هل ستوحد تركيا غرب وشمال كوردستان (1/2)

د. محمود عباس

من شبه المستحيل عدم دراسة تبعات جدلية احتلال غربي كوردستان، من قبل الإستراتيجيين الأتراك، والتي بها قد يتم ضم الجزأين؛ ولمصلحة ذاتية استراتيجية، أي إزالة الحدود الاصطناعية بين الجغرافيتين، كرها وليس حبا بالكورد، ستسبقها التغيرات الديمغرافية وإقامة المستوطنات العربية فيها؛ العملية التي تجري في عفرين قرابة السنتين. ومن المؤكد أنهم يدركون وبعمق ما ستتمخض عنه من الإيجابيات والسلبيات على الوسطين الكوردي والتركي. 
ونحن هنا نتحدث عن مشروعين، قصير وطويل الأمد:
 الأول، تحلم به أغلبية الحركات السياسية التركية القومية، دون التطرق إلى المتوقع منه، والذي يتناوله الوسط التركي المعارض، والسياسيين الأتراك عامة والعنصريين خاصة، وهو الطموح نحو توسيع جغرافية تركيا مع التناسي على أنها ربما ستؤدي إلى توحيد جزئين من كوردستان، أو قسم من التي أتممت جغرافية سوريا الحالية. لأن الصور النمطية عن العنجهية الطورانية التي نادى بها الكماليون، لا زالت مترسخة في ذهنية الحركات السياسية التركية، وبالتالي لا يعيرون الحراك الكوردي كثير أهمية مقارنة بالأطماع التاريخية. 
ويدرج ضمنها ما يخطط له تركيا الحالية، المنتشر جدلاً على إنها إعادة لأمجاد الخلافة العثمانية السنية، علما أنها كمالية الأبعاد، فما بين العثمانية والكمالية مساحة واسعة في البعدين القومي والديني، ونحن هنا نتحدث عن البعد القومي وليس الديني أو المذهبي والتي دراساتها ذات منحى آخر. ومن ثم عباءة مساعدة الشعب السوري، أو إعادة المهاجرين، مع دعاية العودة الطوعية، وتأمين مناطق آمنة وبعض متطلبات الحياة المعيشية. 
 وفي الواقع سيتهم البعض من المعارضة على أن حزب العدالة والتنمية وحلفائه يطمحون من وراء ذلك، كسب أصوات جديدة، وتوسيع حلقات المؤيدين، بينهم الجمهور الكوردي، خاصة المتراضين مع الحزب من البعد الإسلامي، وتجميع قواهم، لديمومة السيطرة على تركيا، والطرفان يدركان مدى الثقل الكوردي ديمغرافيا، في رجحان موازين القوى السياسية.
 الثاني، والذي لا يتم التوقف عليه إعلاميا، رغم أنه يدرس وبعمق، وهي أن مسيرة الاحتلال المؤقت وضمها لا حقا، ستخلق البيئة الأكثر ملائمة للحراك الكوردي بالصعود إلى المحافل الدولية التي كانت محظورة عليه، كما وقد يوسع حلقات الصراع التركي الداخلي المنحصر حتى الأن في جبهتين، فيما لو عرف الكورد استخدام الأساليب العصرية في المواجهة. فتوحيد جزئين من كوردستان، على المدى البعيد، ونحن نتحدث عن العقود القادمة، سيزيد من تأثيرهم على الساحة السياسية على الأقل، إن كانت لصالح الأحزاب الكوردية أو المتعاملة معها. هذه الحقائق أكثر من واضحة لكل الأطراف التركية السياسية، نقيضها والغاية البعيدة منها. 
 لكنهم ولإصرارهم على عدم السماح بإقامة كيان كوردي مماثل للإقليم الفيدرالي، على الأرجح سيقعون بين حالتين أحلاهما مر، خاصة أردوغان بحكومته الحالية، القضاء على الإدارة الذاتية، أو احتلال المنطقة، مع الادعاء بأنها ستكون تحت الحماية التركية المؤقتة، والتي ستتحول مع الزمن إلى حالة شبه مماثلة لشمال قبرص، أو للواء اسكندرونه، من البعد الجغرافي، وحالة إدلب من البعد الإداري، أي ستنتشر كارثة سيطرة المنظمات التكفيرية والمرتزقة؛ الجارية في عفرين الأن، إلى كلية المنطقة الكوردية، أي بعد سنوات لن يكون سهلا لتركيا التخلي عنها، بعدما تكون قد ارتبطت بعملتها واقتصادها وسياستها وتمددت فيها البنية التحتية التركية، ورسخت فيها نوع من ثقافتها، لتصبح كحالة المهاجر الذي يتمنى العودة ولا يتمكن، ولا تسمح له الظروف.
  طموحات أردوغان، في السابق، كانت تتجه نحو إنقاذ تركيا من الانهيار الاقتصادي المزمن، وهو ما تمكن منه وفي فترة قياسية، أكسبته وحزبه شعبية لا مثيل لها منذ أتاتورك، نقلها من دولة في الدرجة الأربعين اقتصاديا على المستوى العالمي إلى المكانة الثامنة عشرة، لتحضر مؤتمرات القمة العشرين، ومن ثم تحويلها من دولة معتمدة على استيراد السلاح من دول الناتو إلى دولة مصدرة.
  على خلفية هذه النجاحات، صعد سقف رغباته إلى إعادة ما كان يطالب به أتاتورك، كالتي تضمنتها معاهدتي أنقره 1 و2، واتفاقياته الخاسرة مع الاستعمارين البريطاني والفرنسي حول رسم الحدود مع العراق وسوريا، ونقضه معاهدة سيفر واتفاقية سايكس بيكو، وفرض لوزان، والتي لم يكن للكورد فيها أية حصة، وهو ما أوصله إلى ترجيح، ما يظهر حتى الأن، على أنه يتجه نحو منطق احتلال بالوكالة لأجزاء من غرب كوردستان، وسيطرة على مناطق من جنوبها، وهي من المناطق التي لم يتمكن أتاتورك من الحصول عليها، لكن هذه وكما نوهنا إليها سابقاً، ستكون لها تبعاتها على قادم تركيا، وهي تشبه فيما لو كانت كلية جغرافية كوردستان محتلة من قبل تركيا.  
الجدلية السابقة تدفع بتركيا، بترجيح مخطط القضاء على الإدارة الذاتية، وتحجيم دور الإقليم الفيدرالي الكوردستاني داخليا ودوليا على الأقل؛ فيما إذا لم تتمكن، ستعمل وبمساعدة إيران من إعادتها إلى واقع المحافظات تحت أسم الفيدرالية. وإقامة كيان عسكري سياسي في غربي كوردستان، تديرها تنظيمات إرهابية ومجموعات من المرتزقة تحت أسماء مصطنعة تخدم أهدافه، يدعمهم بالتوطين العربي التركماني، وتظل الجغرافية تابعة لسوريا المركزية شكلا، يستخدم إدارته لها، في صراعه ضد المعارضة الداخلية، والضغط على أمريكا وروسيا للحصول على الامتيازات التي يتكالب عليها، كالحصول على المشاركة في تطوير الـ س 400 وطائرات السوخوي، ومن أمريكا على صواريخ الباتريوت والطائرات الـ ف 16 مع امتيازات تصنيع بعض من أجزائها وتطويرها، وهي ذاتها التي فعلتها مع الدرونات الإسرائيلية لينتج طائرات البيرقدار…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
24/5/2022م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…