في محاولة وأد انتفاضة جنديرس.. دعوات الثأر من الضحية بدلاً عن إنصافه!

إبراهيم اليوسف

 
لم يتعود هؤلاء القتلة الذين دأبوا على ممارسة العدوان ضد الشعب الكردي، في عفرين، امتداداً لثقافة تمييزية عنصرية تربوا عليها، أن تتم مواجهتهم بانتفاضة عارمة، كما انتفاضة- جنديرس العظيمة- التي ذاد فيها الكردي عن دمه وكرامته وقدسية رموزه، عقب جريمة إطفاء شعلة نوروز، وإطلاق الرصاص على موقدي شعلتها المقدسة، بعد خمس سنوات من الاحتلال ومنع الاحتفال  بهذا العيد العظيم. عيد الحرية، وتجديد دورة الطبيعة وإنهاء الظلم الأرضي، بل بعد خمس سنوات من التسلط على عفرين: مدناً وقرى، على إنها إمارة داعشية، صرفة، حتى وإن اختلفت التسمية التي تحيل إلى فصيل- متأسلم راديكالي هنا- وآخر قبلي عنصري إسلاموي هناك-  باعتبار  أن كلا الفصيلين، بل كل الفصائل إنما جيء بها، بناء على فرمان من البيت التركي- الوطيء- المتعالي والذي احتل عفرين، بدعوى إنهاء سلطة- ب ي د- إلا إن الواقع أكد كذب الادعاء، لأن شعارات تحرير عفرين، كانت كاذبة، لأن ما تم بعد يوم18-3-2018 وحتى الآن يشي بتركيز تركيا الجهود في إطار- الإبادة الجماعية- وطرد سكان عفرين منها. إفراغها من أهلها، لتكون عفرين المحافظة رقم 82   الملحقة بتركيا التي تأسست على خرائط سواها، في آسيا وحتى أوربا، إثر تواطؤات دولية مشينة يندى لها التاريخ، منذ أن قدم مؤسس تركيا ذاته، في هوية مختلفة مخادعة للغرب عامة، وللاتحاد السوفياتي السابق، في آن واحد، فاستطاع الاستفادة من التناقضات- كتركة أو وريثة  إمبراطورية- منهزمة، من دون أن تستفيد وتتعظ من دروس التاريخ!
ولكي نكون منصفين، فإن المجزرة الإجرامية التي تعرض لها آل- بيشمرك- ليلة 20-3-2023 كما هم معروفون في مكانهم، لفتت انتباه بعضهم من جيران الكرد وشركائهم- وأقصد السوريين- إلى حجم هذا الاضطهاد الآثم بحق الكرد، وقد تلقينا تصريحات تضامنية- وإن غيرفاعلة- تدعو للتفاؤل من قبل عدد من المعارضين، من دون أن يكون لما يسمى ب- الائتلاف- موقفه المبدئي الصارم،  وهو  لما يزل تحت عباءة تركيا- وأقصد هنا موقف المتحكمين بالائتلاف، كدكانة مأجورة تعمل لصالح تركيا، قبل عملها لصالح السوريين، وليس أدل على هذا استمرار علاقة هذا الائتلاف بتركيا رغم إقدامها على احتلال أجزاء من بلدها، ورفع علمها فوق التراب السوري، وإطلاق أيدي أزلامها ضد مواطنيها، طالبة منها وسم- الأجزاء المحتلة- من خريطتها ب- المحرَّر- زوراً، وبهتاناً، وارتكاب الانتهاكات في هذه المناطق بما لا يقل عن جرائم  الطاغية الأسد، بينما هي تبحث عن الذرائع، التي تسوغ بؤس واقعها، ليكون ذلك على حساب علاقاتها الدولية، من جهة، وعلى حساب علاقتها بمن يفترض أنها تمثلهم، من جهة ثانية!
