عندما يتيه الكاتب الكوردي بين النقد والابتذال

د. محمود عباس

لم يترك الأعداء أسلوبا إلا واستخدموه ضد الشعب الكوردي، بدءً من محاولات القضاء على ثقافتهم وتاريخهم، وأخر مخلفات أديانهم، إلى إذابتهم بين شعوبهم أو تدميرهم بحروب كارثية، إلى خلق الصراعات الداخلية المدمرة. المسيرة العدائية هذه لن تنتهي عند حدود ما يجري الآن من عمليات تصعيد التآكل الداخلي، وتسخير الجهلة والسذج من الكورد ذاتهم للقيام بما عجزوا عنه، وإقناعهم تحت مظلة النقد والتصحيح بالوقوف أمام مسيرة النهضة الثقافية، إلى إلهائهم بالنقد المبتذل والتهجم على البعض، كأفراد أو شرائح حزبية أو ثقافية، بل ستتفاقم طردا مع الصعود المتسارع للقضية الكوردية داخليا وعالميا.
والمؤسف، هو سقوط البعض من الأخوة الكتاب والإعلاميين الكورد في المستنقع الآسن، وعبثية أفراد مثقفين، ومتثاقفين بالقيم والمفاهيم، ورغم أنها ليست سوى زوبعة ستنتهي كغيرها، لأنها شريحة ساذجة، أو تائهة غالبا، لا تزال أسيرة الثقافة التي نشرتها الأنظمة الشمولية بيننا، تعيش الضياع فتطعن في الأطراف كمحاولة لإنقاذ الذات، مع ذلك فهدرهم لإمكانياتهم بهذه الضحالة، هي ما يؤسف له، فهي خسارة لحراكنا عامة، بينهم من يملك قدرات ثقافية قيمة كان بالإمكان صرفها في مواجهة المتربصين بأمتنا، وتقديم الجميل للمجتمع، خاصة وأن أغلبية حراكنا، السياسي والثقافي لا يزال يعيش حالة التشتت، وجل ما يقدمه دون المستوى المطلوب منه بكثير. 
   والأغرب من ذلك، هو موجة تناسي القيم الكوردية، والتي بدأت تظهر بين البعض من كتابنا، و مجموعة من النشطاء على المواقع الاجتماعية، أنتشت في تيهها على خلفية الفضاء الانترنيتي اللامحدود، فانتقلت من حرية الكلمة إلى القول الفاسد، ومن النقد المفيد إلى الابتذال فيه، والتي هي من علامات السقوط في مستنقع الضياع الفكري، وهنا لا نتحدث عن الصفحات المشبوهة، وما أكثرها وبعضها مخصصة للطعن في العلاقات العائلية والشخصيات الكوردية الناتجة، بل عن الصفحات المعروفة والتي ربما تأثرت أصحابها بنتاج المذكورين على صفحاتهم، فأخذوا أساليبهم قدوة، لخلق شهرة ما.
 من البعد القومي والاقتصادي والسياسي، كان الشعب الكوردي من أكثر الشعوب المعانية في المنطقة، ولا شك أن الأنظمة الدكتاتورية أضرت بشعوبها، لكنها ظلت أفضل حالا من الكورد، والشريحة السياسية والثقافية كانت في مقدمة الذين تم محاربتهم، ومعهم العديد من الشخصيات الاعتبارية، العشائرية أو الوجاهة. 
 ولكن الأكثر تآذيا، كانت ولا تزال المرأة الكوردية، المعانية من الثقافة الاجتماعية الغريبة عن المجتمع الكوردي، التي فرضتها السلطات المحتلة لكوردستان، إلى جانب ما تم ذكره، وبما أنها ورغم إرهاصات تلك الثقافة ملكت الكثير من الحرية مقابل مماثلاتها بين الشعوب المجاورة، لذلك كان هناك توجه مخطط للحط من مكانتها ودورها بين المجتمع، وتم عن طريق نشر المفاهيم التكفيرية الإسلامية بين الكورد ليقدم الرجل على الحد من حريتها، ومن المؤسف أن نتائجها في مناطق عدة كارثية، حتى ولو كانت ربما آنية وقد تنتهي فيما لو أستيقظ المجتمع وعاد إلى ثقافته الأصلية. 
 والغريب ظهور شواذ خارج المجال الديني، يتعرضون إلى هذه القيم الكوردية النقية، ويتناسون أن تحرير المرأة هي تحرير للمجتمع، وعلوها هو علو الشعب، وثقافتها هو مقياس لثقافة الأمة، والتهجم عليها مهما كان السبب تدميرا للعائلة، وابتذال للقيم والأخلاق الكوردية، ولا يعني هذا عدم نقدها في المجالات التي تبحث فيها، إن كانت في الأدب، أو الفن، أو العلوم، أو التكنولوجيا، شرط أن تكون لمساعدتها وترقيتها وتصحيح دروبها، لا للطعن في شخصيتها وتدميرها، فهي التي عانت الويلات على مدى القرون الماضية. فهي بالنسبة للمجتمع الكوردي نصفه، وليس الضلع الناقص.
