من افرازات «القمتين» المزيد من التصعيد.. قضية للنقاش (233)

صلاح بدرالدين
  في متابعات سابقة تناولت حيثيات انعقاد قمتي جدة وطهران، والظروف المحيطة بهما محليا، وإقليميا، ودوليا، وماصدر منهما من بيانات إعلامية، والاحتمالات التي وضعناها كمتابعين، وفي هذه ( القضية ) سنتابع تداعيات القمتين على قضايا المنطقة، وبالأخص انعكاساتها المباشرة على ماتعنينا منها بشكل مباشر .
  اذا كان الطرفان الرئيسييان، الداعيان الي قمتي – جدة، وطهران –  أمريكا، وروسيا لم يحققا اهدافهما المنشودة المباشرة فانه يمكن القول ان القمتين لم تنجحا بمنظار الطرفين، وحسب مصالحهما، وكما خططا لهما، وهذا لايعني ابدا انهما لم يقطفا اية ثمار، او ان المشاركين الاخرين خرجوا خالي الوفاض، فيبقى الامر نسبيا وطويل المدى، في حسابات الربح الخسارة لدى الدول، وفي مباريات لعبة الأمم .
قمة جدة
  كان السقف الأعلى للتوقعات الامريكية الطموحة، ان تختتم القمة بشبه معاهدة، او وثيقة استراتيجية، تلتزم فيها الأطراف بامرين اساسيين أولهما الانفتاح العربي الرسمي النهائي على إسرائيل، واستكمال خطوات معاهدة السلام – الابراهيمي – بين إسرائيل وعدد من الدول، وثانيهما التزام الدول الخليجية بالاستراتيجية الامريكية، والغربية عموما تجاه روسيا، والتعويض عن النفط والغاز الروسيين، وقطع الطريق على أي تغلغل روسي صيني اقتصادي وعسكري بالمنطقة، وموقف عربي مساير للسياسة الامريكية المتارجحة حيال ايران، وكان الاعتقاد الأمريكي ان الجانب العربي سيطالب مقابل ذلك بالضمانات الأمنية لانظمتها خصوصا، والتعاون العسكري في وجه ايران، وحماية مصادر الطاقة، وطرق عبورها .
  معظم هذه التوقعات ان لم يكن كلها لم يتحقق، وماجرى هو ابرام اتفاقيات ثنائية او تفاهمات شفهية، ويقال تم تمرير اتفاقيات مهمة  لم يعلن عنها، فالادارة الامريكية ( الديموقراطية )  كانت قد قررت منذ أعوام خاصة بعهد – أوباما – الانسحاب من الشرق الأوسط، وعقد صفقة مع جمهورية ايران الإسلامية، مع انشغالها بالمواجهة مع روسيا وكذلك الصين الان، والقضايا الداخلية، خصوصا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، هذه الإدارة التي أخطأت كثيرا في سياساتها الشرق أوسطية، وتجاهلت حلفاءها التاريخيين ومن بينهم السعودية ودول الخليج وغيرها، كما انها تخلت عن تمسكها – ولو النظري – بمسائل الديموقراطية، ودعم الحركات التغييرية، وخذلت اصدقاءها في احلك الظروف، وفي اوج صعود الحركات الإرهابية، وعدوانية الميليشيات الإيرانية، وجاء الانسحاب العشوائي من أفغانستان كخاتمة درامية للهيبة الامريكية،  وبالتالي لم تعد تمتلك رؤية سليمة  ثاقبة لتطورات الاحداث، وحلول ناجحة تجاه مشاكل المنطقة، مما افقدها كل ذلك الصدقية امام دول وشعوب الشرق الأوسط .
  في هذه الحالة ليس من المستبعد وبعد مواجهة الفشل في قمة جدة، والحرج الذي اصاب إدارة بايدن الضعيفة أصلا، ان تقوم بردود فعل سلبية كاطلاق عمليات، وحبك خطط، على غرار سياسة  ( الفوضى الخلاقة ) التي كانت وراءها إدارات أمريكية سابقة، فلايمكن تبرئة الامريكان من التوترات الأخيرة في سوريا، ولايمكن التغاضي عن دور ما للامريكان في مايحدث الان من تدهور للأوضاع في العراق وكردستان، وهكذا الحال في تعنت الحوثيين باليمن، وحوادث العنف المتجددة بليبيا، ومايخبئ القدر للبنان .
