المشروع الإنتهازي.. من المستفيد؟

مروان سليمان

أكثر من عشرات الفصائل المسلحة تأسست في ظل الحراك السوري من أجل التغيير في مرحلة جديدة قبل الجدل الكبير و الواضح بين من يحب وطنه و من إنقلب عليه، حتى الفقراء الذين غلبت عليهم السذاجة دخلوا تحت عباءة الأحزاب و الفصائل المشاركة في السلب و النهب و القتل و السبي، و قد نجح النظام و إلى جانب تلك الفصائل في زرع بذور التفرقة و زرع طاعون الطائفية لتستفيد منها. و هذا أثر سلباً على الحراك السياسي داخل المنطقة بشكل عام لأن العزف على الوتر الديني و الطائفي هو ما يهم الناس و الإستماع إلى الغيبيات و الخطابات الرنانة الكاذبة التي تحرك مشاعر الناس في الإتجاه الغلط و تبقى الأمور السياسية جانبية بالنسبة لهم و التي كانت تهدف بالأساس إلى بعض الترميمات و الإصلاحات على مقاس كل حركة سياسية أو حزب سياسي كان يعتبر نفسه معارضاً (مثالاً الأحزاب الشيوعية) التي كانت بعثية أكثر من البعث و في أول فرصة لها أصبحت من أتباع السلطة و النظام السوري و قمعت الشعب و فسد عناصرها الذين وصلوا إلى المراكز.
 و أما اليوم و بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب الدائرة في سوريا بين جميع أطياف الشعب السوري فإزدهرت أنواع أعمال أخرى في الظاهر و لكنها عبارة عن تسلية سياسية في الباطن و فيها تم الترويج للبعض على أنهم قيادات سياسية تاريخية و تم فرضهم على المعارضة و الآخرى قيادة دينية (واعية) قصيرة اللحى و تعددت وجوهم المزخرفة في سوق الكساد السياسي و عملوا على جعل كل شئ مناسبات وطنية تعويضاً لما فاتهم في الزمن الغابر من السلطة الديكتاتورية و أصبح الجميع عبارة عن عناصر عسكرية يبحثون عن العمل في الأسواق العسكرية بحثاً عن وطنيتهم الضائعة لكسب موطئ قدم لهم أو رفع صفة الفشل عنهم لكي يظهروا أنفسهم على أنهم رجال المرحلة( شخوص المعارضة مثالاً) و في الحقيقة فإن غالبيتهم من المحكومين بأجندات خارجية و كلما كبر مقامهم و إنتفخت بطونهم تدخل داعميهم من أجل تخليصهم من عملية النفخ و تنزيل المقام و ذلك بفبركة مسرحية من المسرحيات و الإقتتال فيما بينهم و على كمية دماء الأبرياء يثبت كل طرف ولائهم أكثر للدولة التي تدعمه و هكذا يعودون إلى نقطة الصفر في كل مرة و حتى الأموات و القتلى تصبح من الإنجازات لهذا و ذاك لأن أبطال المسرحيات بيادق يعاد ترتيبهم حسب حاجة الأنظمة الأقليمية ما دامت المعادلة تستند على أولوية القوة المفرطة على السياسة الهادئة.
أصبحت الحركات العسكرية و السياسية في سوريا بغالبيتها تشكل علاقة جدلية فيما بينها من أجل استمراريتها و بقائها على قيد الحياة فيتغذون على بعضهم البعض كما تتغذى الطفيليات من برك الماء العفنة و يتقاتلون فيما بينهم من أجل أن يكسب كل طرف شعبيته من الفقراء و المساكين و ليكسب رضى الأسياد، إنها ثقافة من لا ثقافة له لأن ثقافة المنطقة هي كلها عبارة اساطيرو خرافات و قصص خيالية و تقديس كل شئ وهوما جعلت من هذه الثقافة المحكية(الكلامية القصصية) و نقلها من جيل إلى آخر في موقع المشكوك فيها و عدم واقعيتها و إظهار كذبها يوم بعد يوم بأكثر من وضوح و لكن مع ذلك يبقى النفاق سيد الموقف فيتم الإستيلاء على ثقافات الآخرين و ينسبونها لأنفسهم و يبيحون لأنفسهم كل شئ و لكن غير مسموح للغير بالدفاع عن النفس في الوقت الذي يتم القتل و السبي و النهب و السلب.
فكما أن البعض غير مهتم باستحقاقات المرحلة و لا يهمه ما يقع عليه و على قومه من ظلم و استبداد فإن الكثير منهم يلجأ إلى إظهار أنفسهم في شكل بروتوكولات رسمية في مناسبة و غير مناسبة  و خاصة إذا كان لديه إعلام و يملك دوراً للنشر أو من خلال وسائل التواصل الحديثة على شكل مهرجانات فارغة المضمون و لكنه يظهرها بالإنجازات فيهتف الأتباع و المريدين بكلمات من ثقافة اللاثقافة و يتم فرز شعارات ذهنية و أساليب جديدة لتمجيد الأشخاص قد تعيش معنا لمدة طويلة من الزمن للتعبير عن ذواتهم الجريحة أو المنفصلة و هنا يأتي دور المثقف الذي يجب عليه غرس الثقافة و لكن نجد الغالبية العظمى منهم الإنتهازيين يلجأون إلى كنف الأمر الواقع خوفاً من المستقبل و لكي لا يكونوا ضحية الموقف يجعل من نفسه خادماً لثقافة التمجيد و الهوسة الشعبية و يقرر الهروب من أسباب الموت(المبدأ و الموقف الصح) إلى رمي نفسه في برك الماء العفنة( الأنظمة المستبدة و الحركات الإرهابية) و من هنا نشأ بمثابة حلف بين المثقف الإنتهازي و بين مجاميع القوى المتقاتلة سواء بتخطيط أو بشكل عفوي و هو ما يصعد الموقف أكثر و يجعل من تلك الطفيليات أن تطفو على سطح الماء لأنها تنبت من غير جذور و تترنح يميناً و شمالاً مثلما يفقد الكاتب بوصلته فيضع نفسه في خدمة ظالميه و لكن بإرادته الحرة. و لذلك لم يبق من بينهم سوى الذين قاموا بالتخريب.
مروان سليمان
السلك التربوي- المانيا
10.12.2022  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…