دروس واستنتاجات، في ضوء حيثيات ونتائج الغزو الروسي لأوكرانيا

نزار بعريني

في ضوء  إجراءات غير قانونية  بضمّ  مناطق  أوكرانيّة  إلى روسيا  –  لا تختلف عن اجراءات ضمّ العدو الإسرائيلي للجولان السوري المحتلّ ، ولا النظام الايراني لجزر الإمارات ، او   “اللواء السليب “، وفي ظل دعاية ” معادية للإستعمار “(١) ،تحاول إظهاره   في عيون  ضحايا سياساته من الروس ك”بطل تحرير قومي”- التساؤل الذي يطرح نفسه :
هل  يُريد بوتين ، تحت وطأة الهزائم المتلاحقة التي يتعرّض لها جيشه  في مناطق مختلفة من أوكرانيا ، أن يقول أنّ اهدافه من  الحرب  على أوكرانيا، المستمرّة في مرحلتها الثانية منذ شباط الماضي ، قد تحققت ؟  هل هو  فحوى الرسالة التي يُريد الزعيم  توصيلها ؟
اذا كان هدف الحرب يقتصر على ” تحرير ” تلك المناطق ، لماذا دفع زعيم الكرملين  بجيشه  على دروب غزو شامل ، وسعى لاحتلال العاصمة ، وتغيير نظام الحكم ، على طريقة الغزو الصدّامي للكويت ،والأمريكي   للعراق ؟ 
بخلاف القيادة الأمريكية ، التي  خططت مسبقا  لمرحلة الغزو ، وتعرف  اهميّة نتائجه  في سياق تحقيق اهداف مشروعها الإقليمي ،” الإيرو أمريكي”  ،  فهل حقّا  تجهل  القيادة الروسية الفارق  بين محصّلة  الربح والخسارة في مغامرة الغزو؟ 
اذا وضعنا جانبا الخسائر البشرية والإقتصادية الهائلة ، لا يمكن أن نتجاهل  صيرورة عزل روسيا.. وتهميشها  اوروبيّا-    بما يُعيد التخوم المصطنعة التي فرضتها موازين قوى الحرب العالمية الثانية، واستمرّت خلال   حقبة  الحرب الباردة،وضمنت  بقاء أوروبا ، بركيزتيها روسيا وألمانيا ..  مقسّمة…..لصالح سيطرة أمريكية على القارة العجوز … وبما يبقي تحكّما أمريكيا احاديّا  بشريان الطاقة – وعالميّا ، بما يحوّل روسيا من دولة عظمى ..إلى دولة أقل فاعلية وتأثير في العلاقات الدولية… تسعى لطلب الحماية حتّى من بعض الدول الإقليمية،  كتركيا …وإيران …
إضافة إلى ذلك ، هل يجهل السيّد  بوتين حجم الأضرار التي أصابت مرتكزات وحدة ” الإتحاد الروسي ”  الجيوسياسية .؟
  على أيّة حال ،  بغضّ النظر عن طبيعة الهزيمة التي ستدفع روسيا الدولة  ،جميع مقوّمات الدولة الروسية ، ثمنها ، على جميع الصعد والمستويات، كيف يمكن لنا ، نحن السوريون  وشركائنا الروس ، أن نتعلّم من دروسها ؟ 
أعتقد انّه  في مقدّمة  ما يجب علينا أن ندركه جيّدا ، ونحن نخوض غمار حروب متعددة المستويات  منذ الاستقلال لبناء مؤسسات دولة المواطنة الديمقراطية ، هو  القيمة المطلقة  لوجود نظام ديمقراطي حقيقي ، يحكم في بلداننا ؛ خاصّة لما يشكّله من ضامن واقعي   للحفاظ على مصالح الدول  العليا ؟
هل  كان ليستطع  بوتين،  في ظل نظام ديمقراطي –  تعود فيه السلطة الحقيقية ، القضائية والتنفيذية ، لممثلي مصالح  الشعب ، المنتخبين ديمقراطيّا-  ان يتخذ قرار الغزو …والضّم ؟ (٢).
