عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
“العاصمة” هي المعقل الأول والأخير للدكتاتور الذي يحكم “دولة”ما، وهذا هو السبب الذي يجعل قوتين متعاديتين وغير متكافئتين إحداهما السلطة والأخرى الشعب يركزان عليها دائما، وكانت هناك الكثير من الإنتفاضات والحركات الإحتجاجية التي لم تستطع الوصول إلى العاصمة وقد تم قمعها وإخمادها! و”إيران” نموذجا على هذه الأرض!
إيران عشية تحول كبير!
تقف إيران الآن على أعتاب “تحول مهم وتاريخي”، لقد بلغت انتفاضة الشعب الإيراني التي بلغت ذروتها باستشهاد الفتاة الكردية مهسا أميني في طهران، وستشرق انعكاساتها بالنور ليس على إيران فقط بل على العالم أيضا، وها هي الثورة تتواصل لأكثر من خمسين يوما دون توقف، وتتسع أبعادها ونطاقها كل يوم، وتتحدى وجود وبقاء الدكتاتورية المتسلطة على إيران، وتضع العديد من المعادلات المتعلقة بإيران على المحك تحت الأضواء.
تشهد شعوب العالم الآن حقيقة كيف ذهب الشعب الإيراني في مواجهة دكتاتورية ولاية الفقيه كند وعقد العزم مصرا على الإطاحة بها بكل قوانينها وتشعباتها وأجهزتها واستبدالها بحكومته المنشودة؛ حكومة وطنية شعبية وديمقراطية.
أبعاد ثورة الشعب اليوم!
وإذا كانت انتفاضة الشعب بالفترات السابقة قد اقتصرت على منطقة بعينها أو طبقة معينة في المجتمع الإيراني فإن ثورة الشعب اليوم تشمل جميع مناطق وفئات المجتمع المختلفة، ويعتبرانسجامها واجتماعها على “صوت واحد” و “هدف مشترك” من بين سمات هذه الفترة الأكثر وضوحا من ثورة الشعب.! كما أن حالة الرعب الرئيسية لدى الدكتاتورية الحاكمة متأثرةٌ أيضا بهذه السمات!
مطالب وشعارات الشعب الإيراني!
بالرغم من طرح المطالب المشروعة والمتعددة في فترات انتفاضات الشعب السابقة إلا أن “لغة” الناس في فترة هذه الانتفاضة مختلفة تماما عن الماضي، حيث لم يعد لدى الشعب الإيراني أية مطالب من هذه الحكومة ذلك لأن مرحلته قد انتهت، ولقد وصلت مطالب مثل إلغاء الحجاب الإلزامي والإفراج عن السجناء السياسيين، وحقوق المرأة والحريات الفردية والاجتماعية وما إلى ذلك في المجتمع إلى مستوىً من النمو والرشد الذي لديه الآن ما يمكنه من المطالبة بمنازلة حكومة ولاية الفقيه واللعب في ميدان الدكتاتور. هذا هو السبب في أن شعاري “الموت لخامنئي” و “الموت للديكتاتور” هما الشعاران الأساسيان للشعب للثورة الحالية في كل المراحل الزمانية والمكانية.
إيران ليست مكانا للدكتاتورية!
باستخدامها أموال غير مشروعة تتقافز وتحلم فلول الديكتاتورية السابقة وهي في الأساس “أجانب” في فضاء وهم البلهاء حالمة بالعودة إلى الدكتاتورية السابقة وهي من الناحية “العملية” متحالفةٌ مع الدكتاتورية الحاكمة وتتظاهر في “الأقوال” بأنهما من جنس “الشعب”، لكنهم لديهم سوء تقدير كبير حيث لن يعود الوضع إلى الماضي أبدا، ويشير شعار “الموت للمستبد سواء كان شاهً أو زعيم” إلى هذه الحقيقة وهذا الشعار هو من الشعارات الرئيسية للشعب الايراني في ثورة اليوم، وقد أصبح الشعب الإيراني واعيا الآن ليقول “لا” لأي نوع من الدكتاتورية سواء كان نوع الشاه أو من نوع الملالي.
ماذا يجب فعله؟
يتزامن بلوغ ثورة الشعب الإيراني ذروتها مع أمواج من التوترات والأحداث والمؤامرات؛ مؤامرات الدكتاتورية الحاكمة وأنصارها، كما لو أدى دخول أفراد وتيارات جديدة إلى جعل الأوضاع معقدة لدرجة يتوجب فيها على التقدم أن يكون في حالة من اليقظة غير العادية، فمن جهة مؤامرات الدكتاتورية الحاكمة الرامية لتحرف الثورة عن مسارها الحقيقي وخلق التفرقة والانقسام في صفوف الشعب، ومن جهة أخرى تصرفات المهادنين الغربيين بالتعاون والتنسيق مع الدكتاتورية الحاكمة بشكل من “البدائل” وزرع اليأس والإحباط في صفوف الشعب، ويضاف إلى ذلك ظهور أفراد وتيارات وجهات من الإنتهازيين والمتسلقة وراكبي الأمواج وهي طبيعة ما تمر به الفترة الانتقالية، وعليه فإن المُضي قدما و “العبور المنتصر” من هذه المرحلة يتطلب تحركات إيجابية بالاعتماد على المبادئ الشعبية وتجنب حالة”ضياع الطريق”، وعدم إضاعة بوصلة الصواب.
