرون الوطن بأساليبهم هذه، ويخلقون الصراع القومي والديني والمذهبي بين المجتمع السوري.
الولايات المتحدة الأمريكية
23/4/2023م