د. محمود عباس
مرت على الساحة الثقافية الكوردية مجموعة من المنظمات بسمات متنوعة، وبفروع وأطوار مختلفة، رافقتها حركات اجتماعية، ومنظمات حزبية-سياسية، كثيرا ما كانت الحواجز بينهم من حيث الأهداف والمفاهيم متداخلة بعيدة عن التخصص، وجلها، منفصلة أو مشتركة، لم ترقى إلى مستوى القضية الكوردية، لا بنشاطاتها اليومية ولا بإيصال صوت الأمة إلى العالم الخارجي، ولا بعمق تشذيب الثقافة التي لوثتها الأنظمة المحتلة لكوردستان، والاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في مقدمة المنظمات الثقافية، التي حاولت أن تضع حاجزاً بينها وبين الحركات السياسية الكوردية، وتبقي ذاتها في موقع المراقبة والنقد ومحاولة التشذيب قدر المستطاع، وكمنظمة ثقافية تدرك أن المطلوب منها أكثر مما قدمته من الخدمات، لأنها تجد ذاتها أمام قضية أمة محتلة من قبل أربع دول، تنشر العث والخبث والأوبئة بين مجتمعنا وفي تراثنا الثقافي.
لذا لا بد من الانتباه لكل من يتناول المنظمات ومن بينهم (الإتحاد العام) بالنقد العشوائي، إلى الأسباب المؤدية إلى وجود النقص في العمل، ودراسة العوامل المعيقة، والتي هي عديدة، ذاتية وموضوعية، وما يهمنا هنا ما هو ملقاة على عاتقنا كحراك ثقافي، فالموضوعية أكثر من معروفة للجميع وفي مقدمتها مخططات المتربصين بأمتنا وقضيتنا، أما الذاتية وهي التي تهمنا هنا، ومن النادر من يتم البحث فيها بمصداقية، لأنها تحتاج إلى توجيه الأصابع، وذكر الأسماء، ومن بينهم شخصيات لا يستحقون الذكر، يريدون الفوضى الخلافية ليشتهروا على عتباتها.
فجميع الاتحادات والمنظمات والمجموعات الأدبية، وبعض الأفراد الذين يقدمون ذاتهم على الساحة الثقافية، أو السياسية كنقاد، أو أصحاب أقلام، أو منوري الدروب، لا يقدمون سوى الفتات من التي يجب أن ينجزوه لهذه الأمة، خاصة وهي في مرحلة التحرر، أغلبهم منجرفون إلى الخلافات الحزبية، والمسائل الثانوية ويتناسون أ، الأمة تحتاج إلى حركة تنوير سريعة وواسعة.
فالمنظمات الثقافية المذكورة، والنقاد ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من الأحزاب ذاتها، يوسعون من الشرخ ذاته الذي خلقته الكتلتين الحزبيتين في العقد الأخير من الزمن، ولكل فرد وجهة نظره وحججه ومنطقه واسناداته مع ذلك تظل النتائج هي ذاتها، البقاء في المستنقع ذاته. كما ولم يتخصص أي طرف في مجال ثقافي معين، ولم يضعوا نصب أعينهم قضية محددة؛ يتم التركيز عليها لإنجاحها، فالجميع شموليون يحملون جميع القضايا، وبالتالي يخسرونها، وتظل مهمة التنوير مهملة عند منظماتنا، باستثناء بعض الأقلام الواعية، وهي ليست كافية أمام ضخامة القضية وعمق الإشكاليات في ثقافتنا وإشكالياتها، وسذاجة المهاجمين العشوائيين لتلك الأقلام بشكل خاص، أما عن حسد أو جهالة.
