إيران .. مرور مائة يوم على الإنتفاضة ضد الدكتاتور! نظرة على الشوط المقطوع وآفاق انتفاضة الشعب الإيراني! – الجزء الأول

 عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
مع مرحلة أخرى من الانتفاضة “التي بدأت” في إيران قبل مائة يوم ، هل حدث أو سيحدث “تغييرا” للأوضاع في إيران؟ وما هي ىفاق هذا التطور المهم والتاريخي؟ هل سيتمكن الشعب من الإطاحة بالدكتاتور ويصل إلى ما يريد؟ أم ستبقى الدكتاتورية الدينية الحاكمة على عرش السلطة؟ وما هي نقاط القوة والضعف في هذه الانتفاضة؟ وأخيرا “ما الذي يتوجب فعله؟”.
للإجابة على هذه الأسئلة، نود أن نلقي نظرة معا على “الطريق الذي تم اجتيازه في هذا المسار ” ودعونا نقيم هذه الانتفاضة التاريخية بأسلوب منطقي واقعي علمي طبيعي ولنرى ما هي الآفاق المقدرة لهذه الانتفاضة!
بالنظر إلى ما مضى نرى أولاً أن شوطا بعيدا وطويلا قد قُطع حتى اليوم، وأن هناك خزائن كنوز لـ 44 عاما من المقاومة ضد الديكتاتورية الحاكمة لتكون أساسا وظهيرا لتحقيق الانتفاضة الحالية، وإذا لم تكن هناك هكذا مقاومة فلن تكون هناك بالتأكيد هكذا مسار من الانتفاضة، فالتجارب والإنجازات المتراكمة على مر السنين هي العامل الوحيد للوصول إلى النقطة الحالية التي عليها إنتفاضة الشعب الإيراني في هذه المائة يوم، وعلى الرغم من أن الأمر قد استغرق وقتا قصيرا لتحويل “حادثة” إلى “انتفاضة شعبية هائلة” إلا أن تأثيرها كان واسعا جدا لدرجة أنها زلزلت أسس الدكتاتورية المتسلطة على إيران!
في البداية كان كل شيء جديدا، وقد كان استشهاد مهسا أميني “الشرارة” اشعلت “شعلة” وتحولت إلى “نار”! وعلى ضوء ذلك تحطمت العديد من القيم والثقافات والاغتراب في المجتمع وانكسرت تعويذة “عدم الإعتقاد”. أصبحت حقيقة “ممكن وينبغي” مثالا لخطوات عالية أخرى انتشرت بسرعة في جميع المدن و “جميع أنحاء إيران”وتحول”الألم المشترك” إلى “صرخة مشتركة” وأصبح تحدي للدكتاتور والدكتاتورية!
إذا كان منذ البدء إذ نزل الجميع إلى الشارع، ولكن كان لكل شخص وحركة مسار مختلف، وإذا كانت شعارات ومطالب كل شخص أو حركة متنوعة، وإذا كانت “المياه” موحلة، وكان “العبور” صعبا و لكان “الأفق” مبهما غير واضح، وإذا كانت خيارات كل شخص أو تيار مختلفة، وكان من المستحيل التمييز بين “الصديق” و “العدو” وفي مواجهة كل هذا كانت الدكتاتورية الحاكمة وداعميها الغيبيين والغربيين يتدافعون بأشكال مختلفة من أجل منع “انتفاضة الشعب” من التحرك والوصول إلى الحرية والنصر، وسحب كل جزء من الشعب الإيراني إلى ناحية معينة، لكن العالم قد رأى بأن الشعب يريد الإطاحة بالدكتاتورية الدينية وأن إنتفاضة الشعب الإيراني الوطنية رغم كل التهديدات والمؤامرات لم يتوقف عن التحرك فحسب بل واستطاع بدل من ذلك وبفضل دعمه التاريخي أن يشق طريقه إلى المستقبل أكثر من أي وقت مضى! وتحييد المؤامرات المختلفة!