إن المبدأ الأساسي والرئيسي في الثورة ضد الديكتاتورية هو التركيز على “المطلب الأساسي” للشعب في جغرافية الوطن والجغرافيا السياسية الميدانية، وإلا فإن المستفيد الأول من ذلك سيكون الحكومة، وبعبارة أوضح وهو أن المطلب الأساسي لانتفاضة الشعب الإيراني “إسقاط الدكتاتور” مع التمحور والتركيز على “العاصمة” اي طهران والحفاظ على “وحدة القوى الشعبية”، ويجب ألا ننسى بأن حكومة ولاية فقيه الملالي وهي أكثر أنواع الدكتاتورية رعبا، وفي الوقت ذاته لا نظير ولا مثيل لها في تاريخ إيران وتملك من الحيل والخبرات الكثير ومن بين خبراتها وتجاربها مسألة القدرة على “التفاوض” والخداع من أجل شراء “الوقت”.
القوة الحقيقة العازمة على الإطاحة بالنظام؟
لقد ثُبٌت في تاريخ ومشوار نضال الشعب الإيراني ضد الدكتاتورية الدينية وهو ما لا يمكن إنكاره أن البديل “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” بمحوره منظمة مجاهدي خلق كان أقوى قوة صعبة في المشهد السياسي الإيراني ضد سلطة الملالي وهذا هو سبب تركيز الدكتاتورية الحاكمة دائما على قمعهم وذبحهم داخل إيران وخارجها، ومنذ بدء تأسيسه في عام 1981 كانت استراتيجية هذا المجلس قائمة على الإطاحة بالديكتاتورية الدينية، وقد كان ولا زال “صاحب راية” الإطاحة بالديكتاتورية الحاكمة.
الترتيب الحالي للقوى المتخاصمة!
لقد وضعت ثورة الشعب الإيراني الحكومة على وشك السقوط، ويزداد انهيار الدكتاتور وقواته بشكل غير مسبوق، وبعض قادة الحكومة بصدد الهروب من إيران، وبات الناس وخاصة الشباب الإيراني في مرحلة مهاجمة القوات الحكومية، وكلما سنحت لهم الفرصة قاموا بتأديب عملاء الحكومة ولا يزالون، وتتوسع وحدات المقاومة وتعيد تنظيمها بشكل غير مسبوق ولا يزالون يهاجمون المراكز الحكومية بشكل يومي، بالإضافة إلى استمرار الثورة الوطنية، وتصاعدت وتتصاعد شعارات الشعب المنادية بإسقاط الدكتاتورية كل يوم، ولم تستطع تهديدات قادة النظام وخاصة قادة ما يسمى بـ الحرس الثوري أن تمنع الشعب من التحرك والإستمرار بالثورة، فلقد عقد الشعب العزم والنية ومصمم على تنفيذ القرار الذي اتخذه ولن يرضى بأقل من إسقاط النظام.
تذكير هام!
كنا قد كتبنا بعد المجيء بإبراهيم رئيسي وتعيينه وتنصيبه رئيسا لجمهورية الملالي من قبل علي خامنئي في مقال بعنوان “إبراهيم رئيسي أخر رئيس للدكتاتورية الدينية!” وأن خامنئي “من أجل بقاء نظامه الدكتاتوري يحتاج إلى أشخاص مثل إبراهيم رئيسي الذي كانت يداه غارقتانِ في دماء الشعب والسجناء السياسيين حتى مرفقيه” وكان هذا التعيين “مقدرا أن يكون من علائم المرحلة الأخيرة من الدكتاتورية المتسلطة على إيران”، وكذلك كنا قد كتبنا بأن: “هذا التحور ينسجم تماما مع منطق واستراتيجية المقاومة الإيرانية، وأنه لا الشاه ولا الشيخ اللذان لا يمتثلان تماما مع الحدود المرسومة ترسيما أساسيا في المشهد السياسي الإيراني، وفي السنوات الأخيرة عندما أصبحت الإطاحة بالدكتاتور الحاكم مطلبا رئيسيا للشعب الإيراني ، ارتدت فئة من المدعين زيفا بأنهم معارضين ملابس الشعبوية وأظهروا أنهم متوافقون مع الشعب الإيراني ولكنهم في الحقيقة كانت لديهم توافقات بالباطن مع الديكتاتورية وهدفهم الرئيسي هو تعكير المشهد السياسي الإيراني لمصلحة الدكتاتور!”
