تلقيح انتفاضة الشعب الإيراني!

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

في شهرها السادس  تتقدم خارطة طريق انتفاضة الشعب الإيراني بشأن الإطاحة بالدكتاتورية الحاكمة وإقامة نظام شعبي وديمقراطي، وباستمرار انتفاضته أظهر الشعب الإيراني أنه لن يقبل بأي شيء أقل من الإطاحة بالدكتاتورية، ولم تتمكن أمواج الفتن ومختلف أنواع  الفيروسات والعديد من العوائق الكبرى من منعهم من مواصلة الانتفاضة لإسقاط الدكتاتورية، إنهم مصممون على إزاحة  الدكتاتورية والتغلب عليها، وتصبح الثورة في مثل هذه الحالات  فولاذية وتؤتي ثمارها، وبثبات الشعب وضغطه نحو استمرار الانتفاضة يكون قد أحكم قبضته وضيَّق الخناق في هكذا مجال على الدكتاتورية في إيران إلى حد إجبارها على الاستعانة بفلول دكتاتورية الشاه من موقع “دفاعي” للحيلولة دون الوقوع الوشيك  “للتحول المهم من أجل الإطاحة بالدكتاتورية”، ومن هذا المنطلق يمكننا الإشارة  إلى هذه الانتفاضة على أنها من أبرز الدلائل  على كونها (بوضع الهجوم)  و أن الدكتاتورية بوضع “الدفاع” 
تجاوز الشعب لمرحلة الدكتاتورية!
يتعمق مسار الإنتفاضة ويتوسع الانتفاضة من أجل إسقاط الدكتاتورية في إيران، وأُغلِقت كل الطرق في المخططات والمؤامرات الرجعية والاستعمارية، وخيبت آمال المؤسسين والمبشرين والداعمين،  وخطأ كبير في تقديرات “جبهة الدكتاتورية في إيران” ، وهو ما يتماشى مع ذاتها وطبيعتها حيث أنهم يعتقدون أن لديهم القدرة على الوقوف أمام قدرة الشعب، والاستثمار في فلول الدكتاتورية في إيران خاصة في شكل”الشاه” و “الشاهنشاهية” وإنه لخطأ كبير في التقديرات السياسة والاستراتيجية، وبذلك يكون فشلها قد تأكد مسبقا، وهذا ما تجاوزه الشعب الإيراني! 
لا تتماشى سلطة “الشاهنشاهية” و “الشاه”، ولا “دكتاتورية ولاية الفقيه” مع منطقة الشرق الأوسط وإيران على وجه التحديد، ويريد ابناء الشعب الإيراني الإطاحة بأي نوع من الدكتاتورية في إيران، ولقد أدت انتفاضتهم الأخيرة إلى زعزعة توازن الدكتاتوريات في بلادهم، وهم غير مستعدين للتراجع عن حقوقهم وأهدافهم.

معارضة أم بديل للدكتاتورية!
في هذا التوازن المرتعد الذي استمر لأكثر من 44 سنةٍ، هناك دكتاتورية “حاكمة” في غيران وأخرى “هاربة” من إيران، لكنهما يتقاسمان  “المصالح المشتركة” و “التعايش السلمي”، وأقرض كل منهما الآخر خبزاً وانبريا يساعدان لمساعدة بعضهما البعض، من الخطأ اعتبارهم “معارضين لبعضهم البعض”، وكان “قمع الحريات” و “نهب الثروات الوطنية” و “انتهاك حقوق الشعب” من بين أبرز النقاط المشتركة وضوحا بينهما، ولقد تم استخدامهما في المشاريع الرجعية والاستعمارية وفي رقعة الشطرنج السياسية في إيران كـ “قطع تحل محل بعضها البعض”، بينما تبقى قطعة أساسية في هذه اللعبة وهي “بقاء الدكتاتورية” والتي يعمل الشعب والمقاومة الإيرانيين على تفكيكها.
لا يتعين على ابناء الشعب الاختيار بين أحد النوعين دكتاتورية الشاه أو الدكتاتورية الدينية، إنهم يسعون إلى التغلب على الدكتاتوريات وإقامة حكم وطني وشعبي وديمقراطي، ذلك لأن “الحرية” و “حق تقرير المصير” حقٌ مُسَلم به للشعب الإيراني وغير قابل للتصرف!

