عبد الرحمن آلوجي*
ان أي برنامج سياسي راهن يظل ناقصا – ما لم ياخذ بالاعتبار مجمل التطورات و المواكبات المفترضة على الساحة السياسية الدولية و الاقليمية و المحلية , مع ملاحظة تطور القضية الكردية بشكل لافت و متسارع , بحيث يراعي البرنامج الجديد مستجدات الساحة الدولية والإقليمية ومفرزاتهما واستحقاقات المرحلة الدقيقة وآفاقهما, والمتجلاة في جملة قضايا ذات إلحاح متميزوأهمها :
1- المد العالمي باتجاه عولمة الفكر الديمقراطي, و ثقافة حقوق الانسان و استنهاض الشعوب المقهورة , و محاولة كسر الفجوة بينها و بين هذه الحقوق , و نشل الملفات التعلقة بقضاياها التحررية , بشكل يتيح لها اكبر قدر من الحريات العامة , و رفع الغبن عن كاهلها , و ايصالها إلى بر الأمان , باتجاه نبذ السياسات التمييزية و العنصرية .
2- الإلحاح على ضرورة تعديل البرامج و المناهج و اصول التربية و قواعدها في البلدان النامية , و اشاعة ثقافة ديمقراطية تنبذ العنف و الارهاب و تدعو إلى حوار مفتوح و عادل بين الثقافات و منابعها , لتقريب الهوة الحاصلة بين المجتمعات , باتجاه بناء مجتمع مدني مؤسساتي يقوم على احترام مختلف المشارب و النزعات و الاتجاهات , بشكل تتعايش و تتحاور , و تلتقي في القواسم الوطنية العليا بما يحقق مصلحة مختلف المكونات و الأطياف و الثقافافت , بمنطق حواري توافقي , بعيد عن الاقصاء و الشطب و الغاء الآخرين , ووضع المناهج و الرؤى و الدراسات على هذا الأساس , و تسخير الطاقات المنهجية و الاعلامية و التربوية , لبناء هذه الثقافة , ووضع المقاييس و القيم و الاختبارات و الروائز لتقويم المراحل المختلفة في بناء الثقافة الديمقراطية و الوطنية بما يعزز فكرا تحرريا جديدا , قائما على منطق متوازن , و رؤية متكامنة , و صيانة للرأي الآخر , و إغناء الثقافة الانسانية المتكاملة.
3- محاولة التخلص تدريجيا من ثقافة الاستعلاء العنصري , و ما تحمله من تفاصيل في الحياة اليومية , باحتكار القرار السياسي و التشريعي و الإداري , و إشاعة منطق التهميش و الإلحاق للآخرين , بنبذ الفكر الشمولي و الحزب القائد , و عبادة الفرد , و قيم الاستبداد و منطق احتكار السلطة , و الدعوة إلى إشراك شامل و عادل لكل أطياف التركيبة الاجتماعية و الاثنية , و الاتجاهات و الأفكار و المثل , بما يعزز الرؤية الفكرية المرنة و يقود إلى مجتمع تتواصل فيه المفاهيم و الآراء و تتلاقى في ظل الارقى و الاكثر كمالا و قربا من فلسفة العصر و الرؤية الحضارية و المدنية الساعية إلى تشييد صرح جديد , تلتقي فيه الثقافة الوطنية في كل بالتراث العالمي و المعاصرة , و في ظل التواصل الثقافي المتسارع مع تقدم شبكات البث و الاتصال و قيم العولمة الثقافية و الفكرية , و تحطم الحدود الجغرافية بين الدول و الحكومات و الاقاليم
4- استهداف الوصول إلى مبادئ فكر تحرري جديد قائم على منطق العدل و المساواة و اتاحة الفرص أمام الكفاءات و القدرات و الطاقات و النخب الوطنية العاملة على الساحة في كل دولة و في نطاق إبراز المكون الحقيقي لكل طيف و فئة و لون, بما يحقق التكامل و الانسجام و التناغم في ظل هذه الثقافة التحررية الجدبدة و الساعية إلى إغناء الواقع و إحياء قيمه و تفجير طاقاته و دفعه باتجاه خدمة الثقافة الأنسانية , وتقديم أفضل الكفاءات و أكثرها دفعا باتجاه تطوير البنية التحتية و تحديث المناهج و تغيير أسسها ووضع الخطط اللازمة لدفع مسيرة التنمية و التخطيط لبناء دولة معاصرة تعتمد منطق القدرة والكفاءة والعدل لصياغة مجتمع قائم على التعددية و الفكر المتنور و القادر على اشاعة الخطط و البرامج و الرؤى و التصورات التي من شانها ان تساهم في بناء المؤسسات التنفيذية والتشريعية و الادارية و القضائية بشكل يتيح التواصل الامثل في ظل هذا البناء الجديد.
5- العمل وفق خطط و برامج و دراسات استراتيجية بعيدة عن الارتجال والتعسف والعشوائية و الاتصال في كل ذلك بالمؤسسات العاملة على الساحة الدولية بما يحقق تواصلا وإتقانا وعملا مبرمجا في مناهج العمل والتخطيط والإدارة والتشريع وقيم المواطنة الحقة , وما حققته المجتمعات المتطورة في مجال التربية والإعلام والثقافة, وقيمها المتقدمة ومواقفها المتطورة بعيدا عن الأصول والقواعد الفكرية والقيمية الجامدة بشكل يحقق التطور الأنسب والأكثر ملاءمة لقيم المجتمعات الإنسانية ,مع مراعاة خصوصياتها وثقافاتها وملامح مجتمعاتها.
