د. محمود عباس
رغم الطفرات الحضارية الجارية في العالم، والتي تكاد أن تقضي على: عاملي الزمن والمكان، والحواجز الثقافية بين الدول من جهة، وبين الشعوب والأنظمة من جهة أخرى، لا نزال نحن كحرك كوردي-كوردستاني، ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ورغم المخططات الإقليمية المرسومة للقضاء على قضيتنا، وتسخيرهم الناجح للتكنولوجيا الحضارية، نتلكأ في الاستفادة من الطفرات، واللحاق بمراحل تطوراتها. نتحدث عن الثورة الانترنيتية، وأساليب تسخيرنا لها؛ وتسخيرها لنا، وعدم التركيز على قدراتها المناسبة لأهدافنا وغاياتنا الرئيسة، القومية والوطنية وتشذيب الثقافة، علما أن السرعة وسهولة انتشار المعلومات وبلوغها إلى أخطر وأعمق المراكز السياسية، من البيت الأبيض، إلى الكرملين، إلى أظلم الأروقة الدبلوماسية، لم يعد لها حدود، وجلها تكاد تكون لصالح قضيتنا.
لكن وللأسف، شريحة من حراكنا الثقافي، ومجموعة من الكتبة؛ تسخر هذه الثورة الانترنيتية لصالح الأطراف الحزبية وخلافاتها، أو لمأربهم الذاتية، وفي الواقع أن النقص الفاضح في هذا البعد، لا ينحصر في المجموعات المنوهة إليها، بل تكاد أن تشمل كلية حراكنا الثقافي والسياسي، وحيث سويات تفعيل واستخدام بعضهم لها بمهنية عالية، وتقنيات تكنيكية متطورة، ليس لإيصال الصوت الكوردي إلى المراكز المعنية، بل لإحياء الجدلية الكارثية الماضية، من توسيع شرخ الخلافات، والتناحر، إلى التفنن في إلصاق التهم وإصدار ملفات ووثائق مفبركة للطعن أو تثبيت خيانة أو عمالة الأخر، إلى تشويه سمعة النقاد الوطنيين.
في السابق كانوا يحتاجون إلى أيام وأسابيع لنشر تهمة بالكوردي الآخر، واليوم بإمكان الكل نشر المعلومة بعد القرار بدقائق، فأصبحوا يبدعون بالسرعة المطلوبة في تلهيب الشارع الكوردي على حدث ضحل بسيط.
جميعنا ندرك أنه الأن بإمكان صوت الشعوب أن تصل إلى كل من يهمهم الأمر، دون الحاجة لنفاق شرائح اللوبيين، ولا إلى المصاريف الضخمة التي كانت تدفع لهم. خاصة فيما إذا كانت الأصوات مقنعة، صادقة ومنطقية.
مع ذلك نلاحظ أن صوت حراكنا، ومؤسساتهم الانترنيتية، مسجونة في جغرافية الخلافات الداخلية، لا يتجاوز محيطنا الكوردستاني، أو لا يسمع أو ليس له صدى، وإن خرج؛ يكون خافتا، لا قدرة له بولوج الأجواء التي يجب أن تبلغه. فعلى سبيل المثال، حتى لو كانت لدينا، ترسانة من الأسلحة بقدر الدول الكبرى، وإمكانيات إنترنيتية على مستوى شركات أبل أو مايكروسوفت أو هواوي، سوف لن يجدي نفعا، بل مضارها ستكون كارثية على أمتنا، لأننا سنقوم باستخدامها فيما بيننا للسيطرة وإذلال المخالف لنا من الكورد، فماذا يمكن توقعه لحاضرنا ومستقبلنا، ونحن على ما نحن عليه من الصراع وليست الخلافات الصحية؟
وهذا الصوت الضعيف، الخامد، والشاذ أحيانا، رغم ما يوفره لنا الطفرة الحضارية، تعد من أهم أسباب عدم بلوغ قضيتنا الكوردستانية بالشكل المناسب، وعلى قدر ثقلها، إلى مراكز القرار، رغم مرور عقود على ظهورها العالمي، وحينما تصل تكون واهية التأثير على المواقف الدولية، وهو ما يؤدي إلى إهمالهم لقضيتنا، وسهولة المتاجرة بها.
ومن أسباب ضعف صوتنا كحراك، أو كشعب:
1- ضحالة وضبابية ما نرسله من مطالب إلى خارج جغرافيتنا الكوردستانية، فحتى عندما تخرج من مستنقعات خلافاتنا وتصل إلى بعض المحافل الدولية، تكون حاملة روائحها، وتعكس الصور الكارثية عن سذاجتنا وفقرنا في اللغة السياسية.
