أحوال مَن نتظاهر لأجلهم

ماجد ع  محمد


“كم هو سعيد مَن يستطيع البحث عن مسببات الأشياء” 
فرجيل
في الحملة العالمية التي أطلقتها منظمة العفو الدولية لحماية التظاهر والتي ناشدت فيها الجميع في كل مكان لحماية حق التظاهر والمتظاهرين، قالت فيها:”إن التظاهر هو محرك قوي لصنع التغيير، وبفضل شجاعة أولئك الذين يرفعون الصوت عالياً، فإن أمل الوصول إلى عالم أكثر عدالة ومساواة ليس ببعيد” وهذا الكلام من المؤكد أنه يثلج الصدور ويبعث الأمل خصوصاً وأن التظاهر السلمي كان وراء إحداث تغييرات مهمة في أكثر من بقعة في هذا العالم، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن ننسى البتة بأن الأمل في ظل الأنظمة المستبدة دائماً ما يكون محفوفاً بالمخاطر، ودائماً ما يكون قاب قوسين من الاعتقال، لذا على كل واحد منا في أيّة فعالية يقوم بها ألا يكون مساهماً في خلق تلك المخاطر.
 ولا شك أن بعض التظاهرات غيّرت مسارات دول بأكملها، وفتحت آفاق جديدة أمام المتظاهرين في بعض الأماكن، ولكن في مناطق أخرى من العالم زاد التظاهر من وسائل الضغط والبطش والإجرام لدى الحكومات أو السلطات المستبدة، وبديهي أن المظاهرة سواء كانت دوافعها سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية لها هدف أو مطالب محددة، ولئلا نطيل فعندما نتظاهر من أجل محاكمة مجرمين فستكون سلبية خطاباتنا ولافتاتنا إن خرجت عن مسارها أقل ضرراً فيما إذا كانت المظاهرة من أجل تحرير معتقل أو رفع الظلم عن شخصية اعتبارية أو حزب أو فئة بشرية، لأن الحالة الأخيرة تفرض علينا أن نراعي الظروف جيداً ونضع في الحسبان إن كانت المجسمات أو الرموز التي رُفعت في مظاهرتنا ستأتي بنتائج إيجابية أم ستترك آثاراً سلبية على الذين نتظاهر من أجلهم.
وبخصوص شهداء ليلة نوروز في بلدة جنديريس التابعة لمنطقة عفرين السورية، يبقى محط احترام وتقدير كل من شارك ويشارك في أي وقفة أو اعتصام أو مظاهرة من أجلهم ومن أجل ذويهم، وكذلك الأمر من أجل تخليص عموم أهالي عفرين من سطوة العسكر المتحكم برقاب الأهالي منذ خمس سنوات، لذا فعلى المتظاهر أن يقدِّر أحوال من يعتصم لأجلهم، وذلك حتى لا ينعكس التظاهر في الخارج سلباً على من في الداخل.
وإذا كان هدفكِ أيتها الأخت أو غايتكَ أيها الأخ المتظاهر في بلاد الغربة أن تقفوا بجانب أهالي الضحايا ومساندتهم في سوق المجرمين إلى المحاكم لنيل جزائهم العادل، وإذا كان هدفكم من التظاهر هو فضح سلوكيات المتسلطين على الناس والتخفيف عن الذين يتجرعون الذل منذ سنوات على يد مجموعات منفلتة من حملة السلاح، وإذا كان هدفكم إيصال صوت الموجوعين في الداخل إلى المنظمات الدولية ودول العالم، عليكم بتقدير أوضاع من يعيش في الداخل، وليس تحميلهم وزر صوركم ولافتاتكم أثناء التظاهر.
أمن المعقول إلى تاريخ اللحظة لم تدركوا بعد بأن تهمة الانتماء لحزب العمال الكردستاني أو التعامل معه أو مجرد التعاطف معه هي ذريعة دائمة للنيل من أي كردي في عفرين؟ فكيف تسمحون في مظاهراتكم برفع أعلام ترتبط بذلك التنظيم؟ فهل يريد رافع الراية بذلك التصرف الأخرق القول لمن يتحكم برقاب الناس في عفرين بأن المدنيين هناك تابعون لتلك المنظومة؟ بينما الكل يعلم أن عفرين أُفرغت من أنصار أوجلان منذ الشهر الثالث من 2018، فلماذا إذن إصرار بعضكم على زيادة الضغط على من بقي في الداخل بدلاً من التخفيف عنه، وذلك عبر رفع خرق أو ترديد شعارات تزيد من محنة السكان في المنطقة ككل.
حقيقةً لسنا ضد الاحتفاء من قبل فئة ما من اخواننا الأوادم بأيَّ أعلامٍ تمثل دين أو مذهب أو حزب أو جمعية، ولا يضايقنا علم إبليس حتى إن كان له مريدين وأنصار وعشاق، ولكن طالما أن رفع علم الرحمن أو الشيطان في مكان ما سيجلب الأذى والضرر لمن لا حول لهم ولا قوة، فمن الحكمة عدم السماح برفعه من قبل منظمي التظاهرة أنفسهم، وكذلك الأمر من قبل كل المشاركين في تلك الفعالية.
أيها المعبِّرون عن تعاطفكم مع عائلة الشهداء الأربعة، أيها المعنيون بحفظ سلامة وكرامة من تبقى من الأحياء هناك، أمن المعقول بأن لا تكونوا على دراية بما حصل في الديار طوال السنين الفائتة، وماذا يجري في الداخل من انتهاكات يومية لأتفه الأسباب، وحيث أن الأجهزة الأمنية تعمل بكل السبل لإلصاق تهمة الأوجلانية بكل من في عفرين لتكون حجة للنيل منهم، وذريعة دائمة لاعتقالهم واحداً تلو الآخر، وألم تدركوا إلى الآن بأن بعض عناصر الفصائل أو قادتها في كل عملية اغتيال بحق المختلفين معهم من الفصائل الأخرى قاموا منذ بدء السيطرة على عفرين بتصفية بعضهم بعضا وفي كل عملية تصفية كانوا يتهمون أنصار PKK بأنهم وراء العملية، ألم تدركوا بعد أنه بحجة ذلك الحزب تم غزو منطقة عفرين، وبحجة ذلك الحزب تم تشريد أهلها، ومنذ 2018 يتم وضع اليد على ممتلكات الأهالي ويتم اعتقالهم ويتم تعذيبهم وابتزازهم بحجة PKK أو PYD فكيف تسمحون لبعض الأغرار والطائشين من محبي تلك المنظومة بأن يرفعوا رموز وراياتَ تزيد من معاناة الناس بدلاً من رفع الظلم عنهم؟
في الأخير إن كنتم حقاً معنيون بإحداث تغيير كلي أو جزئي لصالح الأهالي في عفرين من خلال مختلف فعالياتكم: (وقفات، اعتصامات، مظاهرات، عروض فنية تعبيرية) راعوا أثناء تقديمها أو وقت القيام بها المناخ القميء الذي يعيش الأهالي في ظله، فلتكن مطالبكم وهتافاتكم ولافتاتكم وعروضكم غايتها رفع الظلم عنهم، وليس تقديم الذرائع على طبق التهور للمتحكمين بهم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…