صلاح بدرالدين
يجري تداول عبارة – الخط الثالث – على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مناسبة، ومقام، وعلى سبيل المثال عدما يتنافس حزبان رئيسيان في الدول المستقلة للفوز بالسلطة، تظهر قوى او أحزاب أو تيارات سياسية وتحاول خرق الاستقطاب الثنائي، وتطرح نفسها بديلا كخط ثالث، وفي بلدان أخرى عندما تشتد الازمة بين اهل النظام السياسي الطائفي، وتعلى وتيرة المواجهات، تنبري منظمات قوى المجتمع المدني كقوة وطنية مستقلة محايدة كطرف ثالث غير طائفي لاصلاح النظام، وحل الازمة، وفي حالات أخرى لدى استمرارية الصراع العنفي والسياسي، والثقافي بين نظام دكتاتوري مستبد، وبين المعارضة من دون حسم او التوصل الى حلول، تنمو قوى جديدة لم تتورط في اعمال العنف، او الفساد، او الاجرام بحق المجتمع، وتطرح مشروعها الانقاذي كقوة ثالثة بمعزل عن الطرفين .
” الخط الثالث ” في الحالة الكردية السورية
في الأنماط التي اشرنا اليها أعلاه كأمثلة، تتعلق بدول مستقلة ذات سيادة، وبأنظمة سياسية، وحكومات تجري فيها اللعبة الديموقراطية حول تداول السلطة، أو يتم فيها خاصة في بلدان الشرق الأوسط استخدام الدين، والمذهب، والطائفة، والقومية لأغراض حزبية، ومنافع فئوية، وبالاخير لاستحواز السلطة باي ثمن، ثم تظهر فيها الخيارات ( الثالثة ) كبديل مطروح محتمل لتحكم بدلا عنها .
من الملفت ان هناك في ساحتنا من يقلد بصورة خاطئة تلك الأنماط من دون تمييز بين ظروف المكان، والزمان، وطبيعة المرحلة التاريخية، فنحن بالحالة الكردية السورية الخاصة لسنا في مرحلة الصراع على السلطة في كيان كردي مستقل، حتى نزاحم أحزابا حاكمة، او ننخرط في معارضة ضد نظام قومي كردي قائم كخط ثالث، ثم نتخذ مسارا وسطيا محايدا بين حزبين او طرفين متنافسين .
نحن مكون قومي من السكان الأصليين نعيش ضمن الدولة السورية الحديثة منذ نحو قرن، وتجاهلنا هذا الكيان في الدستور والقوانين، والحقوق، نشأت حركتنا القومية، والوطنية منذ عشرينات القرن الماضي كحاجة موضوعية للتعبير عن هويتنا وارادتنا وتمثيل طموحاتنا، بعد تخلي كل التيارات السياسية في الحركة الوطنية السورية القومية العربية، واليسارية، والإسلامية عن الدفاع عن وجودنا، وحقوقنا، وخلو برامجها من القضية الكردية، وقد قامت تعبيرات الحركة الكردية السياسية، والثقافية خلال اكثر من مائة عام بتبني طموحات واهداف شعبنا، وقدمت التضحيات الجسيمة، واصابت واخطأت، وحققت خطوات خاصة بمجال الحفاظ على الوجود القومي، واخفقت في تحقيق اهداف أخرى، ولكنها ظلت الأداة النضالية الوحيدة بكل علاتها ومازالت على درب النضال مع كل التطورات، والتبدلات في المراحل، والبرامج، والافراد، ومع كل الملاحظات، والمآخذ .
وهكذا فان حركتنا الكردية السياسية قوية كانت ام ضعيفة، موحدة كانت ام مفككة، سليمة كانت ام مأزومة، تبقى هي الاطار الوحيد لمجالنا الحيوي، وسلاحنا الأوحد في نضالنا الراهن، والمستقبلي، ومتنفسنا، ومصدر الهامنا على درب التغيير، من دونها لن تكون لنا قائمة، ولا دور، وبدونها لن نحقق خطوة واحدة تجاه نيل الحقوق، وتحقيق الإنجازات، وحل القضية الكردية سلميا وديموقراطيا، والمشاركة في الواجبات الوطنية ضد الاستبداد، ومن اجل الديموقراطية، والتغيير .
