إبراهيم محمود
استفسرَ مني صديق وكاتب كردي لا أخفي تقديره له، عمّا كتبته نقدياً عن الراحل والمناضل الكردي خالد مشايخ الذي توفي في ( 3-12/ 2021 )، استغربتُ السؤال، فأشار إلى مقال الكاتب الكردي هوشنك أوسي عنه، ومقالي عن مقاله تالياً ( في 1 حزيران 2017 ) وسيعاد نشره هنا، للتوضيح. فأوسي بعدة كلمات أفصح عما يكونه داخلاً، سوى أنه خصص لي مكانة بداية، للفت النظر، وهو متشح حزناً مزعوماً، كما هو العنوان في أعلى صفحته الفيسبوكية، وليعيد نشر مقاله ذاك مجدداً. وفي وسع القارىء التدقيق في المكتوب. وللعلم، فليس عندي فيسبوك، وإلا لكنت اطلعت على المنشور في حينه، وكراهيتي للفيسبوك إجمالاً وما يُسمى بالصفحة الفيسبوكية، تتأتى إجمالاً من زيف الصفحة عراضة صاحبها، وترهات أكثر المنشور فيها هنا وهناك !
أنشر صورة المشار إليه، كما أرسلها إلي الصديق الكردي ذاك مشكوراً:
لدى توضيحات سريعة إلى ما تقدم:
أولاً، آلمتني الإشارة إلي، وبالطريقة هذه، وفي هذا التوقيت المتعلق برحيل المناضل الكردي خالد مشايخ، إذ إن الإشارة المختصرة تلك، توجّه قارئه الفيسبوكي في الحال، أو أي موقع بالطريقة هذه، إلى نقطة ساخنة، تستفزه، وهي أنني ” نلتُ من الراحل ” أو كتبت عن أوسي، لهذا السبب. والوضع ليس كذلك إطلاقاً، كما هو محتوى مقالي هذا.
ثانياً، إشارة أوسي هذه، ومجدداً، بالطريقة هذه، تعني بالنسبة لي، ومن خلال إطلاعي على طريقة تناوله لموضوعاته، وعلاقاته كذلك، ومنذ سنوات، أنه لا ينسى ما كان، وهو يستشعر إهانة، وينتظر الفرصة للرد أو ” الانتقام “.
إن تصدير اسمي، وهو ” يعلي من مقامي، وهي كلمة حق يراد بها باطل ” وفي وضع كهذا، يترجم سلوكه المغلول بماضيه، وأسْره داخله، وأنه مازال معانياً منه، مهما زعم أنه أصبح ” ناضجاً “، ” متحرراً ” من هوشنك أوسي ” أيام زمان ” كما يكرر ذلك في أكثر من مناسبة. ولعل تصرفه هذا، يعبّر عن انتقام رخيص، لأنه ليس من داع أخلاقي، لأن يزج باسمي أو يحشره في خانة تقديراته المتعالمة، وحشره يشدد على هذه الذاكرة المرضية لديه وعقدة الاستعراضية، وفي هذه اللحظة الكردية الثقيلة الوطء.
أما كان قادراً على كتابة كلمات أخرى عن حزنه الموسوم تجاه الراحل، دون هذه التوليفة ؟ كي يثبت أن هوشنك أوسي ” الناضج ” اليوم ليس كهوشنك أوسي ” غير الناضج ” بالأمس !!
ثالثاً، أما بصدد عبارته الأخرى والتي تخص عدم رده علي ولأسباب كثيرة، كما يزعم، ففي ذلك استمرار لعقدة الغرور ودوامتها الدعائية وخلافها، وما في ذلك من تعال ٍ وفضيلة ترفُّع، وسوء التقدير في النتيجة بصدد توصيفه لي بالتالي.
رابعاً، كان على أوسي أن يوضح أو يرد، أو يتعرض لما كتبته بطريقته حينها، وليس أن ينتظر هذه السنوات ليبث دسمه المسموم، وعني، وفي هذا المقام، والتوقيت، وبؤس التقدير.
وما أريد قوله في المحصلة المفتوحة، أن لا شأن لي بأوسي وحياته، ومحاولاته الاستقطابية وفيديوهاته وعلاقاته، وكيف يعيش، وأين، فهذا شأنه ” هو وغيره طبعاً “، سوى أن الوضع مختلف حين يحاول، بهذه الطريقة أو تلك، هو أو غيره، اعتماد الغمز واللمز هنا وهناك وإزاء هذا أو ذاك، ليثبت أنه سيد الساحة الكردية ثقافة: ناقداً، شاعراً، إعلامياً، ومفكراً، وعلى الآخرين تزكيته لنيل شرف هذا المقام الاستثنائي.. وآمل أن يكون جامع أو حامل كل هذه الألقاب، إنما ليس من خلال سلوكية مراهقة في وسط يشجع على ذلك، وكما ألمحتُ إلى ذلك.
أكتفي بذلك !
