العلاقات الحضارية بين الكورد والفرس قديما وحديثا

أ. د . قاسم المندلاوي

هنالك بعض قواسم مشتركة بين الكورد والفرس منذ  قديم الزمان وحتى يومنا في اللغة والعرق والثقافة والفن والموسيقى والملابس والطبائع الاجتماعية والعقائد الدينية وغيرها، فالروابط لا تزال قوية ومتينة ومستمرة وعلى الرغم مما لحق ويلحق بالكورد من عنف واضطهاد  وظلم مستمر من قبل حكام الفرس القدامى والجدد الا ان العلاقات بين الكورد وشعوب ايران ستبقى قوية ومتينة . قديما كانت فلسفة الحياة في بلاد الفارس  بدنيا محضا وكانت هي الدولة الوحيدة في الشرق التي تميزت بهذا النهج، كان الاطفال يؤخذون الى مدارس خاصة عندما يبلغون سن الخامسة لان المولود كان ” ملكا لفارس ” وقد اشتمل تدريبهم على الجري والسير لمسافات والقفز والرمي
 وبعد مرور سنة من دخول الطفل الى المدرسة يتم تدريبه على ركوب الخيل وعند نجاحه يسمح له بالمشاركة في الصيد حيث كان لزاما على المشاركين تحمل العوامل والتقلبات الجوية المختلفة من حر وبرد وغيرها، اما بالنسبة لابناء الارستقراطين كانوا يتلقون تعليما خاصا تشمل الرماية والفروسية وقول الحق وهي من المؤهلات اللازمة للعمل في خدمة الملك، اما الجيش فكان مؤلف من مجندين من الشعب باعمار الخامسة عشرة ويبقون في الخدمة العسكرية لغاية الخمسين سنة وكان تدريبهم يشمل على مسيرات اجبارية لايام عديدة يعبرون فيها الوديان والجبال والجداول والانهار” دون ان يمس اويبلل اجهزتهم ومعداتهم العسكرية والمحافظة عليها ” مع تناول وجبات قليلة من الطعام ويستمر الجندي الفارسي على هذا النوع من التدريبات المعقدة طيلة فترة الخدمة العسكرية، اما القادة والفرسان فكانوا يختارون من بين العرق اوالجنس الفارسي بالدرجة الاولى، وقد ادى هذا النوع من الاعداد البدني الى نشوء جيش قوي في بلاد فارس وكان الهدف من هذه الفلسفة تكوين امبراطورية واسعة الارجاء عن طريق الحروب، وقد اتصف الجيش الفارسي آنذاك بالقوة والصحة واللياقة البدنية العالية، ولعل موقعهم الجغرافي بين الامبراطورية ” الكاشية والميدية الكوردية ” والبابلية والهندية جعلتهم يتجهون اتجاها عسكريا بحتا، لقد استفاد الفرس من ميول سكان وادي الرافدين وطبائعهم الاجتماعية والثقافية والعسكرية استفادة كبيرة، لذلك فقد اهتموا بتربية جيوشهم تربية بدنية وحربية حتى اصبح التدريب البدني والقتالي اجباريا للصغار والشباب معا  ليكونوا قادرين على حمل السلاح ومقاومة العدوفي الحروب ويؤكد ” استرابو حوالي 63 ق م الى 25 ب م ” كان برامج التدريب يشمل على المسيرات والجري والرمي بالنبال والفروسية وكان الجندي الفارسي ملزما باجراء مسيرات عنيفة وشاقة في ظروف قاسية وعليه ايضا ان يتحمل عبء السفر دون طعام كثير اوملابس كثيرة  كما كان عليه ان يجابه كل الصعاب دون شكوى ولم يهتم الفرس للاعداد الذهني ولا بالفن ولا بالاقتصاد ولا بالسياسة حيث اعتبر ذلك عديم الفائدة وكان جل اهتمامهم متجها نحوبناء قوة  بدنية وقدرة قتالية لدى الجندي الفارسي من اجل تحقيق هدف واحد هو” الحرب ” لغرض التوسع العسكري .. وفي زمن الامبراطورية الفارسية – الاخمينية والتي تاسست 550 ق. م على يد ” كورش ” ومن  اشهر ملوكها ” داريوس ” وبالرغم من رقي وتطور الامبراطورية الفارسية انذاك الا انها وفي عام 333 ق . م اندحر الفرس امام جيش القائد ” الاكسندر  الاكبر ”  في معركة ” اسوس ” ودمرت الامبراطورية