عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
وصل النظام الإيراني إلى نقطة لا رجعة فيها بشأن الأزمة النووية، ففي الثاني والعشرون من نوفمبر 2021 غادر رافائيل غروسي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية متوجها إلى طهران بعد أسبوع من بدأ الجولة السابعة من محادثات فيينا التي استؤنفت بعد توقف دام أربعة أشهر، وواصل النظام الإيراني سعيه إلى “إضاعة الوقت” خلال العام الماضي بذرائع مختلفة، والسؤال هل سيقبل المجتمع الدولي بسياسة النظام الإيراني هذه ويستمر الوضع على هذا الحال؟
وهدد مسؤولون أميركيون مؤخرا بأن العودة إلى إحياء الاتفاق النووي على وشك الانهيار بسبب أفعال النظام، ويقول روبرت مالي المبعوث الأمريكي بالشأن الإيراني إنه إذا استمر النظام الإيراني في خلق هذا التوتر فإنه بذلك “يشعل فتيل النار”، وقال وزير الدفاع لويد أوستن للمرة الأولى أنه إذا فشلت محادثات فيينا فإن “جميع الخيارات المتعلقة بالنظام الإيراني ستطرح على الطاولة”، وتشير الجولة السابعة من المحادثات الآن إلى نهاية المفاوضات، فماذا ستكون الخيارات التالية ؟!
لا يريد علي خامنئي الذي يملك زمام أمور وسرائر نظامه بيديه أن يعتقد بأن الوضع الراهن للإتفاق النووي مختلف تماما في هذه المرة عن ظروف عام 2015، والوضع كما وصفه كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم مهندسي الاتفاق النووي مثل ويندي شيرمان بقولهم إن العودة إلى ذلك الاتفاق خيالية بحتة ويجب على النظام الإيراني الموافقة على اتفاقية 2021، وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن “بايدن يؤيد خيارات أخرى إذا فشلت المفاوضات مع النظام الإيراني”، وزير الخارجية الفرنسي لودريان قال أيضا أنه يجب تقييم الإتفاق النووي برجام على أنه إتفاقا “أجوف”.
كتبت صحيفة وول ستريت جورنال في 6 ديسمبر: إن المحادثات النووية لإحياء اتفاق 2015 النووي مع النظام الإيراني على وشك الانهيار، ويقول المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إن لـ الصين وروسيا توجه منفتح بشأن زيادة الضغط على هذا النظام.
لكن النظام يواصل إصراره على مواقفه السابقة في ظل هذه الظروف وعلى رأس تلك المواقف الرفع الفوري للعقوبات وتقديم ضمانات أمريكية بعدم الإنسحاب من الإتفاق النووي وتساؤالٌ مهمٌ هنا يطرح نفسه وهو لماذا يصر ولي الفقيه الحاكم في إيران على هذا الموقف، هل يستند موقف النظام على قدرات داعمة له أم أنه موقف ناجم عن ضعف؟
تمر السلطة الحاكمة بالنظام الآن في حالة من الحرب والتخبط والجدال حول “خيارين” نفض اليد من السلاح النووي والتخلي عنه والقبول بمطالب مجموعة الدول ( 4 + 1 ) أو مواجهة المجتمع الدولي وإحالة الملف النووي للنظام الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ؟!.
حالة من الحرب والمشاجرات والجدال والمهاترات لم تكن تحدث قبل هذا “الوقت”، ذلك لأن النظام الإيراني قد كسب أكبر قدر من الوقت بأقصى ما يستطيع، كما اشترى وقتا لإنتاج الأسلحة النووية، أما الآن فقد أوصلت المقاومة الإيرانية الرائدة المشروع النووي للنظام إلى نهايته حيث كانت أول من كشف حقيقة هذا المشروع، وهي حقيقة اعترف بها قادة النظام أنفسهم مرارا وتكرارا وشهد عليها المجتمع الدولي.
كان مصير الجولات الست السابقة من المحادثات أحد القضايا الرئيسية في الجولة الأخيرة من المحادثات حيث قالت الولايات المتحدة ومجموعة (4+1) إن بداية الجولة السابعة يجب أن تكون من نقطة نهاية الجولة السادسة لكن حكومة إبراهيم رئيسي تقول أن محادثات الجولة السابعة يجب أن تبدأ من الصفر.
