قراءة في نظرية «التوريط»

صلاح بدرالدين
هناك خيط يربط بين نظريتي ( المؤامرة ، والتوريط ) في تفسير الأحداث ، كلاهما تغيبان حقائق التطور التاريخي ، وتتجاهلان العوامل الموضوعية ، والذاتية التي تتمحور حول دور الانسان ، والجماعات ، والشعوب في صنع وإدارة حركة التاريخ .
  فنظرية المؤامرة كما التوريط هي دعوة الى الهروب من الواقع ، وتعبير عن العجز في فهم مايجري ، ومن ثم العمل على تغيير المعادلات القائمة ، وهي ملازمة للجهل ، والانحطاط الحضاري ، وعنوان ثقافة جماعات تخلفت عن ركب التطور العلمي ، وفئات قد تكون أنظمة حاكمة ، او أحزابا ، تتنصل عن تحمل المسؤولية في الهزائم ، وتلقي تبعاتها زورا ، وبهتانا على جهات أخرى .
  فالمسكونون بنظرية المؤامرة يبحثون عن شماعة ليعلقوا عليها الفشل ، وسوء التقدير ، لما واجهوه من احداث ، وتطورات ، وكوارث ، وتنقصهم الشجاعة ليعترفوا بان الأسباب هي انعدام الكفاءة السياسية ، وافتقار ( قيادات الأنظمة ، والأحزاب ) الى الاستراتيجية المدروسة .
  كل شيئ لدى اتباع هذه النظرية مؤامرة : داعش مؤامرة ، الإرهاب مؤامرة ، ثورات الربيع مؤامرة ، كل المعارضات مؤامرة ، الحركة الكردية مؤامرة ، حق الشعوب بتقرير المصير مؤامرة ، وبعض هذه المؤامرات غربية ، أمريكية ، صهيونية ووو .
  نظرية التوريط 
  أصحاب هذه النظرية يعتقدون انه  قبل اثنين وثلاثين عاما ورط الامريكييون الدكتاتور صدام حسين في غزو الكويت ، عندما أعطت السفيرة الامريكية ببغداد – ابريل غلاسبي – الضوء الأخضر بشكل غير مباشر خلال لقائها بصدام ، ويتجاهلون طبيعة نظامه ، واطماعه التوسعية ، واعتباره الكويت جزء من العراق ، كما يغضون النظر عن الظروف السياسية التي كانت تحيط بالنظام العراقي ، وحاجته الى توجيه الأنظار نحو الخارج ، من اجل التستر على جرائمه ضد شعبه ، ومنها استخدام الكيمياوي ، وكارثة حلبجة ، ولعب دور محوري في الشرق الأوسط ، وابتزاز دول الخليج ، وطموحات زعامة العالم العربي .
  كما يرون أن الولايات المتحدة الامريكية ومن اجل اضعافها ، ورطت تركيا في سوريا ، ودفعتها للمواجهة مع روسيا ، وايران ، هكذا بكل بساطة ومن دون الاخذ بعين الاعتبار الأسباب الموضوعية ، والسياسية ، والتطورات المتلاحقة مثل تحويل النظام سوريا الى سجن كبير ، ونهب خيرات البلاد ، وقمع الحريات ، واندلاع الثورة السورية ، وانشقاق الجيش السوري ، ومحاولات إقليمية في أسلمة ، واخونة ثورات الربيع وضمنها الثورة السورية ، والاصطفافات الإقليمية الناشئة وتدخلاتها من اجل المصالح الاقتصادية ، والنفوذ .
  وقد ازدهرت نظرية التوريط بشكل ملحوظ في القضية الأوكرانية بعد اعلان طغمة الدكتاتور الارعن الملياردير بوتين الحرب على ذلك البلد المسالم ، الذي ترسخت فيه العملية السلمية الديموقراطية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ، اسوة بنحو الثلاثة عشر من الدول الأخرى التي قررت بالغالبية العظمى استقلالها ، واللجوء الى صناديق الانتخاب لاختيار ممثلين لشعوبها بالطرق المدنية ، وصياغة دساتيرها الجديدة ، وإقامة نظمها السياسية بارادتها الحرة .
  فقد بدأ انصار نظرية التوريط بالترويج لمقولات اقل مايقال عنها بانها ساذجة ، ومبتذلة على غرار :  بان الولايات المتحدة الامريكية ، ورطت روسيا لاجتياح أوكرانيا ، وفي الوقت ذاته ورطت أوروبا لدعم أوكرانيا ، وفرض العقوبات على روسيا ، كما ان حلف شمال الأطلسي – الناتو – وكذلك الاتحاد الأوروبي ورطا النظام الاوكراني لمواجهة روسيا ، وهكذا نجد ان حرب الطغمة الحاكمة في موسكو ضد الشعب الاوكراني ، ونزعتها التوسعية الاستعمارية في تقسيم البلد ، واسقاط نظامه الديموقراطي ، وروسنته بالقوة العسكرية كما حصل للشيشان ، وأجزاء من جورجيا وكما وقع في سوريا ، ماهي الا عمليات ” توريط ” افتراضية ، مترابطة ، متكاملة لااول لها ولا آخر ، وان النظام الروسي مسير وليس مخير ، وتورط من دون ارادته ؟؟!! .
  وقد وصل الاسترسال بالخيال التوريطي بالبعض الى القول بان جنرالات ، ومساعدو الدكتاتور بوتين قد اخفوا عنه الحقائق العسكرية لتوريطه اكثر في الاندفاع ، والتهور ، ثم الوقوع في فخ السقوط ، ففي الوقت الذي لايمكن فيه تجاهل الصراعات الداخلية البينية في النظام الروسي ومؤسساته الأمنية ، والعسكرية ، والإعلامية ، والاقتصادية ، ومعارضة أوساط واسعة لهذه الحرب العدوانية الا انه في الوقت ذاته لايمكن اغفال تاثيرات المقاومة الباسلة للجيش الاوكراني في الدفاع عن الأرض ، والسيادة ، والاستقلال ، والكرامة الوطنية .
  قد يمكن تفهم محاولات الغرب ، واجهزته الاستخباراتية في نشر انباء حول إخفاء المعلومات عن بوتين من جانب مساعديه ، من اجل افساح المجال له للمراجعة ، والانسحاب من أوكرانيا ، وقبول المفاوضات السلمية لحل الخلافات ، لان الأوساط الغربية تعلم جيدا ان قرار السلم والحرب بايدي الدكتاتور ، وليس بإرادة الشعب الروسي .
  حتى ان المراقبين لايستبعدون اخفاق محاولة بوتين في قراره بالدفع بعملة الروبل لدى شراء الغاز من جانب الدول غير الصديقة لموسكو ( بالمناسبة الدول الصديقة لها سوريا ، وارتيريا ، وبيلاروسيا لاتملك لا الدولار ولا اليورو  وتحكمها أنظمة مفلسة وتعتمد روسيا في تجارتها على أموال الغرب ) أقول في حال فشل المحاولة سيكون هناك خط رجعة أيضا بوضع المسؤؤلية على المستشارين الاقتصاديين وذلك على درب نظرية التوريط ، وهي على أي حال سلاح ذو حدين . 
  نظرية التوريط كما نظرية المؤامرة ماهي الا ظاهرة إعلامية ، وخطاب سياسي مؤدلج لتضليل الراي العام ، وبث خيبات الامل بين الأوساط الشعبية من اجل التوكل على قوى خارجية ، غيبية ، والارتهان لحلول افتراضية بدلا من الاعتماد على الذات ، وعلى إرادة الشعب التي لن تقهر .
  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…