تحييد المؤامرات والسيناريوهات السوداء!
اتخذ الشعب الإيراني خطوة تاريخية طويلة من خلال استمرار الانتفاضة والتركيز على إسقاط الدكتاتورية الدينية الحاكمة، وهتفت جماهير الشعب بالموت “الديكتاتور” والحكومة ولم يقبلوا بأقل من ذلك، ثم هتفوا في الشوارع “لم نُقتل حتى نقوم بالتسوية، أو لنُشيد بقائد قاتل” أو الهتاف بشعار “الموت للمستبد سواء كان الشاه أو الملالي”.
هذه الهتافات والشعارات التي تتحدث عن “رفض الدكتاتورية” و “استبدالها” وتُبطل كل الطرق السلمية والتسويات والعودة إلى الماضي، وتعكس هي الأخرى الأطراف الحقيقية المشاركة في مشهد الانتفاضة من جهة “الدكتاتورية الدينية الحاكمة” التي تعد أفظع دكتاتورية بتاريخ إيران، ومن جهة أخرى “يعيش الشعب وأبناؤه واضعين أرواحهم في كف أيديهم” وعلى الرغم من تقديمهم 750 شهيدا وأكثر من 30 ألفا معتقلا فإنهم ليسوا على استعداد لمغادرة الميدان.
لقد تعلم الشعب الإيراني من تجربة هذه الحقيقةأن السبيل الوحيد للتحرر من الديكتاتورية وتحقيق الحرية هو “عدم القبول بأي تسوية في مواجهة الدكتاتورية” والتصميم والثبات على “إسقاط” الحكومة وليس الاحتجاجات السلمية والمدنية و”اللاعنف” كما يدعي البعض من الذين انتهى دورهم وولى أمرهم! كما يعتقدون أنه من أجل دفع الانتفاضة إلى الأمام والوصول إلى هدفها يجب البقاء في الشوارع والمضي في قتال إلى قتال مع قوات الدكتاتور وعدم الخوف؛ لقد اختاروا عدم الخضوع للتهديدات والمؤامرات ذلك لأنهم يعرفون أن الإطاحة بالدكتاتور تتم داخل البلاد وفي الشوارع وخارج الحدود!

الطريق الصحيح في الماضي والحاضر والمستقبل!
كان ليقظة الناس في اتباع الطريق الصحيح للانتفاضة تألقا منقطع النظير، وقد سخروا في انتفاضاتهم السابقات من وجود بديل داخل النظام وقاموا بتحييده وتجاوزه، كما أنهم وضعوا جانبا البدائل والواجهات المزيفة التي تبدو في ظاهرها أنها خارج النظام (بما في ذلك عودة دكتاتورية الشاه) وثبتوا بعزم على الإستمرار واستكمال الثورة المناهضة للشاهنشاهية عام 1979، فرغبة الشعب الإيراني هي إيجاد حكومة وطنية وشعبية وديمقراطية ويعتقد أنه من أجل الوصول يجب أن يعبروا فوق أجساد الدكتاتوريين، وأن إيران ليست مكانا للدكتاتورية ويجب إعادة بناء إيران من جديد!

قيادة الانتفاضة الشعبية!
وعلى عكس المطالبين الذين لديهم “قدم” بشكل مباشر أو غير مباشر على أرض الدكتاتور أو يشاركون في “مسيرة حقبة” كان ولا زال لانتفاضة الشعب الإيراني قيادة، وما لم يكن لديه قيادة فلن تستمر لـ “مائة يوم” مستمرة متواصلة فحسب بل لن تستمر حتى أسبوع، وأولئك الذين يزعمون أن الإنتفاضة بلا قيادة فهم إما أنهم “جهلة” أو أن قلوبهم معلقة على إمتيازات بقاء الدكتاتور، وبحسب قول زعيم المقاومة الإيرانية فإن المشكلة ليست في عدم وجود قيادة وإنما في “قلة النيران” و “تأجج المشاعل”، “وكل من يريد حل قضية القيادة يجب أن يطلق نيرانا أكثر فأكثر على نظام الإعدامات ومجازر الإبادة الجماعية”، وعليه فإن الجواب الوحيد هو “النار في مواجهة النار” وهو الأمر الذي دخل الآن إلى حيز ثقافة الشعب الإيراني وكل فرد أو تيار شعبي يسعى إلى إعدادها أو التمهيد لها فإن ذلك يتوقف على حجم إنتاج واستخدام “زجاجات المولوتوف” في مواجهة القوات الحكومية القمعية في المدن الإيرانية.
يتبع 
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…