علينا أن ندرك أنه كلما ارتقت الشعوب ازدادت حصانة المرأة، ففي الدول الحضارية، التهجم عليها تدرج في خانة العنصرية، والأحكام فيها قاسية، ففي أمريكا على سبيل المثال، التمييز العنصري يشمل الزنوج والأقليات والمرأة، أي إثبات على التقصد في إهانتها حكمها تبدأ من ثلاث سنوات سجن مع غرامة مالية.
 فما أقدم عليه البعض من الكتاب الكورد ضد المرأة الكوردية يمكن أن تنقل إلى المحاكم، كتلك التي تم من قبل شاعر كوردي، كتب عن نفسه يوما أنه يعاني من أمراض نفسية مزمنة، ووحدة قاسية، وعلاقات عائلية مريبة، وغيرها، مع ذلك حالته المرضية هذه، لا تعطيه الحق بأن يشمت بشاعرة من خلال مرضها، دون معرفة نتاجها الأدبي المكتوب باللغة الكوردية، وهي المعانية من السرطان، المرض الذي لم تصرح به يوما إلا من خلال الأصدقاء المقربين، وحصلت على الجائزة التقديرية قبل انتشار خبر المرض. 
 فتقييم نتاجها بالضحالة الشعرية دون تقديم أي دليل أدبي، أو قراءة لموادها، إما إنه ضحالة في مدارك النقد، أو حسد. علما أن مواده الشعرية ليست بأفضل مما قدمته الشاعرة بلغة الأم وبعدة مجموعات شعرية، وهو الذي يكتب بالعربية، وهنا يكمن أحد أهم درجات التفضيل، فهو يقدم للمجتمع العربي بشكل عام، الغارق بالشعراء والأدباء، وهو دونهم أدبا ولغة وصور شعرية، وأفكار ومفاهيم وثقافة، وكان الأحرى به نقدها، ولا نعرف، فيما إذا كان متمكنا من قراءة الشعر باللغة الكوردية؟ وتصحيح موادها كناقد، دون هذا العمل فأي نقد يسقط في خانة التهجم، والتهجم على المرأة الكوردية دون سبب، والشماتة بها لأنها مريضة، ليس سوى انحطاط أخلاقي، وطعن في القيم الكورية. 
وللعلم ما بين الكتابة بالكوردية والعربية أبعاد، فالتقدير لمن يقدم بالأولى لا يمكن أن يعطى للكتاب بالثانية، قد يستثنى بعض المواد التي تستخدم من أجل القضية والأمة، ومواجهة الأنظمة. فعلى خلفية سنوات التدمير الممنهج للغة الكوردية ومن ثم المجتمع وحيث المرأة في المقدمة، وحيث أننا أمة لا نزال في مرحلة الصراع من اجل التحرر القومي والثقافي، يجب أن تقدر الأديبة أو الشاعرة الكوردية أكثر ما يتم فيه تقدير الشاعر الأديب الكوردي حتى الذي يكتب بلغة الأم. 
 نأمل من الأخوة الكورد، الكتاب عامة وخاصة المشتغلين في مجال النقد، أو متناوليها، التمييز بين النقد والابتذال، وهنا لن نحصره في المجال الاجتماعي- الثقافي، بل ومن المهم الانتباه له في البعد الحزبي-السياسي، إن كانت موجهة لأشخاص أو لمنظمات، فالجميع بحاجة إلى النقد والتصحيح، وليس التشهير والنعت والتدمير، فليس هناك من يحمل الكمال على الأرض، لجميعنا أخطاءه، والجميل هو أن نقدم لبعضنا الحكمة، والأجمل هو من ينتظر ويتقبل الحكمة أو رأيا حول نقاط ضعفه. 
 وبالمناسبة قيل لي أن الأخ الشاعر هاجمني سابقا، تحت منطق أنني لم أكتب عن عفرين، متناسيا أنها كوردستان وهي جغرافيتي وشعبي، ولا منة لأحد على ما أقدمه لأهلي فيه، علما أنني كتبت قرابة تسع مقالات عن عفرين منذ أن هاجمت تركيا وداعش المنطقة أي من عام 2015 حتى بداية 2022م، إلى جانب مقاطع خاصة بعفرين ضمن مقالات أخرى، وقدمت قرابة 13 حوار ومداخلة تلفزيونية، وعدة اجتماعات هنا في أمريكا حول ما يجري في عفرين، مع ذلك لم أحاول الاطلاع على ما كتبه بحقي، ولم أرد عليه أو أبين خطأه، رغم أنه خلط بين النقد والتهجم، كما ومن جهة أخرى وجدت إن طلبه منطقي يجب تقديم الأكثر، كضرورة قومية ووطنية، (لو كان بصيغة الطلب وليس التهجم) وكان مطلعا على ما قدمناه، أو فيما إذا كان مقدرا لإمكانيات الأمة الكوردية عامة، فيما إذا كان لنا قدرة على تقديم الأكثر وتقاعسنا فيه، وكل هذا على خلاف ما أقدم عليه تجاه الشاعرة الكوردية. 
ويظل القراء والنقاد هم مرآة الكاتب، إذا كانت معطوبة فعلى النقد السلام، ولن نرى سوى الابتذال. جميعنا بحاجة ليد المساعدة للتصحيح، والتنوير، وليس الشماتة. رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده.
الولايات المتحدة الأمريكية
17/12/2022م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…