يبزغ فجر “الحرية” عند الإطاحة بالدكتاتور!
يترادف شعار “الحرية” في إيران مع الإطاحة بالدكتاتور ذلك لأن القاسم المشترك البارز بين جميع الأنظمة الديكتاتورية، وخاصة الديكتاتورية الدينية الحاكمة والتي تتلخص في “قمع الحريات”، والحرية ليست رغبة وإنما هدف يتحقق بإسقاط الدكتاتور، وتحت ضياء “الحرية” لن تقع إيران في أسر الدكتاتورية أبداً!
لماذا تحتل طهران مكانة خاصة في الثورة؟
فُتِحَتْ العاصمة على يد الشعب الثائر وأشرقت شمسهم وغرُبَت نجمة حظ الدكتاتور، ويقول السيد مسعود رجوي عن مكانة طهران في ثورة الشعب الإيراني: “طهرانُ أكبر مدينة ثورية في العالم، وإنها لمرآةٌ كاملة لكل إيران” و “نهاية الخط مقبرة لـ سافاك الشاه، والحرس الثوري للشيخ والدكتاتورية” و “ستنهض طهران من جديد”.
على الرغم من أنها بداية أخرى إلا أنه يجب التركيز على الإطاحة بالدكتاتور وفتح طهران، والآن أصبحت طهران مركزا للثورة وتتوجه كل الأنظار إليها ولم يأتي ذلك من فراغ فلقد ركزت الدكتاتورية الحاكمة على قمع الثورة في طهران وأتت بجميع الأجهزة العسكرية وأجهزة الشرطة والأمن ومختلف الأقسام الحكومية وخاصة الوحدات ذات الزي المدني إلى المشهد حتى لا تقع طهران في أيدي الشعب.!
نتذكر جميعا أن إطلاق ما يسمى بـ الحرس الثوري النار على أكبر مظاهرات للشعب بطهران في 20 يونيو 1981 ضد خميني حيث كانت بداية لمعادلات جديدة في المجتمع الإيراني، فقد كان كذلك مقتل الفتاة الكردية (مهسا أميني) في طهران على يد الحرس الإيراني ضد الدكتاتور حيث نهض العالم لنصرة الشعب الإيراني وخُلِقَت بدايةً جديدةً في مسار تقدم الثورة ضد الدكتاتورية وزلزلت وجود هذا النظام، وعليه لابد من التأكد بشك قطعي من سحق “رأس” أفعى ولاية الفقيه بصخرة الثورة في “طهران”!
عزيمة الشعب الإيراني الراسخة!
لا بتهديدات الحرسي حسين سلامي قائد ما يسمى بـ الحرس الثوري الذي خاطب الشعب الإيراني وقال: “دعوا الشر جانبا، اليوم تنتهي أعمال الشغب! ولا تنزلوا إلى الشارع بعد الآن” ولا بمخططات خامنئي ولا رئيسي والسلطة القضائية تُشفى أوجاع هذا النظام المستعصية، ولن يتوقف الشعب الإيراني عن الحركة التي بدأها، وسيردون كيد الديكتاتورية إلى نحرها، والعنف والحكم العسكري وإحضار الحرس والقوات الأخرى والمسلحين الأشرار وذوي الزي المدني وقادة الأركان والإسناد والإسناد والمخابرات والقوات البرية والجوية والبحرية إلى الميدان لن تتمكن من الصمود والمقاومة أمام إرادة الشعب الإيراني، والإيرانيون عازمون على إعادة “إيران” إلى مكانتها الحقيقية في المجتمع البشري المعاصر من خلال الإطاحة بالدكتاتورية الدينية وإقامة حكومة وطنية شعبية ديمقراطي، ومما لا شك فيه أن استقرار وأمن هذه المنطقة من العالم يتطلب الأمر نفسه.
كلمة أخيرة
تتجه ثورة الشعب الإيراني الآن على استمرارها واتساعها بجميع المحافظات إلى العاصمة (طهران)، ولا يوجد في خريطة مسيرة الشعب الإيراني نحو الدكتاتورية الحاكمة سوى شعار إننا “نساءا ورجال مقاتلين.. فقاتل حتى نقاتل”، وقد قال قائد المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي في رسالة له: “لم تعد الصدامات وشد الرؤوس والأكتاف والتهديد والغاز والرصاص ممارسات تجدي نفعا ففي إيران ثورة كبيرة ولن تتوقف وستتقدم حتى تدمير قصر العدو، وهي تعرف كُلفة ذلك وستدفعها، وإن لسان حال العدو يكافح محبطا ومتعثرا في طريق مسدود ويقول أنه إذا لم يقمع فستتعاظم عاصفة الانتفاضة والثورة، وإذا جاء بالحد الأقصى من القمع فإن تشتعل مشاعل ”النار بالنار“ ويطوي صفحة نظام ولاية الفقيه.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.