لا شك العامل الاقتصادي يقف في مقدمة العوائق التي تضعف نشاطات المنظمات الثقافية الكوردية، وفي مقدمتهم (الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد) توفرها وتوفيرها تحتاج إلى عقول تعرف كيف تبحث، وهي شبه غائبة ليس فقط لدى الإتحاد العام بل عند كلية الحراك، وبالتالي المعاناة تكاد تكون شاملة، وإن كان البعض يحصل على القليل من الفتات، لكنها تظل غير كافية لتأمين كادر مناسب، وإصدار جريدة أو مجلة أو تقديم برامج تلفزيونية حتى على قنوات التواصل الاجتماعي، هذا العامل يعد من الأسباب التي تدفع بالشباب إلى الابتعاد عن المنظمات وخدماتهم، والتي جلها تطوعية، كنشاطات الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد، في مجلتها (بينوسا نو) ومن على قناتها (بيڤ ت ڤ ) وعند نشاطات فروعها في الوطن وأوروبا، وهي من بين المنظمات التي تعاني من هذه المعضلة بشكل قوي، خاصة وأنها مصممة على ألا تكون أداة للجهات الحزبية التي تريد تقديم المساعدات بشروط، ولذلك تظل نشاطاتها محصورة بين الجيل القديم والمتقاعد، والذي إمكانياته الصحية لا تسمح بصرف إلا القليل من وقته للعمل، وبالتالي يكون الإنتاج دون المستوى المطلوب، علما أن إدارته تدرك أن المطلوب منها أكثر بكثير مما تقدمه، رغم أن الخطط موجودة والبرامج الممكن تقديمها شبه متكاملة، لكن العمل يحتاج إلى أموال تصرف على شريحة من الكتاب والإعلاميين الشباب ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
رغم هذا فهناك من ينقد الإتحاد العام، وبأسلوب يضر ولا ينفع، بينهم من الذين لم يقدموا لقضيتهم القومية والاجتماعية والسياسية إلا الضحالة والكلام العشوائي، والتهجم الساذج، فلم يتجرأ أي منهم سؤال نفسه: ما هو بديله، وماذا يجب أن يقدم؟ وهل عرض الأحسن؟ أو هل لديه مفاهيم أو خطط أفضل للعمل عليه؟ ثم هل درس الإمكانيات المتوفرة لدى من ينقدهم، أو بنى على أسسها تهجمه؟ هل يعلم أن النقد الساذج ليس فقط يضر المجتمع، بل ويضيع صاحبه في المتاهات. والنقد عن جهالة أو حقد أو حسد أضر للمجتمع الكوردي وحراكه من كراهية الأعداء، فكم من الرائع أن يحصل الكاتب أو (الإتحاد العام للكتاب والصحفيين) بل وجميع المنظمات الثقافية على نقد بناء ينير دروبهم، ويصحح مساراتهم، ويقدم لهم خطط لتحسين أعمالهم. وإلا فالابتذال في الكلام دلالة الضحالة المعرفية وقلة الوعي. الناقد الصادق والذي غايته خدمة أمته، يجب أن يتحلى بقليل من الحكمة وبعض العدالة.
معرفتي بإدارة الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد تعود إلى أكثر من عقد من الزمن، والجميع يخدمون أمتهم وكوردستان بنزاهة لا غبار عليها، لديهم تراكم معرفي على سوية المثقفين الكبار في ساحة الشرق الأوسط وبدون مبالغة، قوميون وبكل مصداقية، يناضلون من أجل القضية بتفاني، ولا ينتظرون من أحد الشكر لأن ما يقدمونه من واجباتهم الأساسية.
مع ذلك فبعض حملة الأقلام، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، يهاجمون الإتحاد العام وشخصيات من إدارتها بدون دراية بما يخلقونه من الأضرار، تنقصهم الكثير لمعرفة ما يمكن الجني من النقد، في حالتي السلب أو الإيجاب؟ وهل النقد يتم على خلفية وطنية ولتحسين نشاط الإتحاد؟ وإن كان، فيجب أن يشكروا عليه؟ أم أنه يتم بناء على حسد أو حقد أو كراهية شخصية؟ وبالتالي يخرج النقد بصورها المشوهة، فهنا الحكم فيه أكثر من معروف.
