في بعض أسباب ضعف الأحزاب السورية

عبدالله كدو

بدأ تأسيس الأحزاب السورية بشكل عام، و منها تلك الكردية، تباعاً، في القرن ال 20 ، على يد نخب ثقافية قومية او يسارية أودينية، على الأغلب،  حيث لم يتوفر إرث ثقافي أو سياسي، بالصدد، متوارث عبر الأجيال، وبالتالي كانت فكرة تأسيس الأحزاب عبارة عن مبادرة ورغبة تلك النخب التي كانت – غالبا – تستنسخ وتترجم الأفكار أكثر مما تستنبطها من واقعها،  حيث كانت الجماهير تعاني من انتشار الأمية والفقر، وبالتالي ربما كانت الثقافة والسياسة ترفاً لديها، وقبل أن يتبلور ويتعزز الانتماء الوطني السوري، الذي بدأ يظهر على نطاق ضيق في وقت متأخر، كان الاِنتماءان القومي والديني قد سادا وتعمقا على نطاق أوسع، لأسباب كثيرة، منها حداثة عمر الدولة السورية،
 وما لبثت أن راحت قوى عسكرية انقلابية معادية للديمقراطية – باسم “الناصرية” تارة  و”البعث” تارة أخرى –  لتتسلل إلى السلطة وتحتكرها وتطرد السياسة من البلاد، حتى صار الكلام في السياسة مغامرة غير محمودة العواقب،  الأمر الذي تدفع الحياة الحزبية والسياسية السورية ثمنه غاليا حتى الآن، ولم يتمكن السوريون من تأسيس أحزاب وطنية جماهيرية تستوعب خصوصيات عموم فئات ومكونات الشعب السوري، بتلاوينها الدينية والطائفية والقومية وغيرها.
والغريب في الأمر أن نسبة كبيرة من السياسيين السوريين، وخاصة القدامى منهم، قد غادروا الحياة الحزبية نحو ” حقوق الإنسان” وغيرها من مجالات المجتمع المدني، اعتقادا منهم بأن لابد من توفير أرضية مناسبة قبل البدء بالعمل الحزبي، ذلك كاعتراف ضمني بأنهم إنما أعلنوا مشاريع حزبية قبل توفر عوامل نجاحها، سواء من حيث نضجها وغناها، أم حيث عدم توفر امكانية استعابها و تبنيها من قبل الجماهير المستهدفة .
كان يظن أولئك المؤسسون من النخب بأن أفكارهم ستصل عقول مخاطبيهم وصول النسيم عبر النوافذ، ولكن هيهات، فالأفكار الجديدة، أحيانا، لها قوام النوابض القاسية، حيث لا يكون صدامها مع العقول، التي ستتلقفها، مرنا دوماً، وعليه، يبدو أنه كان مطلوبا من أصحاب الأفكار الحزبية المعلنة متابعتها و قياس سوية التفاعل معها و مدى امكانية تمكينها، الأمر الذي ربما كان غائبا عن أذهان أولئك الذين تجشموا عناء البناء الأول، وترى أن أبناءهم وأحفادهم لم يفلحوا، بعدُ، حتى في المهاجر الاوربية والأمريكية و غيرها، في تشكيل أحزاب أو تيارات تنطلق من الانتماء الوطني السوري الجامع، لتنتشر بشكل أفقي على امتداد الجغرافية السورية المتعطشة لمن يتنبى مختلف ساكنيها وتضاريسها .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بسم الله الرحمن الرحيم السيدات والسادة، أعضاء وأسرة الفقيد الغالي، رفاق الفقيد في الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، أيها الحضور الكريم… أيتها القلوب التي اجتمعت على الوفاء، نقف اليوم في حضرة الغياب، لا لنرثي خالد، بل لنحاول أن نفيه بعضا مما يستحق من الوفاء، وأن نمد خيوط الذاكرة إلى تلك الأيام التي كان فيها خالد بيننا، روحا تنبض بالنضال، وصوتا…

(ولاتي مه – خاص) بحضور ممثلو الأحزاب الكوردستانية والجمعيات الثقافية ولفيف من الشخصيات السياسية ، اقامت منظمة اوربا للحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا، اليوم السبت 19 نيسان 2025 في مدينة فلسبورغ الالمانية، أربعينية المناضل الراحل خالد كمال درويش، الذي وافته المنية على اثر نوبة قلبية مفاجئة. افتتح حفل التأبين بالنشيد القومي (أي رقيب) ومن ثم القيت عدة كلمات واشعار منها:…

صلاح بدرالدين موضوعنا الرئيسي في هذه العجالة يتعلق بالتجربة الخاصة بالحركة السياسية الكردية السورية المتعلقة بمسائل الوحدة ، والاتحاد ، والاتفاق ، والانقسام ، والتحالفات ، وإعادة البناء ، كما يعبر عنه المشهد الراهن ، وباستحضار دروس تجارب الأحزاب السياسية القومية المعاصرة في بعض أجزاء كردستان بالمجالات ذاتها ، وذلك على ضوء الحقائق الثلاثة التالية اللتي لايمكن القفز فوقها…

ريزان شيخموس في الثامن من ديسمبر، سقط النظام الأسدي بعد عقود من القمع والاستبداد، وساد الفرح أرجاء سوريا من أقصاها إلى أقصاها. خرج الناس إلى الشوارع يهتفون للحرية، يلوّحون بأعلام الثورة، وتغمرهم مشاعر النصر والكرامة. لقد ظنّ السوريون أنهم طووا صفحة قاتمة من تاريخهم، وأن الطريق بات سالكاً نحو دولة مدنية ديمقراطية تحتضن كل أبنائها دون إقصاء أو تهميش….