مهرجان دهوك الثقافي ما له وما عليه

صبري رسول*

تلقَى مهرجان دهوك الثّقافي الخامس الذي أُقِيم في دهوك في كردستانا باشور انتقاداتٍ حادةً وكثيرة من شعراء ومثقفين وكتاب، والغريب أنّ كلها جاءت من كُرد روج آفاي كردستان.
معروفٌ أنّ أيّ نشاطٍ ثقافيّ، كالمهرجانات الشّعرية والثقافية، ومهما كان ناجحاً سيواجه انتقاداتٍ لتنظيمها وفنياتها وآلياتها، وهذا حقّ طبيعي للجميع، ومن دون ملاحظاتٍ بناءة وجدية لا يمكن تلافي الأخطاء والهفوات والعثرات والنواقص.
كان المهرجان برعاية الرئيس مسعود البارزاني، وألقى كلمة مقتضبة في الافتتاحية، أشاد فيها بدور المثقفين والكتاب لحماية التراث واللغة الكرديين، حيث يعطي أهمية خاصّة للغة الكردية وأقلامها، وارتكز برنامج المهرجان على ثلاثة محاور  أكّد ذلك الأستاذ حسن سليفاني رئيس اتحاد أدباء الكُرد في دهوك، والمحاور هي: 
– تأثير الأنفال في الأدب الكردي.
– دور المثقفين في حماية الهوية الكردية 
– وضع اللغة الكردية واللغويين والواقع الثقافي في الأجزاء الأخرى من كردستان. كما تضمن المهرجان أمسيتين شعريتين.
لقد واجَه مهرجان دهوك الثّقافي الخامس المُقام على مدار يومين في 25.09.2022 وبحضور 135 كاتباً وأديباً من الأجزاء الأربعة، انتقادات حادة على وسائل التواصل الاجتماعي، والانتقادات كثيراً ما تكون على قدر الاهتمام والتعب والتخطيط والميزانية التي خُصِّصَت له، سيما أنّ أيّ نشاط ثقافي يُقام في إقليم كردستان تكون جاذبيته للكرد في روج آفاي كردستان أقوى من جاذبية الحج للمسلمين، فثمّة وشائج قومية وثقافية وعاطفية قوية تربط كردستان روج آفا بكردستان باشور، سيما أنّ هناك أكثر من ثلاثمئة ألفٍ شخصٍ يعيشون في مخيمات اللجوء وفي الإقليم، إضافة إلى أنّ الكثير من المهتمين يعتقدون أنّ فيزا المرور إلى عالَم الثقافة والكتابة تمرّ عن طريق دعوة يتلقاها من مؤسسة رسمية من كردستان، ومعاطف الشهرة إنّما تُباع هناك، وقد تكون لـ«كاريزما» النضال السياسي والقومي لقيادة الإقليم دور كبير في ربط الكُرد هنا بأنشطة ثقافية هناك، وهذا أمر طبيعي.
من خلال الصّور المنقولة تلفزيونياً يبدو أنّ المهرجان أخذ أهمية كبيرة لدى قيادة الإقليم بدلالة حضور الرئيس مسعود البارزاني ومسؤولين كبار في اليوم الأول، ما يعني أنّ المهرجان متعوب عليه، وأُرِيدَ منه مهرجاناً ثقافياً كردياً عاماً، لا يخصّ الكتاب والشعراء فقط، ولا يختصر على الثقافة في الإقليم، رغم أنّه يحمل اسم المدينة التي أقيم فيها، دهوك، إنّما يشمل الثقافة العامة، من غناء ورقصٍ إلى جانب محاوره الأساسية. وحضر المهرجان 135 كاتباً وأديباً من أجزاء كوردستان الأربعة وعددٍ من الدول العربية والأوروبية.
وركّز المُنتَقِدون على أولوية الحضور، وسبب توجيه دعوة إلى الشاعر الفلاني وتجاهل الكاتب الفلاني، وهذا أمرٌ دارج بين الوسط الثقافي الكُردي في سوريا، فنشوة الشهرة ألقت بظلالها على بعض «منْ يتلقى اللايكات» إلى درجة الانتشاء من دون الإحساس بالمسؤولية الكتابية. 
