إعادة تعريف القضية الكردية السورية.. قضية للنقاش (205)

صلاح بدرالدين

   سبقتنا القارتان الامريكية، والأوروبية قرونا، وعقودا في معالجة قضايا شعوبها، واقوامها عبر انتزاع الحرية، وتحقيق الاستقلال القومي، وتشييد الدول الوطنية، وإقامة النظم السياسية التي اصبح بعضها أمثلة يحتذى بها في مجال الديموقراطية، وحقوق الانسان، وحل المسألتين القومية، والوطنية، وترسيخ أسس حق المواطنة، وحرية الفرد، وفصل الدين عن الدولة، واقرار الدساتير الضامنة للحقوق، والراعية للعقود الاجتماعية بين سائر الطبقات، والفئات الاجتماعية، والاقوام، وبين الجنسين على قاعدة العدل و المساواة .
  ومايتعلق بالشعوب المناضلة في مناطق التحرر القومي، والوطني، والتي طال امد نيل حريتها وإنجاز مهامها الطبيعية، ولم تسعفها الحظوظ ابان الحربين العالميتين، او أصبحت ضحايا التاريخ، والجغرافيا، وعدم اكتمال العوامل، والشروط الذاتية، والموضوعية، ويستحضرنا بهذا المجال كأمثلة قريبة : الكرد، والفلسطينييون، والامازيغ، ومن دون التوسع اكثر في بطون التاريخ حيث هناك العشرات، والمئات من الاقوام المحرومة .
  قضايا الشعوب الممتدة قرونا او عقودا من دون حلول مثل قضية الشعب الكردي، وبسبب التراكمات، والمراحل التاريخية المتعاقبة، واهوال الحروب والمنازعات، والابادة الجماعية، وتنوع الاحتلالات، واشكال الاستعمار، وتواصل التقسيمات بين القوى السائدة ، والامعان في تغييير المعالم الحضارية، والتركيب الجيوسياسي، فان قضية الكرد السوريين كانت دائما  الهدف المباشر للارتدادات الفكرية، والثقافية، والسياسية  بغية تشويهها، وحرفها عن مسارها الصحيح، وافراغها من مضمونها القومي الديموقراطي المشروع، لذلك فانها بامس الحاجة بين مرحلة وأخرى الى عمليات ” جراحية ” من نوع المراجعة، والتقييم، وإعادة البناء، والحفاظ على نقاوة الجوهر، وتجديد العوامل الذاتية.
  مصادر الارتداد في القضية الكردية السورية
  منذ ظهورالحركة السياسية لدى الكرد السوريين، وتحديدا منذ انبثاق حركة – خويبون – أواسط عشرينات القرن الماضي، ثم تشكل الحزب السياسي الأول أواسط الخمسينات، كانت هناك محاولات مضادة داخل الحركة، وخارجها متنوعة المصادر، والاهداف ولكنها تتشارك في هدف واحد وهو الهدم، والاضعاف، والإساءة، وبحسب تجربتي الشخصية، ومشاهداتي، وموقعي بدائرة القرار والفعل لعقود كاملة، فقد كان كونفرانس الخامس من آب ١٩٦٥، المحاولة الأولى في إعادة تعريف القضية الكردية السورية (الشعب – القضية – البرنامج – الأهداف والمطالب – البعدان القومي والوطني – والاممي – استقلالية القرار – احياء الثقافة الكردية …)، وتصحيح المسار، وقد دامت التجربة نحو نصف قرن وانجزت قسما من المهام، ومازلت الباقية قيد المعالجة حتى يومنا هذا، اما المحاولة – التصحيحية – التالية فكانت بداياتها في هبة عام ٢٠٠٤  التي لم تكتمل شروط تحولها الى انتفاضة  شاملة وبالتالي لم ترى هذه المحاولة النور إضافة الى رغبات فردية أخرى لم تحقق النجاح، وقد كانت الفترة الزمنية الممتدة من ٢٠١١ وحتى الان (في ظل أحزاب طرفي الاستقطاب) من اكثر الأعوام التي شهدت ارتدادات خطيرة بخصوص القضية الكردية السورية والتي تزامنت مع ظاهرة توالد الأحزاب بالعشرات من خارج التطور السياسي التاريخي الطبيعي بل بارادات خارجية وبالمال السياسي ومنها :
  أولا – في التعريف : العودة الى أزمنة الغموض السلبي، والانتقال من الفعل الجماهيري الى البيروقراطية، ومن مبدأ حق تقرير مصير الكرد السوريين في اطار سوريا الديموقراطية الموحدة،كشعب من السكان الأصليين، الى شعارات فضفاضة لامعنى لها مثل الامة الديموقراطية، ومن قضية جامعة للكرد الى مسائل مناطقية مثل شمال شرق سوريا .