6- ملاحظة تطورات القضايا التحررية عامة والقضية الكردية خاصة في السنوات الأخيرة وبعد سقوط النظام الدكتاتوري الشمولي في العراق وانهيار المنظومة الفكرية المتعلقة به وما سبقه من دحر للمفاهيم المتخلفة لنظام طالبان في افغانستان, ومانجده من حرب شاملة على الإرهاب العالمي وشبكاته وقواعده في العراق والسعودية ومصر والأردن وباكستان وأماكن
7- أما أبرز الأحداث على الساحة الكردستانية وفي إطار تطور ملحوظ للقضية الكردية, فهو ما يحصل في العراق عامة من دفع فعال للعملية السياسية بعد انتخابات الجمعية الوطنية وبوز قوائم وتحالفات وتجاذبات للكتل السياسية وما يلعبه الكرد من دور بارز في تطوير الممارسة الديمقراطية, ووصول إلى المواقع السيادية, وإبراز للدور النضالي الكردية , مما يطرح القضية الكردية كأهم وأكبر القضايا الوطنية المؤثرة على صعيد العراق والمنطقة وكردستان , وما لكل ذلك من أثر في توضيح الصورة النضالية والمدنية للكرد في المنطقة وما يفرزه ذلك من تحديات لعموم الحركة التحررية الكردية والتي ينبغي أن ترقى في كل جزء إلى مستوى الحدث ومقتضيات المرحلة وتجربتها الحاسمة, مما يطرح على الساحة الكردية ضرورة بلورة ما يلي:
1- توحيد نضال الحركة الكردية في كل جزء مع الأخذ بالاعتبار القيم الكردستانية الراسخة والأصيلة من خلال انتفاضات وثورات أثرت المفهوم القومي وأعطته بعدا إنسانيا وتحرريا متميزا, جعلت من مفاهيم الثورة الكردستانية مبعث تقدير الوسط العالمي , لتجد نصيبها في واشنطن مركزا للسلام, ومبعث فخر الكرد واعتزازهم .
2- التواصل مع المد العالمي والإقليمي والكردستاني المتعلق بتطورات القضية الكردية وآفاقها.
3- جعل المد الكردستاني قوة دفع وتطوير وبناء, وعاملا دافعا للم الشمل وتوحيد الجهود, لاعامل فرقة وانقسام ومحاور وتكتلات لاتحتملها ضرورة المرحلة وخصوصية استحقاقاتها.
4- ضرورة وقوف الحركة الكردية في سوريا على الوضع الدولي والإقليمي والوطني , لاستجلاء معالم عمل سياسي من شأنه تعزيز الأفق السياسي الكردي وإنارته والتأكيد على ملامحه الوطنية والقومية في ربط عادل ودقيق مع جملة سياسة التجاهل والإنكار والتهميش, وعدم الاعتراف بالآخرين والإبقاء على السياسات العنصرية السابقة والإجراءات التمييزية المخلة بقواعد حقوق الإنسان وشرعة المجتمع الدولي , والمرتبطة بالتنكر التام للوجود الكردي في سوريا, وضرورة توحيد صفوف المعارضة الوطنية وتوسيع برامجها وتطوير ممارساتها في التصدي لجملة السياسة الخاطئة والمتخلفة عن ركب العصر , والممارسة الديمقراطية الفاعلة ,وفق آليات وقواعد جديدة في حياة سياسية عصرية ومدنية,وعلى أسس من المنهج العلمي لتحقيق أفضل نواصل وطني يرقى إلى مستويات متقدمة من الأداء السياسي الفاعل والمثمر , بعيدا عن منطق الوصاية والتحكم والقسر والرؤية الأحادية للمجتمع السوري , القائم على مكونات وأطياف وألوان واتجاهات وأفكار ينبغي إشراكها الفعلي في صياغة القرار السياسي والإداري والتشريعي ,بما يحفظ التعددية ويرقى بها ويغنيها ويؤهلها لممارسة فاعلة ومؤثرة على الساحة النضالية
5- الوصول إلى صيغ نضالية من شأنها تقريب الخطاب السياسي الكردي وتأطير نضال الحركة , في تحقيق الوحدات الاندماجية بين الفصائل المتقاربة من جهة, ووضع آلية ضابطة وشاملة أوغالبة للحركة, بما يؤهلها لقيادة المهام الخطيرة في مرحلة تفترض حسا وطنيا وقوميا عاليا .
6- اعتماد مبدأ تداول السلطة دوريا إبعادا لكل مظاهر التكتل والشللية المرهقة للعمل السياسي الكردي , ومحاولة معالجة الظاهرة الفردية وتهالكها الذاتي البغيض بوضع اليد على الجرح, واسئصال التورم السرطاني من خلال معرفة واضحة بالرموز والطرق والأساليب الالتوائية, ونزعة التحطيم والتقزيم والتشويه والتشهير التي تمارسها بعض الأدوات وفق أدوار محددة ومعينة في الحركة , وتوضيح الوجه الأقبح لهذه الظاهرة المتفشية منذ سنوات عدة والتي باتت معراة ومكشوفة وهزيلة أمام تطور الثقافة والوعي , ومدى سذاجة وهفافة البراقع المنافقة والمتمسحة والمخادعة.
7- وضع آلية ضبط محكمة ومدروسة للعمل التنظيمي وانتشاله من حالة الترهل والانقسام المفرط والعدمية والتقليدية واعتماد منهج علمي اختباري وتطوري وصفي في ذلك , بما يعزز القيم الحضارية في ضبط وتوجيه آلية عمل مدني مستجد ومتقدم , وبما يمكن من الاستعانة بالخبرات والتجارب الأكاديمية المتوفرة والداعمة والمؤسسة.
* عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)