هذه الحركة تنوء الان تحت اثقال عجز وهزائم الأحزاب الكردية لدى طرفي الاستقطاب، تصدعت، وانقسمت، تحت ضربات أصحاب المصالح الحزبوية الضيقة، وانشطرت، وارتمت بين احضان المانحين الخارجيين الذين صادروا استقلاليتها، ويستخدمونها لخدمة اجنداتهم، وعلينا انقاذها ليس باستخدام نفس أساليب المسؤولين المتنفذين في تلك الأحزاب، بل بالطرق المدنية الديموقراطية وبكل شفافية، ومن يقوم بهذه المهمة النبيلة هم من صلب شعبنا، ومن شاباتنا وشبابنا، ووطنيينا المستقلين، وفي الحالة هذه سموا المنقذين ماشئتم : خط ثالث او اول او ثاني لايهم وهم بالحقيقة خط غالبية الوطنيين الكرد السوريين، ولايبحثون لا عن سلطة، او جاه، او حكم، او معارضة، انهم يبحثون عن سبيل توفير شروط عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع، الذي سيقرر المشروع الكردي للسلام القومي، والوطني، وسينتخب من يمثل الشعب الكردي، بل ان تحقيق ذلك بات مدخلا لابد منه لحق تقرير المصير .
مسألة إعادة بناء الحركة الكردية السورية لم تعد تتحمل التأجيل فتزداد تعقيدا كلما طال امدها، حيث التراجعات تصيب بنيتها التحتية يوما بعد يوم بفعل مخاطر العبث في بنية الفكر القومي التي جلبها الوافدون معهم من كهوف قنديل، وانحرافات المسؤولين المتنفذين في أحزاب – الانكسي – عن الخط الديموقراطي المستقل، وعمليات تسخيف الوعي، واسكات الأصوات الحرة، وشراء الذمم في الظروف الاقتصادية الصعبة، الجاري على قدم وساق .
اذا كان بنات وأبناء جيلنا الشاب، وسائر الوطنيين المستقلين، ليس بمقدورهم الان حل القضايا المعيشية، والاجتماعية، ومواجهة الانحرافات الفكرية، والنهوض بالثقافة القومية الثورية الديموقراطية، وتحقيق مشاريع التنمية، وبناء المشافي، والمدارس والجامعات، وتنشيط حركة المجتمع المدني، وإيجاد حل للقضية الكردية، فان باستطاعتهم توفير السبل لتحقيق ذلك مستقبلا، واولها سبيل إعادة بناء وتوحيد الحركة الكردية، وقد يطول الطريق او يقصر الا ان ذلك هو المخرج الوحيد .
من اجل تحقيق مانصبو اليه لابد لنا من العمل على جبهتين : الأولى – إيجاد طريقة عملية غير مكلفة للتواصل الافتراضي المباشر ( وهي متوفرة بفضل تقديمات التكنولوجيا ومواقع التواصل )، وتبادل الآراء، والتشاور حول الحاضر والمستقبل، والتعاون عبر الحوار لصياغة المشروع السياسي النظري الذي لابد منه من اجل الاتقان في الخطوات العملية، او قراءة واجراء تعديلات على مشاريع جاهزة، وصولا الى إقرار مايجمع، وماهو مشترك وأساسي ومفيد، في مرحلة الاعداد والتحضير، والثانية – تحقيق الحد الأدنى من تنظيم الطاقات العلمية، والفكرية، والثقافية، والإعلامية، والابداعية، ليس على طريقة التنظيمات الحزبية،بل باشكال شفافة راقية ولامركزية، وجماعية .
والقضية قد تحتاج الى نقاش