إن تصريحات من يمكن تسميتهم بالمتفهمين لحجم مأساة الكرد- لاسيما في حدود الموقف من هذه المجزرة- ما يدعو إلى التفاؤل، بعد أن حدثت تطورات كثيرة عمقت الهوة بين المكونات السورية، بخاصة ما يتعلق بموقف العداء من الكرد، ورد فعل الكرد تجاه الظلم الذي يقع عليهم، وهي مواقف تمت قبل ما سميت بصفقة- التسليم والاستلام- بين النظام و” ب ي د”، وأزاد صعود- هذا الأخير- من تعميق الهوة، بين الطرفين، وكان الكثير من المواقف منه- أي من ب ي د- مبنياً، بشكل مسبق، رغم اشتغاله في خدمة مشروع سوري عام، فيما هو معلن، بل وواقع، وأن هذا الصعود جنى الكرد نتائجه السلبية، من خلال زيادة وتيرة الهجرة، ومفاقمة المظالم بحقهم، رغم جانب جد مهم وهو حماية مكانهم وأهله من جرائم النظام والتنظيمات الراديكالية على حد سواء!
ما يجري الآن يدل على وجود مخطط خطير ضد الكرد، وهو ما يمكن استشفافه من خلال فيديوهات الوعيد والتهديد، إلى جانب رسالة من سميوا بوجهاء القبائل الذين ظهروا في فيديو خاص، تحت راية العلم التركي، إلى جانب العلم المسمى بعلم الثورة، وكان الهدف البعيد من كل ذلك، تخوين كل من ينتفض، في وجه مرتكبي المجزرة، وربطهم بمخططات معادية، ونحن هنا أمام شيفرة مبطنة، بل واضحة، تهديدية، هدفها إعادة المنتفضين إلى جادة- الإذعان- المفروض، واعتبار ما تم جريمة فردية، بعد تبرئة رؤوس الفتنة، رؤوس الفتنة. مخططي الجريمة، واعتبار كل صوت يرافع عن الضحايا بأنهم دعة فتنة، سواء أكانوا في الداخل أو الخارج!
ثمة وعيد بدأ يتناقل، عبر تسجيلات صوتية، أو فيديوهات تحض على الانتقام من الكرد، وسحقهم، باعتبارهم- كفرة- مجوسيين إلخ الاتهامات المتطابقة مع رؤية- تنظيم داعش- وقد عززتها الدعوة الرسمية- لتظاهرة تحريضية مضادة للكرد- وهي موقعة باسم- الثوار الأحرار- المزعومين، ولا يمكن لمرتزق أن يكون ثائراً، لأن الارتزاق والثورة متناقضان، لا يستويان، ولا يلتقيان. هذه الدعوة  تهدد كل من رفع العلم الكردي- فوق تراب مكانهم- أو كل من أشعل النار واحتفل بنوروز  يستفز الطغاة والإرهابيين، وهو تهديد موجه- في الأصل- إلى كل من  يدعو إلى محاكمة المجرمين، على نحو حقيقي، لا أن يكون ذلك صورياً، فيما إذا أوكلت المهمة- إلى القتلة- وأسيادهم، باعتبار أن مطلب الانتفاضة الأول طرد المرتزقة من مدنهم واريافهم، وإنهاء الاحتلال. إنهاء: الجرائم والسطو والخطف والسجن والقتل وانتهاك الكرامات!*
إن أهلنا، داخل الوطن قد أشعلوا انتفاضتهم المقدسة، وإن مساندة هذه الانتفاضة من قبل كل من هم خارج الوطن، كل بإمكاناته،  المهمة الأولى أمامنا جميعاً، من أجل ديمومة شعلتها، واستمراريتها، باعتبارها نارها ترعب آلة الإرهاب، ولعل في مقدمة ذلك وضع برامج للاعتصامات السلمية في كل مكان، وإيصال صوت الانتفاضة، وجرح جنديرس. جرح عفرين. جرح سري كانيي/ رأس العين- تل أبيض وغيرها من المناطق المحتلة، من قبل هذا الفصيل الإرهابي أو ذاك إلى مراكز القرار، ومتابعة ذلك، وتأمين لقاءات لأبناء المدن المحتلة مع مراكز القرار الدولي، بلاهوادة، وفضح جرائم المحتل وأزلامه، حتى يتم تكنيس مدننا وقرانا من دنس الاحتلال البغيض والمجرم!
 
*
بعد كتابة- المقال أعلاه- وصلني فيديو عن الاعتداء على الشاب الكردي حسن محمد حميد   17 عاماً من قبل إرهابيي الفصائل لرفعه العلم الكردي وهو لايزال في العناية المركزة في أحد مستشفيات جنديرس.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…