2- أساليب حراكنا المهترئة في تناول القضايا السياسية الداخلية والخارجية، والقومية المتضاربة بين طرف وطرف، والمتغيرة بين فترة وأخرى.
3- الأصوات التي تصل تكون متضاربة في المطالب، والغايات، وتعكس الضعف الداخلي وليست القوى الكوردية الخام الكامنة، وبالتالي من السهل استخدامنا كأدوات عند الطلب من قبل القوى الإقليمية والدولية، عند الضرورة، كما يجري حاليا، في غرب وجنوبي كوردستان.
من بين الأخطاء التي لا تتداركها الأغلبية من حراكنا الثقافي رغم بلوغنا مرحلة عصرية متطورة، ليس فقط في صرف طاقاتهم على الخلافات الداخلية، وتأجيجها، وقد تكون أحيانا هذه حالة صحية عندما تدرج كمبدأي المعارضة والسلطة، بل ضعفها في تنوير المجتمع، وتصقيل قدراته الخام. فبنظرة سريعة على المواقع الكوردية، وصفحات التواصل الاجتماعي، والإعلام بكل أنواعه، نلاحظ أن أغلبية المنشور هو تهجم طرف على الآخر، وتعميق للصراع، واتهامات متبادلة مبنية على حجج متنوعة، إلى درجة هيمنة شريحة من كتاب المقالة الواحدة، وإعلام الخبر الواحد، أحيانا أساليبهم وطرق تناولهم تعكس الأبداع السلبي، والموجه للتنوير بالكاد يمكن رؤيتهم.
والأغلبية هي ذاتها التي تساهم في حصر الحراك الكوردي السياسي في طرفين تم فرضهما على الشعب من قبل قوى خارجية، قدراتهما السياسية محدودة، ومطالبهما القومية تتأرجح ما بين الضبابية والمصالح الحزبية. هؤلاء ممثلي الأطراف الحزبية المتنافرة، وليس الشعب، وأساليب استخدامهم للموجات الانترنيتية، موجهة جلها إلى الخلافات الداخلية، وهذه تحد من انتشار وبلوغ الصوت الكوردي بالشكل المطلوب، إلى المنصات الدولية والأروقة السياسية-الدبلوماسية، وبالتالي تظل قضيتنا مهمشة، كالسابق، رغم توفر الإمكانيات الحضارية للجميع والتي يستخدمها الأعداء بحنكة ودراية.
علينا أن ندرك:
أن الانشقاقات في حراكنا، حالة صحية فيما لو استطعنا استخدامها بطرق عقلانية، لأن جلها تحدث من قبل القوى المتربصة بنا، لكن الرضوخ لها نابعة من سذاجتنا. والخلافات المنهجية نحن من نخلقها لتبرير ما يتم ضخه إلى شارعنا.
أن الانتقال من استخدام الإنترنيت للتهجم والتخوين إلى تطوير النقد البناء، تقوينا.
تصحيح مسارات البعض عن طريق الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي بدل منهجية الإلغاء، تقوينا.
تعرية مخططات الأعداء من على صفحات الإنترنيت وفي إعلامنا ومواقعنا، تقوينا.
الاتفاق على نقاط التقاطع بيننا في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع وعلى الإعلام الافتراضي تقوينا.
وأن تسخير الإنترنيت لتسعير الخلافات الداخلية تدمرنا.
الإلتهاء بمفهوم بناء مرجعية كوردية من الأحزاب المتناقضة منهجية وإيدلوجية، ومشاريع قومية ووطنية، على المواقع والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وعقد المؤتمرات أو الكونفرانسات الافتراضية من أجلها بين جميع أطراف الحراك سذاجة.
الاتفاق على تشكيل لجان، عن طرق وسائل الإنترنيت التي تسهل الأمر، تمثل الشعب الكوردي داخليا وخارجيا بدايات للنجاح.
الحوار المتواصل، وبلغة سياسية عصرية، وعقد الاجتماعات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، على مشروع قومي ووطني كوردي وكوردستاني، ومحاولة الاتفاق على نقاط التقاطع، تسهل دروب النضال.
استغلال الطفرة الحضارية الانترنيتية لنشر المشاريع الطوباوية هدر لطاقات الشعب والحراك.
علينا جميعا، وخاصة النخبة الثقافية-السياسية ومعهم مختصي عالم الإنترنيت، التركيز على إيصال صوتنا القومي والوطني، بعيدا عن الحزبية ومنهجيتها، إلى مراكز القرار في العالم، وبدبلوماسية حضارية، ستنصرنا، دونها سنعيد ماضينا بمآسيه.
الولايات المتحدة الأمريكية
7/2/2022م