وثمّة ملاحظات كثيرة تُسجّل على المهرجان وأخرى له: 
كيف تمّ انتقاء الأسماء الثقافية لحضور المهرجان، والتّخصيص هنا لأدباء الكرد في روج آفاي كردستان، بمعنى آخر، هل تمّ ذلك بناء على معايير معينة؟ إذا لم يكن للعلاقات الشّخصية والعشائرية دور في توجيه الدعوة إلى الأدباء، فكيف تمّ انتقاء الأسماء التي حضرت، ومنهم ليس لهم أعمال كتابية، بينما غابت أسماء أخرى أكثر قوةً وشهرةً وعمقاً؟ فقد تجاهلت إدارة المهرجان شخصيات ثقافية كردية كبيرة، لهم عشرات الأعمال الإبداعية والأبحاث ولهم حضور جيد في الوسط الثقافي بينما وُجِّهت الدعوات إلى آخرين لايجيدون كتابة بوستاتٍ فيسبوكية، وفي الوقت ذلك لاننكر أنّ هناك قامات ثقافية قد حضرت.
وثمّة ملاحظة أخرى تخصّ نسبة الحضور، فقد حضرت أكثر من ثلاثين شخصاً من كردستان الغربية (4 مليون نسمة)، بينما لم يحضر ربع العدد من كردستانا الشمالية (30 مليوناً)، ورغم ذلك كان الكتاب الكرد السوريون قد أكثروا من العتاب على إقصائهم. ويبدو لي أنّنا – الكُرد في سوريا- نتدخل حتى في الشؤون الثقافية في أفريقيا، والسياسية في أوكرانيا، ونعجز في الوقت نفسه في إقامة نشاط مماثل من دون مساعدة الآخرين.
وفي هذا السّياق أكّد الكاتب والمفكر الكردي الكبير إبراهيم محمود بأنّه لم يتلقَ أي دعوة من إدارة المهرجان، رغم وجود اسمه في قائمة الدعوات برقم 106 وهو مقيمٌ في الإقليم، مقابل ذلك تلقَّى كثيرٌ من «كتّاب صفحات التواصل الاجتماعي» دعواتٍ لحضور المهرجان وبعضهم لا يجيدون «كتابة بوستٍ واحد» من بضعة أسطر بشكل سليم، وهذه نقيصة كبرى تُسجَّل على إدارة المهرجان وعلى رئيس اتحاد أدباء الكرد في دهوك السيد حسن السليفاني، بينما هناك أسماء وقامات شامخة، صدرت لها كتبٌ وأبحاث ودراسات قيمة لم يَسمع بهم السّيد السّليفاني، والتحليل أتركها لكتاب الفيس، وأكتفي بذكر «الشاعرة» أفين يوسف التي لا علاقة لها بعالم الكتابة. واللقاء مع «آرتا أف إم 2018» لا يجعلها شاعرة، فإذا كان انتقاؤها بسبب قصيدتها عن قامشلو، فالاختيار خطأ بكلّ تأكيد، لأنّها ضعيفة جداً، وليست شعراً، إلا إذا كان هناك مسألة سياسية تخصّ إدارة المهرجان وانفتاحها على مثقفي «الإدارة الذاتية» وأصحاب السّوابق من لصوص الكتابة. 
وفكرة أخرى تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تكرار الأسماء نفسها في أكثر من نشاط ومهرجان، ما يدلّ أنّ العلاقات الشخصية فرضت نفسها في المعايير المعتمدة في الاختيار والحضور. 
وفي النّهاية، يبقى المهرجان، تنظيمُه، ترتيبُه، ودعواته، وبرنامجه، من خصوصيات الإقليم وأدبائه، ويستحقون الشّكر والتقدير على هذا العمل الكبير، وما طرحتُه ليس سوى وجهة نظر شخصيّ يتعلّق بمثقفي الكرد السّوريين وحضورهم في المحافل الأخرى، والاكتفاء بتوجيه الانتقادات السلبية لا يبني أنهار الودّ مع الآخرين، فلا بدّ من تشجيع الإيجابيات التي حفل بها المهرجان. كما يُسجَّل للمهرجان حسن التظيم والإعداد والتقديم، من دون أنْ ننسى البرنامج النوعي الذي شمل محاور ثلاثة تمّ ذكرها سابقاً. 
والسّمة التي ترفع من أسهم المهرجان، القدرة على إقامته في هذه الظروف السياسية العصيبة التي فرضت فيها الحرب نفسها على مفاصل الحياة، والجهود الكبيرة التي ساهمت في إنجاحه والسّير به وفق الخطّة المرسومة بها.
====================         
* مسؤول مكتب ممثلية اتحاد كتاب كردستان سوريا في أوربا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…