الفارسية الاخمينية من قبل هذا القائد المقدوني الذي هزم الملك الفارسي داريوس  واطاح بملكه .. وانهزم  الجيش الفارسي هزيمة ساحقة بعد ان شاهدوا هروب قائدهم ” داريوس ” وقتل في هذه المعركة زهاء 50 الف جندي فارسي … الكورد وخلال  المملكة  الايلامية  والامبراطورية الميدية والدولة الكاشية اوالكاسية ”  اهتموا ايضا بفلسفة   ” القوة البدنية  القتالية والعسكرية ”  كمحور اساس  في الحياة، وكان سبب اختيارهم لهذا النمط والفلسفة  موقعهم الجغرافي وطبيعة اراضيهم ومناخهم واسلوب معيشتهم بين سلسلة جبال زاكروس الشاهقة وبطول ” 1500 كم، وارتفاع اعلى قمة 5098 متر” وكثرة الهضاب والسهول حيث كانت لهذه العوامل الطبيعية والبيئية  تاثير مباشرا وكبيرا في طريقة معيشتهم واجبارهم على الاستعداد الدائم للتحولات الطبيعية المفاجئة  وللقتال ضد اي عدوان اوهجوم خارجي، لذا اهتموا الى هذا الجانب، فضلا عن اهتمامهم الى فن البناء والصناعات والزراعة ، وقد اثرت  الحضارات والثقافات  الكوردية تاثير كبيرا على حياة الفرس، اذ اقتبسوا من الكورد  ابجديتهم المكونة من ”  36 ” حرفا واستخدموها في الكتابة، وكذلك تعلموا منهم طريقة ادارة الدولة واسماء الشهور والايام التي كانت ” زردشتية ” واحتفلوا باعيادهم كعيد ”  النوروز ” … يذكر البرفيسور ” بوردا – عالم الاثار” ان هذا التاثير نشاهده في شكل الالبسة وكيفية ادارة الدولة والاستفادة من ابجديتهم، ويذكر عالم الاثار” بوتس في مؤلفه ” دليل لعلم الاثار القديم بالقرب من ايلام – امبراطورية ايران الاولى  2012 ” انه نتيجة  رقي  الحضارة الايلامية فان جوانب عديدة من حياة الامبراطورية الاخمينية مثل شكل الالبسة وكيفية ادارة الدولة قد تاثرت بالحضارة الايلامية لدرجة ان الاخمينيين استخدموا الابجدية الايلامية ” كما اشاد الى هذا الجانب اي ” بتقدم الميدين في مجالات الصناعة والهندسة ” معظم المؤرخين “هيرودوت، سترابون، بلوطرخس وغيرهم ”  ويذكر ” سترابون ” ان الملك  الارمني ” ديكران ” كان يعتمد على الميديين ويستفيد منهم خاصة في الشؤون الفنية والعمرانية، وقد  استفاد الفرس ايضا من الفنون العمرانية والصناعية الميدية، وفي قرية ” اسحاق آوند ” قرب مدينة ” كرماشان ” اكتشف الكثير من الاواني الخزرفية والمعدنية في قبور الميديين وهي ادلة اثرية واضحة  بمدى اهتمام الكورد الميدين للصناعة وفن النحت والرسم، كذلك تم اكتشاف نماذج  اثرية في منطقة ” ايلام ” حول رسوم منحوتة على الاحجار الموضوعة على القبور، ولهذه الرسوم دلالات على” الهموم اليومي” للانسان الكوردي وعن علاقاته ورغباته ومهارتة ودقتة في الصيد وكذلك على مدى استعداده للقتال، وحتى يومنا نجد تشابها كبيرا بين الكورد والفرس في الدين والتقاليد والعادات الاجتماعية والالبسة والموسيقى والغناء، وهناك الكثير من القبائل الكوردية يمارسون نفس العادات الكوردية القديمة …  اليوم  : فعلى الرغم استمرار الاضطهاد والعنف والحقد الدفين ضد الشعب الكوردي  ” والبالغ تعدادهم اكثر من 7 مليون نسمه في شرق كوردستان ”  من قبل حكام طهران الناكرين ابسط الحقوق القومية العادلة والمشروعة للشعب الكوردي في” تقرير المصير”، الا ان الكورد متمسكين بالعلاقات الاخوية والتعايش السلمي والحضاري مع الفرس والشعوب الايرانية الاخرى، وستبقى العلاقات قوية ومتينة هكذا لابد الدهر … 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…