ماذا يحتاج الشعب الكوردي لينتصر – الجزء الثاني

د. محمود عباس

  في الوقت الذي نحتاج فيه إلى تنمية الثقة بالنفس بين بعضنا، وإنقاذ مجتمعنا من مركب النقص، وتنوير دروبنا، نقوم على تعتيم مدارك بعضنا، وترسيخ سلبياتنا، وتصغير الشخصية الكوردية في ذواتنا؛ إلى حد التباهي بما نفعله وبالآخر المخالف. 
 بعد التمعن في أدبياتنا وعلى مدار العقد الأخير، لا حظنا أن أكثر الكتاب نقدا سلبيا، أبعدهم عن النجاح في توعية المجتمع، وتصحيح دروب حراكنا، وأقلهم مراجعة للذات، ومعرفة بما هم فيه من التيه. ضجيج التهجم تغطية على ضحالة الإنتاج المثمر، والظلام المعاش، وهو انعكاس مباشر لمركب النقص. كحراك سياسي وثقافي، نعمل الكثير لنغرق بعضنا، في المهجر والوطن، مقابل القليل في مواجهة الأعداء أو إنقاذ الأمة والقضية. 
 يحتاج شعبنا إلى حركة تنويرية، حكماء الأمة، الذين يحومون فوق الخلافات ويبحثون عن الأساليب الممكنة لردمها، ولا يقفون على التهم المتبادلة، بقدر ما يركزون على تثقيف المجتمع وتنويره، وتوجيهه نحو الدروب الصحيحة، وتضييق شرخ الخلافات. والذين قواميسهم لا تحمل مصطلحات الخيانة، بل الخطأ والصواب، يقفون على أسباب تكرار السلبيات لتصحيحها لا تعميقها، وعلى خلفيات ديمومة الجهالة وعدم الوعي لإزالتها، يسلطون الأضواء على الإيجابيات وحيث الوعي. فهم أكثر الناس ثقة عفوية بالنفس لا تظاهرا، يدركون أن الوطن يتحرر بالتعاضد ووحدة الكملة، ويندثر عندما يلتهي أبناءه بحروب داخلية، ويضعفون بعضهم إلى حد عدم القدرة على التمييز بين العدو والصديق. 
 غربي كوردستان، لا زالت تصرخ، رغم الكوارث، تحتاج إلى النخبة التنويرية، المتحررة من مركب النقص، الذين يقبلون الكوردي الآخر رغم سلبياته وأخطاءه، ويكافحون لتهدئة الخلافات إلى حين؛ مهما كانت ضخمة، ويبحثون عن نقاط التقاطع، والمشتركات التي من الممكن الاتفاق عليها. 
   كشعب وحراك، نحتاج إلى القناعة على أن ثروات أمتنا هائلة، في أجزاء كوردستان الأربعة المحتلة، بخلافاتنا وفي هذه المرحلة الحساسة، نخلي الساحة للأعداء بنهبها، أو تدميرها، وبعدم ثقتنا ببعضنا وبنفسنا، وبقدراتنا على أننا من الممكن الاتفاق على بعض نقاط التقاطع، والتعاضد للقيام ببعض التغيرات على الجرائم التي أقدمت عليها الأنظمة السابقة، كالوباء الذي يجعل بنا أن نرسخ مركب النقص في ذاتنا والآخرين. وقد كان بالإمكان مع القليل من الوعي الحد من الهجرة، وترسيخ الهوية الكوردستانية على المنطقة، مع إشراك كل المكونات الأصلية في المنطقة، فيما لو كانت أطراف الحراك تثق بنفسها، وتحوم فوق الاختلافات المنهجية والإيديولوجية.
 السلبيات التي لا زالت مسيطرة، ويعرفها كلنا، أدت إلى عدم وضوح المشروع القومي، رغم الظروف المناسبة خاصة خلال العقد الماضي، وبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار السياسي، داخليا وخارجيا، هي:
 الصراع الداخلي، وعدم القيام بالخطوات التالية:
1- حل مشكلة أراضي مستعمرات الغمريين بإعادتها إلى أصحابها من الشعب الكوردي، وخاصة الفلاحين الذين كانوا قد حرموا منها، أو للمكتومين والأجانب من الكورد، دون التعرض لسكانها، وفتح كل المجالات الإدارية والاقتصادية والسياسة لهم، على خلفية الحرب الأهلية في سوريا.
2- إزالة مخلفات السلطة، من المربعات الأمنية، إلى تعيين المحافظ والمناطق من أبناء المنطقة، وإدارة المراكز المالية والمصارف والبلديات، ودوائر السجلات المدنية وغيرها، أي إلغاء الازدواجية السياسية والإدارية في المنطقة.
3- تطبيق النظام الفيدرالي الكوردستاني، مكان الإدارة الذاتية، تكون تابعة للسلطة اللامركزية في دمشق، ويجب تحديد جغرافيتها، الممتدة من منطقة غربي عفرين مارا بالباب وما بين سري كانيه وكري سبي المحتلين من قبل تركيا والمنظمات التابعة لها، إلى شرق عين ديوار وديركا حمكو، وتنتهي جنوبا عند تقاطع جغرافية محافظتي الحسكة ودير الزور.
4- التأكيد على أن أبواب الحوارات ستفتح مع أي نظام وطني قادم. 
وهو ما كان يتوجب علينا كحراك كوردي العمل عليها، كنقاط تقاطع تجمع الأطراف رغم الخلافات الداخلية، لكانت المعادلة السياسية في منطقتنا والكوردية غير ماهي عليه اليوم. مع ذلك ورغم التطورات الحاصلة، لا تزال نقاط مهمة، مدرجة على الساحة، ويمكن الاتفاق عليها، إلا إذا كان البعض تنقصهم الثقة بالنفس، ويعانون من مركب النقص بالذات، ولا يؤمنون بأن الشعب الكوردي صاحب حق، ويعيش على أرضه التاريخية، تحت مبررات متضاربة، كل طرف يعرض حججه. علينا أن ننتبه أن الاعتماد على الديمغرافية الكوردية الحالية حكم مطعون فيه، يتم على أساسه تغييب جرائم الأنظمة السورية السابقة، وعمليات التهجير القسري، والتغيير الديمغرافي الممنهج، وتناسي المراسيم والقرارات الاستثنائية بحق الشعب الكوردي، كثيرا ما تكون الديمقراطية فاشلة، تستخدم للتغطية على الجرائم السابقة والتي لها انعكاساتها على الحاضر، وبالتالي فالاعتماد على الانتخابات ضمن المنطقة الكوردية، ديمقراطية مطعونة فيها، وخير مثال ما قد يحصل لمنطقة عفرين اليوم فيما لو طالبت القوى المسيطرة عليها بإجراء الانتخابات، بعدما تم تهجير نصف السكان، وجلب قرابة نصف مليون إليها، وبني حتى الأن قرابة 50 ألف شقة سكنية للمهاجرين من الداخل، وهناك مشاريع لبناء 200 ألف شقة أخرى وبأموال قطرية، يتحكم بها تركيا وكأنها تدير جزء من جغرافيتها. 
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
21/3/2022م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…