العبث بالأمن غاية العدوِ والحاسِد

ماجد ع  محمد

عادةً ما تلجأ الحكومات المستبدة إلى القمع والتنكيل بالمواطن بحجة أمن الدولة والوطن، ولا شكك أن الأمن الذي تقصده الدول الجائرة هو حماية الطاقم الحاكم وتأمين كل سبل الراحة والأمان له وحده وليس لعامة الشعب، إذ بحجة الحرص على أمن البلد وبدلاً من التقدم والازدهار تستمر الحكومات تلك بإشاعة الذعر والقلق بين الناس، كما تعمل جاهدةً بذريعة الأمن على كتم الأنفاس لإطالة عمر الطغمة الفاسدة التي تحكم بالحديد والنار.
بينما في الدول التي يحمكها القانون وتتنعم مؤسساتها العامة والخاصة بشيءٍ من العدل والإنصاف، فيكون موضوع الأمن والسلام والاستقرار هو من أولوياتها ليس لحماية السلطة فحسب، إنما بكونها تسعى في حاضرها لإذاعة الطمأنينة والأمان بين ناسها وعيونها دائماً على غدٍ مزدهرٍ لشعبها، وربما لهذا السبب بالذات ركّز حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه قصتي (خمسين قصة في خمسين عام) على مسألة الأمن والاستقرار، علماً أن هذه المسألة لا تخص دولة الإمارات العربية وحدها، إنما هي مهمة في أي دولة تعطي القيمة الحقيقية للإنسان ومعنية حقاً بالمحافظة على حياته، وذلك بقوله: “إذا أردت تدمیر دولة من الداخل، اضرب استقرارھا السیاسي، إذا أردت خلط الأوراق، وبث الخوف، وتغییر الانتماءات، وتبديل الولاءات، علیك بالاستقرار السیاسي، إذا أردتَ نشر الدسائس والمؤامرات، وتقسیم المجتمع إلى فرق وجماعات، علیك بالاستقرار السیاسي”.
باعتبار أن الاستقرار السياسي والأمني في أي مكان هو السقف الذي يقي السكان ويُشعرهم بكامل الأمان، وهو الحائط الذي يحمي ظهر أصحاب المكان، لذا ترى الذين يعادون المكان وأهله أوَّل ما يعملون عليه هو محاولاتهم الدؤوبة لنشر الفوضى والعمل على بث الذعر والفلتان بين الناس، لأن العدو لا يقدر على أن يجد له موطأ قدم له، أو يجد أحداً يتبعه أو يختاره مصلحةً أو خوفاً إلاَّ أثناء غياب النظام وانعدام القانون وإبان تبيان عوارض الخلل الذي يهز أركان المكان المراد الهجوم عليه أو السيطرة عليه، أو على الأقل إحلال الفساد والفلتان في كل زواياه، لذا من عادة الحركات أو التنظيمات المتطرفة أن تقوم بإرسال المنتحرين أو المفخخات لأي مكان ٍ يرغبون بمهاجمته فيما بعد وإعمال الخراب فيه، كما تقوم الجيوش المعادية من أجل الهدف نفسه بإمطار المدن أو القرى والبلدات بالقذائف والصواريخ سواء بالمدافع أو من خلال الطائرات الحربية أو المسيرات.
وهو ما قام به تنظيم داعش مئات المرات من خلال هجماته المتكررة على إقليم كردستان العراق على مدار السنوات الماضية، كما لجأت إلى نفس السلوك الإجرامي فصائل من الحشد الشعبي العراقي المساق من قبل دولة الملالي في طهران.
وأتباع داعش والحشد قاموا ويقومون بذلك خدمةً للأنظمة المجاورة التي تعادي حتى تباشير الأنوار في ديار الكرد والتي ترى في وداعة إقليم كردستان تهديداً لغطرستها، وحيث أن سلام الإقليم واستقراره وأمنه يصرع مخيال حكام الدول التي لا تتغذى إلاّ على القتل والخراب والدمار، كما أن نشر قيم الشفافية في الإقليم ولو باستحياء يهز أركان الفاسدين والمعتاشين على دوام عمر الفساد وتراكم تلاله العفنة التي ستكون كفيلة بنشر روائح النتانة في كل مكان حتى يبقى المواطن منشغلاً بأنفاسه وخلاصه الشخصي في المناخ المزكوم، وينسى كل ما يتعلق برقي المجتمع وقضايا الناس والشأن العام.