تظهر المواقف الحالية للدول حتى تلك الأطراف التي كانت ولا تزال تسعى جاهدة للتفاوض ومنح الامتيازات أن عمر المفاوضات مع هذا النظام قد وصل إلى نهايته، وأن سياسة “كسب الوقت” التي يتبعها علي خامنئي قد احترقت وأن مصرف الإرهاب العالمي يقترب من الأسلحة النووية، ولا يعد هناك مجالا للفرص والإمتيازات، وتطهر الحقيقة في مواقف الأطراف الأوروبية ووزير الخارجية الأمريكية التي تؤكد أن الولايات المتحدة لن تسمح للنظام الإيراني بالاستمرار في الدفع ببرنامج صناعة قنبلته النووية من خلال الالتفاف على المفاوضات.
قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين: ” لا يبدو أن النظام الإيراني جاد في إحياء الإتفاق النووي برجام” معلنا أن لدى واشنطن خيارات أخرى إذا فشلت المحادثات، ومن ضمن المواقف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي في اتصال تليفوني له مع بلينكن قال: يجب على أمريكا أن تُنهي المحادثات النووية مع النظام الايراني”.
وبناء على ذلك يبدو أن الوقت قد حان لتحديد وتعيين المهام، فخامنئي على مفترق طرق وأمام خيارا واحدا من مسارين كلاهما مُر فإما “الموت الزعاف” أو “الانتحار المهين” وعليه إختيار أحدهما، اختيار صعب ومؤلّم للغاية يضعه بين “السيئ” و “الأسوأ” في أهون التقديرات، وفي الختام ستتضح نهاية هذا النظام للجميع.
ويبدو أن اقتراح إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية مثيرا لجنون لعلي خامنئي الذي قال خلال زيارته للسعودية مؤكدا إنه لن تتم معالجة الملف النووي للنظام الإيراني دون التطرق إلى قضية الاستقرار في المنطقة، وقال عن اقتراحه هذا: من جملة ما “اقترحناه على شركائنا” أن تشارك المملكة العربية السعودية في المباحثات”.
وفي تقرير لها نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول اميركي كبير قوله ان تعامل النظام الايراني مع الولايات المتحدة “غير مقبول”. وقال إن الحكومة الأمريكية أبدت “صبرا” خلال الأشهر الخمسة الماضية حتى يهيأ النظام الإيراني نفسه لاستئناف المفاوضات، كما اتهم المسؤول الأمريكي الكبير تسريع طهران لبرنامجها النووي بـ “المستفز”.
وجدير بالذكر أن واشنطن قالت مؤخرا الأخيرة إنها تستعد لـ “وضع لم يعد من الممكن فيه إحياء برجام” حيث قال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية لـ ناشيونال إمارات إن مسؤولية فشل محادثات فيينا تقع على عاتق النظام الإيراني.
في هذا الأوضاع تقع “مطرقة” الضغوط العالمية على رأس النظام الموضوع على “سندان” الأزمة الاجتماعية، وخطر الانتفاضة التي تشتعل تحت أقدام النظام أيضا، فالوضع الاقتصادي على وشك الانهيار، وأزمة سبل العيش تتفاقم، وأزمية المياه الفاضحة، وأزمة الكهرباء وفسادها، والبيئة وفضائحها وأضرارها، وما إلى ذلك من كم الأزمات الخانقة للنظام، وقد نفذ صبر المجتمع، وما انتفاضات أصفهان وشهركرد إلا بداية لسلسلة من الانتفاضات الموقوتة ببعضها البعض وباتت اكثر قربا ببعضها وستشكل في نقطة ما انتفاضة وطنية عارمة وثورة ثانية في إيران.
أعلن السيد مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية قبل عشرة أشهر في يوم 7 فبراير 2021 بفهم عميق لطبيعة النظام أن: “النظام لا يملك سوى خيارين لا أكثر على طريق المباحثات: فإما أن يتجرع السم والعودة إلى مسار الموت، وفي هذه الحالة ستكون الأوضاع هي نفسها التي أسماها خامنئي نفسه بـ “التدهور اللانهائي” في يونيو 2016 وقال وقتها إن النظام سينهار، أو” أن يستمر النظام في مواجهة المجتمع الدولي الأمر الذي سيؤدي إلى إحالة القضية إلى مجلس الأمن وزيادة الضغوط وتصعيدها”.
كلمة أخيرة،
إذا اختار النظام الإيراني أياً من الخيارات المذكورة أعلاه سيكون الوضع أكثر هشاشة وبالتالي التعجيل بسقوطه وتكون الإطاحة به أقرب خاصة وأن المقاومة الإيرانية الآن على استعداد تام أكثر من أي وقت آخر مضى على المستويين الدولي والداخلي لتقرير مصيرها، الأمر جعل قادة النظام الإيراني قلقين وغاضبين من كل وجهة نظر!
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.