ألا يستحق بوتين….ويلتسن ….وغيرهم من القيادات الروسية  ..والسوفياتية … محاكمة عادلة …على قاعدة مصالح شعوب روسيا اليوم….والاتحاد السوفياتي سابقا، وليكن للقضاء العادل كلمة الفصل  ؟ 
على المقلب الآخر  ، يستحق بالطبع  قادة الولايات المتّحدة تلك المحاكمة العادلة ….لكن على قاعدة  العدالة الدولية وحقوق الإنسان، ومن منطق مصالح شعوب المنطقة التي ما  تزال تدفع ثمن سياسات واشنطن الإمبريالية ، خاصّة منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي …في افغانستان وايران والعراق…وسوريا  ولبنان…وليبيا…
البون الشاسع بين نتائج ممارسات قيادات الولايات المتّحدة وقيادات روسيا  هوتماما  كالفرق بين طبيعة النظامين .   فمكاسب  جرائم الحروب  التي ترتكبها القيادات السياسية في الولايات المتحدّة حول العالم ، وخاصة في منطقتنا، 
( كغزو العراق- وهزيمة ثورات الربيع العربي ) تحقق  مصالح طواغيت المال والنفط والسلاح المسيطرة على مؤسسات الدولة  الأمريكية ….لكنّها تحقق أيضا ، وفي نهاية المطاف ، مصالح ” الولايات المتّحدة ”  العليا ؛ سواء في ضمان سيطرتها ، وآليات نهبها …وانعكاسها  ايجابيّا  على حالة الاستقرار والسلام  الداخلي…الامني والاقتصادي ، وهو جوهر سياسات النهب والسيطرة الإمبريالية  ، ويبررها المنطق ” البراغماتي “، ويسترها دعايات كاذبة حول الحرص على تعزيز الديمقراطية  في منطقتنا ، ويبررها ديماغوجيا ” محارب  الإرهاب “؟ !
الطامّة الكبرى هي في  حالة دول النظام الرأسمالي الطَرَفية، ( كمنطقتنا  ، وروسيا ..رغم الفوارق الكمّية .. حيث منعت أو أعاقت  علاقات النهب والسيطرة الإمبريالية  إنجاز اهداف ” الثورة الديمقراطية” ، وحيث   توكّل الولايات المتّحدة، بمساعدة شركائها في مراكز النظام الرأسمالي العالمي، حكومات وانظمة محليّة  لإدارة مصالحها العليا ) ، حيث   تتعارض سياسات الوكلاء، في ارتهانها للعرّاب ،    ليس فقط مع مصالح الدول والشعوب  ، والطبقة الحاكمة ، بل واحيانا حتّى في بعض السياقات مع مصالح  القائمين عليها  ، أنفسهم … !!
ثانيا ،
في السياق التاريخي  العام  ، إذا كان تعارض مصالح وسياسات الولايات المتّحدة، اعظم الدول الديمقراطية ، مع خيارات شعوب المنطقة ( وروسيا، ناهيكم عن شعوب أخرى !  ) الديمقراطية قد بات حقيقة ساطعة ، لا يمكن إنكارها  ، فإنّ  الخط الفاصل  في الوعي السياسي النخبوي  بين القديم ،البائد  المهزوم  ، المرتهن  ،  والمستقبل الواعد  ،  المستقلّ ، هو في  امتلاك   الجرأة والوعي  للإعتراف بحقيقة أنّ كل صيرورة سياسية لا تحترم قيم ومعايير النظام الديمقراطي ، وتبني سلطة متناقضة مع نهجه ، هي في النهاية ، جزء  لا يتجزأ من آليات النهب والسيطرة الإمبريالية- بغضّ النظر عن اليافطة ، والشعار ، وكاريزما القيادة -وقد اثبتت التجربة التاريخية عدم خروج   إنجازات  قادة تاريخيين ،على الصعيد الروسي  والإقليمي – كلينين ، في روسيا ، ١٩١٧/ ١٩٢٠   ، وعبد الناصر ، في فضاء  المنطقة العربية منذ ١٩٥٤ ، والخميني في فضاء ” الإسلام السياسي ….منذ ١٩٨٠ ، وعبد الله أوجلان ، على الصعيد الكردي –  نظّروا و عملوا على قطع صيرورات التغيير الديمقراطي، و تقاطعت جهودهم عند نهج بناء أنظمة معادية للديمقراطية، عن هذا السياق ، وقدصبّت جهودهم  في النهاية   ، بغضّ النظر عن  وعي أصحابها ، وبرغم تناقض الشعارات الشكلي واختلاف المبررات  ، في خدمة الطغمة المسيطرة  في قيادة   النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي، وزعيمته الأمريكية المهيمنة  ؛ المعادي لتعزيز الديمقراطية  وقيمها  خارج دول المركز : الولايات المتّحدة وبعض أقمارها المفضّلين  !!
