هل تستهدف تركيا الكرد كشعب في كل من سوريا والعراق ام انها تصفي حسابات سياسية مع – ب ك ك – ؟.. قضية للنقاش (253)

صلاح بدرالدين

بداية لابد من القول ان الموقف الرسمي للنظام التركي ولحزب العدالة الحاكم كما هو واضح ومعلوم ليس مع حق تقرير مصير الشعب الكردي لا في تركيا، ولافي ايران، ولافي العراق، ولافي سوريا، ولا يختلف في هذا المجال مع مواقف الأنظمة الحاكمة الأخرى في تلك البلدان، وكذلك الامر مع مواقف كل من روسيا، والولايات المتحدة الامريكية، والنظام العربي الرسمي باعتبارها معنية بالملف السوري، وقضايا المنطقة برمتها.
  أنظمة تركيا، وايران، وسوريا، والأوساط الحاكمة ببغداد عندما تتجاهل الحقوق الكردية المشروعة، وتنفذ خطط معادية هنا وهناك، وتتفق معظم الأحيان على الكرد بالرغم من خلافاتها البينية، فانها تفصح بذلك عن طبيعتها اللاديموقراطية، ونزعتها الشوفينية، واستبدادها الشرقي، وفشلها في انجاز مهام البناء الوطني، وإقامة دولة العدل والقانون لكل مواطنيها، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فانها تستمد غطرستها، واسترخاصها لمبادئ حقوق الانسان وحق الشعوب من تقاعس المجتمع الدولي، وتعلق الدول العظمى، والكبرى بمصالحها الخاصة على حساب المبادئ السامية التي التزمت بها رسميا عبر مواثيق الأمم المتحدة، ودساتيرها المعمولة بها.
حروب تركيا ضد – ب ك ك -. 
منذ نحو ثلاثين عاما، وفي ظل الحكومات التركية المتعاقبة، يشن الجيش التركي هجماته البرية، والجوية على مواقع – ب ك ك – في الداخل التركي وبشكل خاص في مواقعه بعدة مناطق بكردستان العراق ابرزها – قنديل -، و – خواكورك – و – جبال كاري ومتين – و – حفتاوين – وأخيرا – سنجار – وخلال كل هذه المواجهات يعلن الجانب التركي انه يستهدف قوات – ب ك ك – كما ان السلطات الفيدرالية بالاقليم الكردستاني ومع كل الادانات، ورفض اختراق السيادة، والمطالبة بالتوقف، الا انها لم تعلن يوما ان تركيا تحاربها او تستهدف شعب كردستان، بل ترفض تصفية الحسابات على أراضيها.
وفي الجانب السوري لم يحدث ان هاجمت القوات التركية الكرد السوريين وعلى طول الحدود المشتركة بمئات الكيلومترات قبل ظهور الحزب الكردي التركي – ب ك ك – في الأراضي السورية، ومن خلال عائلة الأسد حيث احتضنت زعيم هذا الحزب السيد – عبد الله اوجلان – منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وقد شهدنا بدايات الهجمات في اعتداء مفرزة من القوات الخاصة التركية على قرية – جرنك المتاخمة للحدود قرب القامشلي – وابادة عائلة – كابرش – التي كانت تناصر الحزب الابوجي، بالإضافة الى حوادث أخرى لم ترقى الى درجة الحرب الفعلية الشاملة كما نشهدها الان بالطائرات الحربية، والمسيرات، والصواريخ، وهي بالمجمل مدانة وغير مقبولة من جميع فئات المواطنين بكل هذه المناطق، لانها تصيب المدنيين في معظم الحالات، وتثير الرعب، وتنشر القلق، وتدفع الناس الى الهجرة من ديارهم.
هل الدعوة الى المقاومة المسلحة خيار واقعي ؟
لاشك ان إرادة شعبنا صلبة، وسيتمسك بارضه كما عهدناه منذ مئات السنين مهما كلفه ذلك، ولكن وبمعزل عن المشاعر العفوية الصادقة المتحمسة، فان الدعوات اللفظية الإعلامية التي يطلقها المسؤولون من أصحاب سلطة الامر الواقع بمختلف مسمياتها العسكرية، والسياسية، والإدارية بدعوة الشعب الى المقاومة، وحمل السلاح وفي الوقت ذاته يعلنون فيه ان ( أمريكا باعتهم ) تلك الدولة التي ترعاهم، وتمدهم بالدعم العسكري والمالي، فان تلك الدعوات غير مدروسة، بل تتسم بأعلى درجات المغامرة ولكن لماذا : 
أولا –  ليست الا دعوات يائسة، بل مجرد الدفع نحو الانتحار بسبب عدم التكافئ بالقوى والامكانيات، فاذا كانت قواتهم التي كانت متمركزة في جبال – كورداغ – منطقة عفرين، ومتحصنة في ثكنات، ودهاليز تحت الارض، ومزودة من نظام الأسد بمختلف أنواع الأسلحة بما فيها الثقيلة ولم تصمد امام القوة العسكرية التركية المتفوقة عدة وعددا، فكيف يمكن الصمود في سهول الجزيرة، ومدنها المكشوفة امام المدفعية، والطيران، وفي مرمى نيران القوات البرية ؟، فقد كانت من نتائج مغامرة عفرين تهجير السكان الأصليين وهم الكرد، واحلال سكان المناطق السورية الأخرى من غير الكرد محلهم، مما أدى الى تغيير التركيب الديموغرافي، والاخلال بالتوازنات في مناطق بالغة الحساسية تعاني أصلا من السياسات العنصرية، في بلد لم تحل فيها القضية القومية الكردية، وزادتها تعقيدا، فهل يراد استحضار وتطبيق نفس التجربة في المناطق الأخرى ؟. 