رعب الدكتاتوريتين من حكم الشعب!
“الجدل الساخن” الآن في الأوساط السياسية حول إيران هو أن الرجعية والاستعمار قد أدخلا فلول دكتاتورية الشاه إلى المعادلة السياسية الإيرانية كعقبة أمام انتفاضة الشعب الإيراني للحيلولة دون وصول الشعب الإيراني “إلى الهدف” ويصاب بالإحباط وخيبة الأمل. “بلوغ الهدف” والتراجع عن إحداث تغييرات جذرية في المجتمع الدكتاتوري الإيراني، وتشير هذه الوساط إلى ثورة الشعب الإيراني عام 1979، وكيف تم التمهيد لإحلال “دكتاتورية ولاية الفقيه” محل “دكتاتورية الشاه”!
في الـ 44 سنةً الماضية، وبالتوازي مع سلطة حكم دكتاتورية ولاية الفقيه المتسلطة على إيران لم تتم محاسبة فلول دكتاتورية الشاه فقط على “السرقات المليارية”، لكنهم بقوا أيضا خارج الحدود ليلعبوا دور “صمام الأمان” للدكتاتورية الدينية الحاكمة، ولم يأتي ذعرهم  من اقتراب الإطاحة بالدكتاتورية الدينية من فراغ وانبروا على عجل يقاتلون ضد الشعب والمقاومة إيران لصالح دكتاتورية ولاية الفقيه متناغمين مع السلطات والأجهزة الدكتاتورية الحاكمة، وتم تكليفهم بمهمة السخرية من حقوق الشعب الإيراني ومهاجمة قوى المعارضة الإيرانية تحت غطاء دعم الشعب وبعبارات وكلمات النهج الدكتاتوري التهديدية المحببة لديهم (!).
هذا الصراع والحراك لـ فلول دكتاتورية الشاه هو أقوى “علامة” على “أكثر انتفاضات الشعب الإيراني جدية” على طريق “استراتيجية إسقاط الدكتاتورية الدينية”، وبالفعل فإن هؤلاء “الممثلون المحببون لدن الدكتاتور” أينما كانوا وكيفما فعلوا فقد  الآن إلى مشهد الأحداث؟

الهدف من صناعة البدائل من أجل دكتاتورية إيران!
من الواضح أن الهدف من تصرفات فلول الدكتاتورية والبدائل المُصطنعة الزائفة هو منع حدوث تحول جذري في المجتمع وتهميش قوى التغيير الرئيسية أي المجاهدين والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، ذلك لأنهم بدفعهم تلك التضجيات الجسام ودفع ذلك الثمن الباهظ سوف يسدون الطريق أمام أي بديل رجعي واستعماري زائف ومُصطنع، ولن يسمحوا لإيران بأن تصبح ملعبا للدكتاتورية مرة أخرى! إن الانتقال الصحيح للانتفاضة من المسار المليئ بالفتنة في الأشهر الستة الماضية لهو خير دليل على حقيقة أن انتفاضة الشعب الإيراني قد حظيت بإسناد وقيادة كفوءة، وقد كانت نشطة فعالة على الدوام  طوال الـ 44 سنةٍ الماضية!
وعليه فإن الحديث حول «عدم وجود قيادة للانتفاضة» واحد من «الأخطاء الكبيرة» في مسير الحركة من أجل إسقاط  الدكتاتورية، وبالبحث عن قيادة الانتفاضة لا ينبغي أبداً الخروج عن “أرضية النضال التاريخي للشعب الإيراني ضد الدكتاتورية” ذلك لأن “قيادة الانتفاضة” يجب أن تكون من صنف “القوة الرئيسية في ساحة المعركة ضد الدكتاتورية” أو تكون على الأقل حليفة لها، و إنكار هذه الحقيقة سيهمش هكذا مقولة.

تطهير الفيروسات في النضال ضد الدكتاتورية
أدركت جميع شعوب العالم أن مواجهة “ظاهرة كوفيد -19” بإن الحصول على “اللقاح” ضرورة حيوية، وبدون اللقاح ليس من الممكن البقاء على قيد الحياة في مواجهة الفيروس القاتل، وهذه هي الحقيقة الصادقة أيضا في المشهد المجتمعي وخاصة في مشهد النضال ضد الدكتاتورية، وكانت قيادة الانتفاضة موجودة، ووطرحها والاعتراف بوجودها هو “شرط” و “رمز  للانتصار” على الدكتاتورية، وبقايا دكتاتورية الشاه هي نسخة فيروسية معدلة يجب القضاء عليها، والمماطلة في مثل هذا الأمر المسألة سيطيل من عمر بقاء الدكتاتورية.
فيروس الشاهنشاهية في إيران الحالية مع مشروعات سخيفة مثل “النيابة” و “الوحدة” و “الإتحاد” و “التحالف” و “الديمقراطية” و “المنشور” و “كلنا معاً”، وبتقويض واستهداف الحدود السياسة والاجتماعية ضد الدكتاتورية ينوون الجلوس على كرسي الحاكم المطلق بنفس ذاك نموذج خميني “كلنا معا.. مع خميني” والسماح بالبقاء والدوام للدكتاتورية في إيران!

كلمة أخيرة
السبيل الوحيد هو مواصلة الانتفاضة للإطاحة بالدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، وبنفس هذه الآلية والهدف وخريطة الطريق سيتم تطهير مشهد انتفاضة الشعب و “دفن” الدكتاتورية وعملائها إلى الأبد، وسيصل الشعب الإيراني بكافة مكوناته إلى حقوقه وخاصة الحرية والديمقراطية، كما لن يتم ضمان التعايش السلمي والاستقرار والسلام والأمن والصداقة بين الشعوب في المنطقة إلا بخارطة الطريق هذه.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…