بناء عليه  ، وفي ضوء حالة الهزيمة الشاملة التي وصلتها شعوب المنطقة ونخب معارضاتها ،  
تصبح  الخطوة الاولى في نضالات الشعوب لتحقيق اهداف ا لتحرر والديمقراطية والعدالة هي  مهمّة العمل 
على   فرز نخب وطنية ديمقراطية  مستقلة ،   على طريق الخروج من هذا النفق المظلم الذي تعيشه شعوب ودول المنطقة ، منذ مطلع القرن العشرين !!
هي مهام أوليّة  على صعيد العامل الذاتي للخروج من النفق ، وهي مهمّة شاقة .. وصيرورة تاريخية ..يحتاج بناؤها الى رجال  ونساء من طينة مختلفة؛  ليس فقط بسبب  الهزائم التي سببتها الانظمة الإستبدادية ، و بفعل حجم التلوّث الذي أصاب النخب المسيطرة ، المرتهنة، التي تُفبرك  الرأي العام  ( ولايختلف في هذه الحالة محاربو اليمين في  ” الإسلام السياسي، الشيعي أو السني ” عن ” اليساري – الشيوعي ، اللينيني / الستاليني  ، أو القومي، العربي والكردي )…لكن ايضا بسبب وعي طواغيت النهب والسيطرة  التشاركية  لأهميّة هذا” الدور النخبوي”  ، ولإصرار على استمراره …بأي ثمن ، وأيّة أدوات  !! 
السلام والعدالة لشعوب المنطقة.
(١)-
كتب الحقوقي السوري المعروف (النائب العام في محافظة اللاذقية سابقاً) ،” الأستاذ  طه الزوزو”، يقول:
“…..من وجهة نظر القانون والدستور والقانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان، إن نتيجة الإستفتاء    الذي أجراه الرئيس بوتين في عدد  من المناطق الأوكرانية المعترف بها دولياً التي احتلتها  روسيا، تبقى بحكم المعدومة لا  يُعتد  بها، وهي والعدم سواء . 
إن  هدف الرئيس بوتين من هذه العملية استجداء التفاوض مع  أوكرانيا والغرب،  مثله مثل إعلان النفير العام الجزئي  الذي أعلنه  الرئيس بوتين في روسيا.
ولئن  كان بعض سكان هذه  المناطق المحتلة  من  قبل روسيا من  أصل  روسي، وهم  مواطنون أوكرانيون، فإن رغبتهم بالإستقلال  تُعلَن بإجراء استفتاء وفق الأصول القانونية
والدستورية والقانون الدولي وبأشراف الأمم المتحدة “.
(٢)-
قد يعترض البعض بالقول ، ها هو” بوش” قد اقدم على غزو العراق، وهو رئيس اعتق  الدول الديمقراطية ! من حيث الشكل ، يبدو هذا صحيحا  . في الواقع ، لنتذكّر حجم المبررات التي قدّمها غزو العراق للكويت ، واضطرار الإدارة الأمريكية للانتظار عشر سنوات ، عجزت خلالها عن تأمين موافقة داخلية ، إلى انّ قدّم اسامة بن لادن المبرر القوى ، ٢٠٠١ . الوضع مختلف ، بالتأكيد ؛ وهو اكثر تعقيدا في الدول الديمقراطية!! اضافة الى ذلك ، تستخدم قيادات  الولايات المتّحدة  دعايات  واسعة ، وتصرف الملايين لترويج افكارها ، محليّا ، وعبر العالم !
ا ت١ – ٢٠٢٢

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…