  ثانيا – في الأهداف : من حل القضية الكردية بالطرق السلمية، والحوار من خلال نظام وطني ديموقراطي، وبتوافق مع القوى الديموقراطية السورية على أساس الشراكة في السلطة والثروة، والقرار، بحسب نسبة الكرد في البلاد ١٥٪، واستفتاء الكرد في اختيار نظام الحل الأمثل حسب الحالة الكردية والظروف الموضوعية، وتجارب الشعوب الأخرى، الى الهرولة نحو نظام الأسد المستبد، والاستعداد لقبول سلطته . 
  ثالثا – في الخصوصية الكردية السورية : باعتبار حل القضية الكردية عبر النضال السياسي بخلاف كل تجارب الاشقاء بالاجزاء الأخرى من خلال (الكفاح المسلح)، الى حمل السلاح، وعسكرة المجتمع الكردي، وانشاء ميليشيات، وفصائل مسلحة، والذي يعتبر خروجا عن المسار، وانخراطا في مغامرات غير معروفة النتائج تكلف الدماء والارواح الغالية . 
   رابعا – في كتابة تاريخ الحركة الكردية السورية : باعتبار القضية الكردية السورية بدأت منذ التقسيم، وضم جزء من الكرد الى الدولة السورية، ونشوء حركة سياسية كردية قومية ووطنية يبدأأ تاريخها من حركة خويبون وحتى الان الى قضية تاريخ الأحزاب، أي ان القضية ظهرت بظهور الأحزاب، في حين ان القضية سبقت الأحزاب بعقود من السنين .
   خامسا – في التوازن بين القومي والوطني : هذه القاعدة التي انطلقت منها الحركة الكردية السورية واستندت اليها القضية القومية كانت ومازالت مبعث الأمان، والضمانة الحقيقية لعدم الجنوح نحو كل من التطرف القومي الانعزالي من جهة، والكوسموبوليتية او العدمية القومية من الجهة الأخرى، وهما من اشد الاخطار فتكا بحاضر ومستقبل الكرد السوريين، في حين نرى الان وفي ظل تصدر أحزاب الطرفين اختراق ممنهج لتلك القاعدة، وفي حال نجاحه سيعيد القضية عقودا نحو الوراء.
  سادسا – في استقلالية القرار : من خصوصيات الحركة الكردية السورية والقضية القومية كماذكرنا سالفا النضال السلمي الذي لم يتطلب تامين تكاليف التسليح، والذخيرة، وتموين المقاتلين، وبمعنى آخر عدم الحاجة الى نسج العلاقات مع الأنظمة، ومايتطلب من تقديم التنازلات واحيانا المبدئية، لذلك انطلقت قضيتنا في دروب من سماتها البارزة استقلالية القرار، خاصة عندما تمسكنا بمبدأ تحريم العلاقات مع الأنظمة في الدول الغاصبة لكردستان، التي كانت تتصارع، وتحاول زج الكرد في اتون المواجهات، وتحويلهم الى محاربين بالوكالة، ومرتزقة يخدمون اجندات الاخرين، وهذا ماحصل بكل اسف في الأعوام العشرة الأخيرة في ساحتنا، وضمن قضيتنا الكردية السورية.
   سابعا – في تجربة العمل  الحزبي : لكل قضية كردية في الأجزاء الأربعة تعبيراتها الفكرية، والثقافية، والسياسية، والحزبية، وخصوصياتها المرتبطة بالتطور الاجتماعي، والاقتصادي، وشكل أنظمة الحكم السائدة، نحن في قضيتنا لنا تجربة خاصة أيضا ترتكز على وجود شعبنا وقضيتنا، ولها ابعاد وطنية سورية، وقومية كردستانية أيضا، قضيتنا ليست امتدادا تنظيمميا لاية قضية كردية أخرى، وحركتنا ليست فرعا سريا مكملا من حركات قومية أخرى، ونضالنا ليس تابعا لمركز قيادي خارج الحدود، والان تختلف الصورة في ساحتنا، وحصل ارتداد عن المبادئ، هناك من يعتبر حزبه فرعا آيديولوجيا، وتنظيميا، او عسكريا، او ماليا لمراكز حزبية أخرى، وذلك يقود حتما الى الهلاك والفناء .
   والقضية تحتاج الى نقاش 
 
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…