وهل ينقدون لأنهم يقدرون (الإتحاد العام) ومكانته ويرونها منظمة بإمكانها أن تخدم القضية، لكنهم يقصرون في النشاطات والخدمات وبالتالي من واجبهم إشعارهم بذلك؟ وهنا أيضا يجب الشكر، وليتهم ينبهون بشكل مستمر. أم أنهم يهاجمون من موقع الحقد لأنهم يعلمون أنها منظمة تخدم القضية بقدر إمكانياتها، ويقدمون ما لا قدرة لهم على تقديم جزء منه؟ وهنا عليهم أن يدركوا أنهم يخدمون أعداء الحراك الكوردي ونقدهم فاسد وموبوء للمجتمع وللحراك ولوعيهم ومفاهيمهم، فليتهم يعيدون النظر في أسلوبهم و(الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد) بانتظار كل نقد حاد نزيه.
نصيحة للنقاد الذين يصرفون الكثير من جهدهم لإبراز الذات، وبيع الوطنيات، من خلال النقد الساذج والموبوء، إنه بإمكانهم أن يحصلوا على طموحهم من خلال تقديم نوع من النشاط الثقافي الجميل للقراء والمجتمع، وكسب مثل هذه يتم من خلال التراكم المعرفي والاطلاع على الأدب والثقافة العالمية، والخروج من جغرافية الخلافات اليومية الضحلة.
على الأغلب أنهم علم بالإمكانيات التي يملكها الحراك الثقافي الكوردي بشكل عام، ولا شك لا يعني هذا أن الحراك يجب ان تترك بلا نقد وأنها كاملة ولا تحتاج من ينقدها بأقسى ما يمكن، ويتطلب منها أن تتطور لتصبح على مستوى القضية، لكن شرط ألا يخرج النقد مبتذلا ولا يزيد من الآفات الثقافية في مجتمعنا والمعاني منها حراكنا، وأن يلم الناقد بقدرات الجهات المنوهة إليها، وإمكانياتها، وهل بإمكانه تقديم الأفضل ويتقاعس فيه؟
ومن المؤسف القول أن العابثين يزدادون في الساحة الثقافية وبين المجتمع، فيضرون الطرفين، ولا يتطورون، وكثير ما يخلقون الفوضى الفكرية بين الحراك ويلقون بالعث في المسيرة الثقافية.
فرغم كل نواقص الحراك ومن ضمنهم الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد، لكنهم يقدمون القيم للمجتمع الكوردي، ورغم شح الإمكانيات لهم نشاطات ثقافية وإعلامية وخدمات متواصلة لشعبهم، فالمقالات العديدة من كتاب في الإدارة والنشاطات المتواصلة دفاعا عن أهلنا في عفرين وجنديرس خير مثال، علما أنهم يدركون مهما كثرت لن تكون كافية. ولا شك، وكما ذكرنا وسنكررها، لا تزال الخدمات دون مستوى المهام المطلوبة منهم، وبينها ضعف إيصال صوت الألم الكوردي والقضية إلى المحافل الدولية، كمجلس الأمن، والبيت الأبيض، والكرملين، والبرلمان الأوروبي، والأروقة الدبلوماسية للدول الكبرى. لكنهم مع ذلك وفي الطرف الأخر كثيراً ما يصدون الأعداء، ويعرون تجاوزاتهم أمام العالم الحر والمنظمات الدولية الإنسانية، حتى ولو أنها ليست على مستوى المواجهة الكبرى للأنظمة المحتلة لكوردستان، إلا أنهم على الأقل يعرونهم في الساحة الإعلامية وعلى مستوى الدول الكبرى، فأصواتهم تصل إلى الجهات المعنية رغم ضعف اللوبي الكوردي، وضخامة المواجهة من قبل الأعداء.
الولايات المتحدة الأمريكية
1/4/2023م
ملاحظة: نشرت ككلمة العدد (114) لجريدة (بينوسا نو) المتحدثة باسم الإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا.