في سياقات ومآلات قمّة طهران !.

نزار بعريني

  أذا كنّا لا نعرف بالضبط حقيقة ما اتفق عليه العاملون على  ” مسار آستنة ”  في نسختها  الطهرانيّة الأخيرة ، فأننا نستطيع أن نقرأ في  السياق والنتائج ، وهي أكثر من كافية لإدراك  طبيعة المسار ،  وتوقّع مآلات حلقاته  القادمة !!)١).
أوّلا ، 
في السياق الراهن :
في مقال سابق، حاولتُ توضيح   أنّ الهدف الرئيسي لقمّة “الثلاثي”  المتورّط في حروب تقاسم سوريا ، بشكل عام ، وشمالها ، على وجه الخصوص، إلى حصص ومناطق نفوذ  منذ ٢٠١٥ -في سياق تحقيق اهداف مشروع أمريكي متكامل  لإعادة توزيع الجغرافيا السوريّة بين ميليشيات الثورة المضادة ،(٢)- هو الوصول إلى “صفقة سياسية” ، تُعطي ما يطالب به النظامين الايراني والروسي  من الجغرافيا والسيادة السوريتين، او خارجها ،مقابل إعطاء النظام التركي ( الذي اخذ ما يشبه ضوء أخضر أمريكي! )،الضوء الأخضر لتنفيذ  حملته العسكرية الخامسة ،(٣) والتي تستهدف ، كما هو مُعلن إلحاق ” منبج وتل رفعت “و ” عين عيسى ” بجغرافية ” المنطقة الآمنة ” التي تعزم تركيا إقامتها على امتداد  ما يقارب ٤٥٠ كم ، بعرض يصل إلى ٣٢ كم ، من تخومها الجنوبية مع سوريا .(٤).
ثانيا ، 
في النتائج الملموسة للقمّة .
من المؤلم ملاحظات أنّ ابرز نتائج القمّة هي “رسائل دموية ” ، شكّلت اكثر اشكال التواصل بين قيادات
“مسار آستنة ” وراعيه الأمريكي انتهاكا لحقوق الإنسان ، وسيادة الدول ؛ تنفّذها القيادة  الحقيقية لما يُعرف ب”المجتمع الدولي” ، المهيمنة على مؤسسات مجلس الأمن، وجميع المؤسسات الأمبريالية ، وهي التي تورّطت في الصراع ضدّ اهداف المشروع الديمقراطي للشعب السوري. 
” المضحك  المبكي :  هو تبرير تلك العقول الإجرامية لممارساتها ،  باتهام ضحايا إرهابها الأسود “بالإرهابيين  ” ، لتصبح هي” فاعلة الخير”  ،  الساعية لتخليص السوريين، وشعوب المنطقة من اشكال إجرامه .(٥)
١- الرسالة الأولى، في موقع سياحي ، في منطقة زاخو ، محافظة دهوك ، التابعة لإقليم كردستان العراقي ،  يعجُّ بمحبّي الحياة والفرح ، كانت مؤلمة جدّا !! لنتخيّل الحالة المأساوية التي حوّلت افراح الناس ، وتوقها للحياة ، إلى جنازات جماعية ، وغطّت قاعات الفرح بالدم والدمار !! 
٢- الرسالة الثانية ، في موقع ” الجسر ” من  منطقة  ” خفض التصعيد ” الإدلبية ، وراح ضحيتها عشرات المدنيين ، نساء وأطفال؛ لا همّ لهم سوى الحصول على لقمة عيش، يزداد طعمها مرارة يوميّا ، في ظل سيطرة ادوات النهب الميليشياوية ، التي يشرعن وجودها ويحميه ،  اتفاقيات ” الدول الضامنة ” !!
ثالثا ، 
ما هو الإستنتاج  ؟
أحداث اليوم التالي لنهاية ” القمّة ” بالغة الدلالة :
 فشل المتصارعين على اقتسام الجسد السوري في الوصول إلى صفقة سياسيّة ، تلبّي شروط الجميع !!
رابعا ،
ما هي الآفاق ؟
المزيد من رسائل الموت والدمار ، في محاولة كلّ طرف لتحسين شروطه في الصفقة السياسية الموعودة ، التي كُلّف الراعي الأمريكي  ” للدول الضامنة” بدعوة شركائه في صناعة المأساة السورية لإجتماع قمّة جديدة ؛ بعد أن يرى فخامته  أنّ شروط الوليمة قد نضجت ، وحان موعد القطاف !!.(٦).
     الى حين حدوثها ، فليُبشر مئات” الإرهابيين” السوريين ،  من نساء وأطفال  وشيوخ ويتامى ومهجّرين ، الذين يخضعون لإحتلال سلطات الأمر الواقع ، بالجنّة، على أيد المبشرين الجدد ، دعاة السلام والحرية  وحقوق الإنسان والديمقراطية!!
    لا أجد ما أختم ُ به هذه العُجالة في قراءة بعض جوانب المشهد السياسي والعسكري الحالي اكثر تعبيرا عن حالة التفشيل التي وصلت إليها سوريا وشعبها وقواها الوطنية ، ونخبها ، و” معارضاتها”، سوى الأمل بأنّ تتوقّف تلك الأنظمة  المتصارعة على اقتسام الجسد السوري عن توجيه رسائلها بدماء المدنيين  الأبرياء !!
   امّا التساؤل ” الساذج “: 
هل يكلّف مجلس الأمن( الأمريكي ) نفسه عناء الإجتماع ، والتنديد بجرائم قتل المدنيين ، أو العمل على ايقافها ، فسأتركه لنخب المعارضات المناضلة   (٧). 
 (١)-
لأنّها تستخدم الجميع ، رغم تناقض اهداف مشاريعهم الخاصة ، قد لا يعرف معظم السوريين أنّ “مسار آستنة “،( الذي دعت له بعض اطراف المعارضة التابعة لروسيا وإيران -منصّة موسكو ، بزعامة الداعية الإلحاديّة  ” رندة قسيس” -، ورعته حكومة  روسيا ، وقيادة ” كازاخستان ” )،هو مشروع أمريكي بإمتياز  ، ويمثّل الوجه الآخر للعمليات العسكرية التي اطلقتها الولايات المتّحدة، بمساعدة  روسيا بعد ٢٠١٥،ويسعى ، كما تبيّن نتائج المسارين بين ٢٠١٥-٢٠٢٠ إلى إعادة تموضع ميليشيات” الثورة المضادة”( التي ادارت الولايات المتّحدة، بالتنسيق مع روسيا ، وبتوكيل انظمة المنطقة ، المعادية لهدف الثورة المركزي ، حروبها  ؛ الأنتقال السياسي والتحوّل الديمقراطي) على كامل الجغرافيا السوريّة  ، بما يؤدّي موضوعيا إلى توزيع الجغرافيا والسيادة السورية بين قيادات الميليشيات التي تعتقد واشنطن بأهليتها للسيطرة والتحكّم في سوريا الجديدة ؛ الفاشلة .
(٢)- “من الأرجح أن يسعى الرئيس الروسي  ، (الذي أوصل بلاده في  حربه ” الصدّامية “على  أوكرانيا إلى حالة من الحصار والضعف ، أشبه بما  كان عليه العراق أثر  تورّط  زعيمه الراحل في غزو الكويت ، مطلع تسعينات القرن الماضي)، إلى الإستفادة مما يمكن أن تقدمه  تركيا لتعزيز عوامل صموده في أوكرانيا ، في إطار من تملكه تركيا من أوراق فعّالة . 
٢- سينصبّ جهد الرئيس الايراني على انتزاع ضمانات تركية بحماية “مستعمرات” حرسه الثوري في ” نبّل و الزاهراء ” على مشارف ” تل  رفعت”، قد تصل إلى درجة   ” حزام أمان ” موضوعيّ ، يصل إلى مشارف ” مدرسة المشاة “!!”.
(  https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02KrPtBpMZJrHP2hM8BGVBLZTCFpsXLHnCzcc111c2eQTVQGpbDpLQ2DKXo3RUkrgSl&id=100001972017953 ).
(٣)-
كانت  وما تزال حجة تركيا  لأسباب مشروعها الخاص  هي رفض الولايات المتّحدة  قيام حل سياسي شامل ، يشكّل خارطة طريق  وطنية لإعادة  المهجّرين بشكل آمن ، وبالتالي ضرورة” تنظيف “كل هذه المناطق التي تريدها آمنة  من جميع القوى التي تعتبرها إرهابية، وفي رأسها ” قسد .
على هذا الأساس، شنّ الجيش التركي ،  منذ 2016، حتى الآن، أربع   عمليات عسكرية  كبيرة؛  «درع الفرات» عام 2016 واحتلت المنطقة الواقعة في مثلث” جرابلس – أعزاز – الباب”. والثانية «غصن الزيتون» في مطلع 2018 واحتلت كل منطقة عفرين المحاذية للواء الإسكندريون، والثالثة «نبع السلام “واحتلت في أكتوبر 2020 مناطق واسعة شرق الفرات بين تل الأبيض ورأس العين. أما الرابعة فهي «درع الصحراء»، وهي أقل حجماً من سابقاتها، واستهدفت مواقع للجيش السوري واشتبكت مع القوات والطيران الروسية، وانتهت باتفاقية 5 مارس/ آذار التي لم ينفذ منها شيء!! 
(٤)- في  الجولة الراهنة من الصراع ، الأسباب التركية المُعلنة لحربها الجديدة على مناطق سيطرة قوى المحور الأمريكي ترتبط بشروط  صفقة 
انهاء معارك ” نبع السلام ” ، ٢٠١٩ .
في ترتيبات “صفقة ” لإنهاء معارك ” نبع السلام “، وفي مذكرة تفاهم بين  “أردوغان وبوتين “في قمّة “سوتشي” ، ٢٢ ت١ ٢٠١٩  ، تعهّدت روسيا ، كما جاء في  البند السادس “،” إخراج كافة الوحدات الكردية المسلّحة وأسلحتهم من” منبج ” ، و “تل رفعت ” غربي الفرات “، اللتان  تقعان  على تخوم  عفرين ، وإدلب ، أهم مواقع السيطرة التركية . بالطبع ، لم تقم روسيا بإخراج وحدات حماية الشعب الكردية من تل رفعت ومنبج، بذريعة تراجع تركيا عن تعهدات مماثلة في ” إدلب ” .
(٥) – اذا كانت تبرر روسيا ، وتركيا، على سبيل المثال ، هجماتها داخل مناطق يُسيطر عليها ميليشيات تعتبرها إرهابية ، ( وهي كذلك – أذرع الثورة المضادة الميليشياويّة)، فانّها تتجاهل حقيقتين :
☆إنّ مَن صنَّع ، ومكّن ،تلك الميليشيات الإرهابية  من رقاب السوريين هي سياسات هذه الدول ذاتها ، التي نجح جهدها العدواني المشترك منذ ٢٠١١ في قطع مسار ” الحل  والانتقال السياسي ” ؛ الذي لو تحقق ،لكان الطريق الوطني  للحفاظ على وحدة سوريا ، ومنع مسارات الميلشة والاحتلالات اللاحقة؛ ولكنّ نتائجه لا تتوافق مع مصالح تلك العصابة ، التي تقودها واشنطن !!
☆ لايستطيع المدنيين ، ولا يملكون أدوات كسر احتكار تلك الميليشيات للسيطرة المحليّة ، وإنّ تحميلهم المسؤولية عن استمراها هو نكوص عن جميع  الاتفاقات والقيم الإنسانية والأخلاقية والديمقراطية التي شرعنتها المؤسسات الدولية، ومثّلت انتصارات كبرى في مسارات التطوّر البشري  .
 (٦)-
” ١٥- قرروا عقد القمة الثلاثية القادمة في الاتحاد الروسي بدعوة من رئيس الاتحاد الروسي، فخامة فلاديمير بوتين”..
(بيان مشترك من رئيس جمهورية إيران الإسلامية ورئيس الاتحاد الروسي ورئيس جمهورية تركيا، 
طهران، 19 يوليو 2022).
(٧)-
رغم جميع  فظاعات المشهد السوري ، لا يجد السادة العاملون  في السفارة الأمريكة في دمشق ما يقلقهم إلّا ” إلغاء الجولة التاسعة من اللجنة الدستورية ” ، كما أتى في تغريده على موقع السفارة المصون !!
٢٣ تموّز – ٢٠٢٢

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…