عزالدين ملا
ما يمرُّ به العالم في هذه المرحلة يعد من أخطر المراحل التي مرّت به ليس فقط في الحرب العالمية الأولى والثانية، بل على مرّ تاريخه السحيق، حيث لا يمكن الجزم بنتائج هذه المرحلة التي يتخوف منه الجميع، رغم أن الجميع يعتقد أن كل ذلك قد تكون بداية حرب عالمية ثالثة، ولكن ما هو الاخطر أننا مقبلون على كارثة عالمية غير معروفة النتائج، لا سيما هناك من يهدد بالسلاح النووي والبيولوجي إن شعر بالهزيمة حتى ولو أنه يؤكد عدم نيته من استخدامه ولكن تذكيره لهذا السلاح بين الفينة والأخرى يُشعِر ما وراء سطور تصريحاتهم.
وخلاف ذلك ما سوف يعانيه العالم من تداعيات غذائية ومعيشية قد تستمر لسنوات طويلة، يمكن أن تسبب في موت الملايين بل المئات الملايين من البشر إن لم يحتكم المتصارعون إلى الحكمة والعقل وخاصة الجانب الروسي في غزوها لأوكرانيا.
الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت رحاها في الرابع وعشرين من شهر شباط من العام 2022، أدت خلال هذه الفترة الوجيزة من فرض تداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة، أربكت جميع دول العالم، تأثيرها وصل إلى أقصى بقعة في الكرة الأرضية، وزاد من معاناة الشعوب التي ترزح تحت خطوط الفقر، بالرغم أن العالم كان منهكا من ازمة الكورونا، الذي أفقد الكرة الأرضية خمسة عشرة بالمائة من مواردها الغذائية والتي كانت سبباً لارتفاع الاسعار وفقدان مواد عديدة من الأسواق.
الحرب مستمرّة والخسائر فادحة من كلا الجانبين، ولكن الإصرار وعدم التراجع هو السّمة الأبرز، روسيا التي شعرت أن الشخصية العظمى لها قد اهتزت وخاصة عندما حاولت أمريكا والغرب وتحاول توسيع رقعة الناتو على حساب جمهوريات الاتحاد السوفييتي والتي تعتبرها روسيا أن الترابط بينها وتلك الجمهوريات لم تنقطع وأن توسع الناتو نحو تخومها تهديد لعظمتها ومكانتها في الوجه العالمي وتهديدا لوجودها على الساحة الدولية، لذلك تحاول روسيا إعادة النظرة ورسم خارطة سياسية وجغرافية جديدة لها على الرقعة العالمية بما يتماشى مع مقاساتها الطمعية والتوسعية والنفذوية حتى ولو كانت على حساب حق الشعوب في تقرير مصيرهم، وهذا ما يظهرجلياً في وقوفها إلى جانب الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة، وكما الحال في المشهد السوري، حيث كانت روسيا سبب بقاء النظام السوري وحال دون اسقاطه، على الرغم من أحقية الشعب السوري في التحرّر من عبودية النظام السوري والعيش في دولة ديمقراطية قائمة على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع مكونات الشعب السوري.
لذلك، ما يحصل في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ليست سوى صراع بين هذه الدول وخاصة أمريكا حلفائها وروسيا، والتي تستفيد من توسيع نطاق صراعاتهم لكسب أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية أو التجارية في أماكن أخرى. علماً، هناك من يقول وخاصة من عانى الويلات والدمار من صراع بين الدول والبازارات السياسية وخاصة شعوب الشرق الأوسطية الذين تأثروا إلى فوضى عارمة كـ سوريا وليبيا والعراق واليمن، أن القدر حاسب تلك الدول في صراعهم بفرض فوضى وحرب مدمرة على تخومهم وفي عقر دارهم، دون أن يعلموا أن تلك الفوضى وذاك الحرب سيكون تأثيرها وتداعياتها عليهم أكبر بكثير منها على الدول الكبرى، حيث أن معظم اعتمادهم على المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمات ومؤسسات إنسانية تابعة لتلك الدول.
يجب علينا أن لا ننظر إلى الوضع بعين الشماتة، فهذه العاطفة قد تكون أنت الضحية، فـ الظروف والوقائع مترابطة ومتداخلة لذلك ما يحدث هناك سيكون له تداعيات كبيرة هنا. هذا ما يؤكد المقولة أن العالم واحد والمصير مشترك، لا أحد بمنأى عن تأثيراتها المتباعدة والمتشابكة، بما معناه، مصير مشترك يسير في نفق مظلم.
ما يهم الآن، على القيادات والسياسيين الذين يتصدرون المشهد، ويمثلون شعوبهم في منطقة الشرق الأوسط، أن يعتبروا أنفسهم جزءًا من هذه المشاهد التي تحدث على الساحات العالمية، وان يكونوا ذوي فائدة، ويقدموا من الأفكار قد يغير بعض من سيناريوهات تلك الأحداث التي قد تفيد شعوبهم، لا أن نلوم هذا أو ذاك، فأسلوب اللوم معناه الفشل وعدم القدرة على مجاراة الأحداث وتقديم ما يخرج شعوبهم من حالة الفوضى.
والشعب السوري عامة والكوردي خاصة من الأفضل على القيادات والمسؤولين والسياسيين الذين يعتبرون أنفسهم قدوة شعوبهم، العمل على تحليل كل المشاهد والصراعات على الساحة المحلية والأقليمية والدولية، وفهم ودراسة سياسات الدول الكبرى لوضع استراتيجية ومشروع مستقبلي يضمن حقوق الشعب السوري والكوردي بما يتناسب طرداً مع مصالح تلك الدول، لضمان بناء دولة سورية قائمة على الديمقراطية والمساواة بين الجميع ضمن مظلة الدستور.