ثانيا – لم تتضمن الشروط التركية الأخيرة الخمسة وجوب ابتعاد الكرد عن الحدود المشتركة، ولم تسمي أعضاء ومسؤولي أي حزب من الأحزاب الكردية السورية الخمسون او الثمانون المنضوية تحت اجنحة – ب ي د – و الانكسي – وكذلك نشطاء المجتمع المدني، للرحيل لمسافة ٣٠ كم، بل حددت أعضاء جماعات – ب ك ك – تحديدا، وحتى الأسماء العشرة التي طالبت بتسليمها يرجح المراقبون انها تعود لكرد من تركيا.
 ثالثا  – المبالغات الكلامية لن تجدي نفعا امام الحقائق، والوقائع، والهروب الى الامام ليس حلا، فهناك الان انتظار ان ينفذ مسؤولو جماعات – ب ك ك – بمسمياتها المختلفة الشروط التركية حتى لا تبدأ العمليات البرية، والاجتياح ومن بينها الانسحاب لمسافة  (٣٠ كم) من طول الحدود السورية التركية المشتركة، وهناك في الوقت ذاته مطالبات من جانب البعض من الكرد ان تكون (٣٠٠ كم) أي المسافة المفترضة بين القامشلي و – قنديل – وذلك حتى لا تتكرر الهجمات، وتعيش المنطقة بسلام.
 رابعا – لو كانت الدعوة للمقاومة المسلحة ضد نظام الاستبداد الحاكم بدمشق بغية اسقاطه، وإيجاد البديل الديموقراطي، كما تجسدت في اهداف الثورة السورية في العامين الاولين من اندلاعها لكانت مفهومة في حينها، اما اعلان الحرب ضد دول مجاورة فليس من شان الكرد السوريين، ولا من وظيفتهم، ولاتخدم مصالحهم، واعتبار تركيا العدو الأول والوحيد بدلا من نظام الاستبداد خروج عن مبادئ الحركة الكردية السورية، والحاق بالقضية الكردية السورية لمآرب – ب ك ك – في صراعه الشكلي مع تركيا، وتجيير للدماء الكردية السورية لخدمة الاجندة الإقليمية.
 خامسا – واذا كانت مسالة السلاح والتسليح، وتعبئة وعسكرة المجتمع ليست من اجل حل القضية الكردية في سوريا، والحركة الكردية السورية بالأساس ومنذ ظهورها انتهجت النضال السياسي السلمي، وانفردت بين كل الحركات الكردية بالجوار بطريق الحوار السلمي فما حاجة الكرد السوريين الى السلاح ؟.
سادسا– واذا كان مسؤولو – قسد – يؤكدون كل يوم ان الهدف التسليحي العسكري من اجل مواجهة داعش، وان كل شيئ من اجل المعركة ضد أولئك الإرهابيين، ويؤكد على ذلك التحالف الدولي ليل نهار، حتى ان الجميع يعتبرون ان الهجمات التركية من شانها اضعاف المواجهة، واذا كان الامر كذلك، وبما ان المنبع الأول والاساسي لارهابيي داعش هو وسط وجنوب العراق، والجنوب السوري في مناطق الحسكة ودير الزور، والرقة، واطراف البادية، فلاحاجة لان تتحصن قوات – قسد وغيرها – في ديريك، والقامشلي، وعامودا، والدرباسية، وريف حلب، وكوباني، ولتتوجه جنوبا، وتتحصن هناك، وتزاول مهامها في محاربة – داعش – الى يوم القيامة. 
وأخيرا وكما يقول المثل الدارج (ان الرسالة تفهم من عنوانها)، أي ان سلطة الامر الواقع لو كانت جادة في دعوتها للمقاومة لاستجابت منذ أعوام لارادة الغالبية الشعبية، ولوفرت شروط المقاومة الحقيقية بالاستجابة لمشروع حراك ” بزاف ” ومبادراته المتواصلة، في التحاور، وترتيب البيت الكردي، وقبول إعادة بناء الأداة النضالية الوحيدة المجدية وهي الحركة السياسية الكردية السورية، وتوحيدها، واستعادة شرعيتها من خلال الطرق المدنية الديموقراطية وتحديدا عبر المؤتمر الكردي السوري الجامع.
  والقضية قد تحتاج الى نقاش 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…