ولكن إذا آمنا بأن تنظيما داعش والحشد الشعبي بمثابة أدواتٍ للتخريب لدى الدول المحيطة بالإقليم التي تغتاظ من أي تقدم أو ازدهار في الإقليم، وحيث من شأن الأدوات تحقيق مآرب وغايات المشغلين متى ما سنحت لها الفرصة؛ ولكن يبقى التساؤل الدائم قائماً لدى أي شخص حر الفكر ومحب للأمن والسلام ليس في بيته ووطنه فحسب إنما في العالم كله، ألا وهو يا ترى ما الدافع الرئيس لدى حزب العمال الكردستاني لخلخلة الأوضاع الأمنية وضرب الاستقرار في إقليم كردستان العراق، وذلك من خلال قيامه هو الآخر كل فترة بنفس الأعمال التي يقوم بها تنظيم داعش أو الفصائل التابعة للحشد الشعبي على حدود الإقليم أو داخل قراه وبلداته أو مدنه؟ وحيث كانت آخر محاولة تخريبية لأتباع الحزب المذكور هو التخطيط للهجوم بالصواريخ على الأماكن العامة والسدود ومحطات الكهرباء والدوائر الحكومية في محافظة دهوك، إلا أن مجلس أمن إقليم كرردستان أحبط الهجمات الصاروخية التي خطط لها الحزب، والتي تأتي كالعادة في نفس سياق محاولات داعش والحشد الشعبي في ضرب الاستقرار والأمن في الإقليم.
ومن خلال قراءة أبعاد هذه المحاولات التخريبية المتكررة للحزب المذكور يظهر للمعاين في حاله والحال الذي بلغه الإقليم خلال السنوات الماضية، هو أنه إضافة إلى احتمالية استخدام الحزب المذكور من قبل أجهزة مخابرات نفس الدول التي تسوق داعش والحشد الشعبي وتستخدمه ضد الإقليم، فهناك أسباب خاصة بالحزب تجعله منزعجاً من الإقليم ربما أكثر من الأعداء الآخرين، ألا وهو الحسد المجبول بالحقد الذي يكنه الحزب المذكور لقيادة الإقليم عامة والحزب الديمقراطي على وجه الخصوص، وسبب الحسد والحقد عائد لفشل الحزب بأن يرتقي في أي مجال من مجالات الحياة العكسرية أو السياسية أو المدنية أو الحضارية إلى ربع مستوى ما بلغته الأحزاب الكردية في الإقليم مقارنة بذاته التي تجر أذيال الفشل في كل المجالات منذ أكثر من أربعين سنة، إذ أن نجاح تجربة الإقليم في الإعمار والإزدهار ونشر القيم الحضارية والتطور العمراني الملحوظ للقاصي والداني فجّر بركان الحقد والحسد لدى التنظيم المذكور الذي أخفق ليس فقط في تحرير ولو بلدة واحدة من كل المناطق الكردية في تركيا، إنما كذلك الأمر فشل منذ تأسيسه في بناء ولو أصغر مؤسسة مدنية عصرية تنتمي إلى ثقافة العالم الحر.
وحيال ذلك ثمة تصوران عن الذي يدفع حزب العمال الكردستاني ليتصرف كالأعداء مع الإقليم؛ التصور الأول هو أن أنصار التنظيم ينفذون مخطط الأب الروحي لزعيم الحزب عبدالله أوجلان، ألا وهو “يالجين كوجوك” الذي زرع  ورسَّخ فكرة معاداة ومحاربة كرد العراق في رأس أوجلان، لذا ترى أتباعه ومريدوه ينفذون “مخطط كوجوك” كلما سنحت لهم فرصة بث الفتن ليساهموا كالحشد وداعش في خلق مناخ الإضطرابات في تلك المرابع.
والتصور الثاني هو بأن التنظيم المذكور كأقرانه يلجأ إلى آلية خائبة من آليات الفاشلين الحسودين، الذين لا يبلغون ما وصل الآخرون إليه وحققوه من خلال الجهد والإخلاص والإصرار والمثابرة، لذا يعمل واحدهم على مبدأ الجاهل الذي لم يسعى لجلب الطعام لأولاده ولكنه لئلا يشاهد الجيران يتنعمون بالطعام قام برمي القاذورات في قدورهم، أو كحال من لم يسعى قطُ لجلب النور لمنزله المعتم وبنفس الوقت أزعجه مكوثه في الظلام بينما الجيران ينعمون بالأنوار، لذا قام باستهداف مصابيحهم المنيرة بنبال حسده، وذلك حتى يمكثوا في الظلام مثله، بدلاً من أن يرتقي هو إلى مستواهم وينعم بالمأكل والضياء مثلهم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…