 قمة طهران
  كانت روسيا تخطط لاخراج تلك القمة الثلاثية بمظهر حلف مواجه لامريكا وحلفائها خاصة وانها احوج ماتكون الى من يؤيد حربها القذرة على أوكرانيا، خاصة وانها وضعت في حساباتها تقديم تنازلات سخية  ( سورية )  لكل من تركيا وايران مقابل ذلك غض الطرف عن أي اجتياح عسكري تركي بمناطق محددة، وافساح المجال اكثر للدور الإيراني بسوريا عسكريا، وامنيا، واقتصاديا، وكما يظهر فان تركيا العضو بحلف الناتو لم تتجاوب مع الرغبة الروسية، حتى ايران لم تجد مصلحة لها في الانخراط بحلف روسي بشكل علني خاصة وانها مازالت تامل بالاتفاق مع الغرب لاعادة مليارات الدولارات .
  الى جانب ذلك فان الطرفين الاخرين لم يحققا ماارادا من القمة، وعلى الاغلب لم يكن بحساباتهما تحقيق أي شيئ لان القمة كانت بين المتناقضات أصلا، وجمعتهم المصالح الانية وليست الاستراتيجية، وسيبقى كل طرف يسير في سياسته من دون أي تبديل، فقط تبقى المسائل الاقتصادية، والعلاقات التجارية ثابتة، ومتطورة، وستقوم تركيا بالتنسيق مع روسيا وأوكرانيا حول نقل القمح و والحبوب الى الدول المعنية عبر البحر الأسود، اما في سوريا فهناك خلافات وتناقضات بين الأطراف الثلاثة .
  المصالح الانية تربط روسيا وايران حيال قضايا الشرق الأوسط، وقد تدفعهما الى تعميق التعاون العسكري، والأمني خصوصا في سوريا، والعراق، ولاشك انهما ستواجهان السياستين الامريكية والتركية في سوريا، وستعملان على تعزيز نفوذ النظام وكسر شوكة معارضيه، ونشر جيشه في مناطق نفوذ – قسد – كما ستضغطان باتجاه التفاهم بين جماعات – ب ك ك – والنظام مباشرة او عبر مركز – قنديل – وبذلك يتم عزل الامريكان عن الساحة السورية، واقتصار دورهم على تمويل، وتسليح المقاتلين  من – قسد – دون مقابل، وامام ذلك فان السوريين وبينهم الكرد سينتظرون المزيد من التوترات، والتدخلات، والتطورات السلبية، والمخططات التدميرية  التي تقف من ورائها روسيا وايران، ونظام الاستبداد .
       العراق وكردستان 
  هناك اكثر من طرف دولي واقليمي  يقف وراء التطورات الدراماتيكية بالعراق واولها نظام ايران، وهناك أيضا أطرافا دولية وإقليمية ومحلية متورطة وتسعى للاساءة الى إقليم كردستان العراق، واحراج حكومته، وتجاهل مؤسساته، والنيل من إنجازاته، والتخريب على علاقاته الاقتصادية مع الجوار، نظام ايران يريد التعويض عن فشل قمة طهران، وعزلته الدولية الخانقة، ولفت الأنظار عن افتضاح امر مواليه ببغداد، باستهداف إقليم كردستان وشعبه، ومؤسساته الديموقراطية، ولاشك ان الجماعات المسلحة الشيعية الولائية، وكذلك مسلحو – ب ك ك -، وجماعات حزبية كردية عراقية ستكون من ادواته المنفذة .
  الكرد السورييون، والعراقييون هم الضلع الغر الطري واكثر المستهدفين في ردات الفعل هذه بشأن فشل قمتي جدة وطهران، ويبدو انهم من أوائل ضحاياه، اما الأسباب فلاشك ذاتية، وموضوعية .
  مايتعلق الامر بالكرد السوريين هناك فرصة لاستدراك الامر قبل وقوع الكارثة الأكبر، وليس امامهم أي طريق للانقاذ سوى التوافق على عقد المؤتمر الجامع بغالبية وطنية مستقلة، ومشاركة الأحزاب بالثلث غير المعطل، وهنا نناشد كل طرف وطني سوري، او كردستاني، او إقليمي، او دولي يعتبر نفسه معنيا بالملف الكردي السوري، المساهمة في دفع الأمور بالاتجاه الصحيح بعيدا عن التحزب، والمصلحة الخاصة، لان توحيد الحركة الكردية السورية حول المشروع القومي والوطني الديموقراطي سيعزز قوى الحركة الديموقراطية السورية، وسييرسخ العلاقات الأخوية الكردستانية، وسيكون ضمانة سلام ووئام مع الجوار، وعاملا من عوامل النهوض، والقضاء على الإرهاب، والعنصرية، ونهاية الحروب الاهلية . 
  والقضية تحتاج الى نقاش
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…