======
مقالي المنشور في ولاتي مه : الخميس، 1 حزيران 2017 ، ودون أي تغيير وهذا هو الرابط أيضاً، للمقارنة، إن دعت الضرورة
الطريقة الانتحارية في الكتابة.. “هوشنك أوسي وسيكولوجية كتابة المقال: اعتذار من خالد مشايخ نموذجاً “
تابعت كاتبنا الكردي هوشنك أوسي في كتاباته عندما كان ” ببكاوياً ” إلى حد الهوس، وهو مقيم في دمشق، وعندما أصبح ” أنتي ببكـبيداوياً” حين استقر في أوربا ” بلجيكاً “، بعد أن أمضى شهر عسله وهو على عهده السابق مع إعلامه، ليمارس نوعاً من الانقلاب القطعي على هوشنك أوسي السابق، وهو منهمك في الكتابة عن ” فظائع ” ” ببك- بيَد “، في مناسبة وغير مناسبة، وتحديداً في صحيفة ” الحياة “، وإلى حد الهوس، وفي الحالتين ثمة هوشنك أوسي.
هوس يعرّف بذات تمارس حزماً، ثم تعاود النظر فيه مراراً وتكراراً، وما في ذلك من تخوفات.
هنا أقول أولاً: لا أخفي إعجابي بقدرة هوشنك أوسي الشاعر أولاً على بناء إنشائيات متلاحقة دون تلكؤ، وما في هذه الإنشائيات من نزوع تحطيمي- حطامي معاً غالباً، سوى أن هناك علامة فارقة تصل ما بين هوشنك أوسي السابق وهوشنك أوسي اللاحق، وهي في سعيه المستمر إلى ” قتل الأب الإيديولوجي فيه ” ذاك الذي ” اغتصب ” روحه الشبابية وأكثر، ولزمن طويل ” أب ببكـبيداوي “، وهذا الإلحاح على الإحالة إليه تأكيد نفسي على أن ” رضَّته” لكبيرة، وأنه – حتى الآن- رغم كتابة عشرات المقالات عما كان عليه وما هو عليه، يجد نفسه مأخوذاً بظله، بشبحه، برهبته، ولا يستطيع التخلص من صورته الحية وهي مستقرة في أعماق لاشعوره.
سأتوقف عند مقاله الأخير، والمنشور في ولاتي مه ” بتاريخ 29 أيار 2017 “، وتحت عنوان ” اعتذار من خالد مشايخ “، وهو منشور أصلاً في صحيفة ” الحياة ” المعروفة، وهذا أمر له دلالته النفسية أيضاً، سنعود إليه لاحقاً.
في مقاله هذا يختلط الطين بالعجين، أي إن هوشنك مستمر في السياق ” الهوسي ” ذاته: ثمة أب قاهر، مستمر، متجهم الوجه، ثكناتي، أنّى اتجه يلاقيه، ولا يملك مفراً إلا بقتله عبر الإشارة إلى فداحة أثره، وهو يعمم أحكامه، باعتباره حصيلة هذه المعاناة، ضحيته: الرضة مما كان! فالإكثار من الأقوال المتشابهة وتكرارها تشديد آخر على ذاكرة مرَضية لا برء منها، كما هو شأنه كتاباته، وما أثيرَ في المقال يتمحور حول هذه الفكرة الساخنة، إذ إنها بكلماتها الـ” 600 ” تقريباً ، يسهل اختصارها لحظة النظر في بنيتها إلى أقل من الربع،وما دون:
تأكيده على ” اهتراء الكرد ” كشعوب الشرق الأوسط ” الأسود ” تعبيراً عما هو حِدَادي.
وجرّاء هذا التأكيد لا يسلم إلا الطالح، أما الصالح فمنبوذ ومذموم ومصدوم دائماً كحال خالد مشايخ .
وأن الأحزاب الكردية لها حصة الأسد في تفعيل هذا الاهتراء، وهذا النيل المستمر من الصالحين لحساب الطالحين هنا وهناك .
مساءلات
لكن كيف يمكن التفريق بين حكم تعميمي وآخر تخصيصي، يكون الكاتب مستثنى منه؟
تلك الحصيلة الأولى لطريقة كتابة انتحارية من هذا القبيل: ألّا تعرف ما تقول، وتقول ما لا تعرف جرّاء شعور متزايد بطغيان الأب السياسي وقد تعمم، والارتقاء إلى مستواه، إنما من خلال الاندفاع في كلام يتكرر، لا يخفي انفعالاً، وانجراحاً نفسياً يعرّف بذاكرته المرضية.
لنتوقف عند هذا المقطع بداية، ونحن نتعامل مع الكلمات من منظور اقتصادي ” كفاية القول ” :
(نحن الكُرد، شأننا شأن شعوب الشرق الأسود (الأوسط)، مُهترئون من الداخل، وكل شخصٍ فينا يجد نفسه أحد أباطرة الفكر والفقه والسياسة والثقافة، وأنه لم ينجب بطنٌ في العالم مثيلاً له. لا مكان للمراجعات النقديّة بيننا. وإن كانت، فستأتي سِفراً لا نهاية له من المدائح الذاتيّة! نطفو على بحار خرافات أمجاد الذات والأجداد، والانتقاص من الآخر، وأحياناً، الطعن فيه. المظلومية التي عشناها حولّتنا إلى ظالمين. وما من أحدٍ ظَلَمَنا أكثر من ظُلمِنا لأنفسنا. حيثما وجدنا الحقيقة التي تصفع وجوه خرافاتنا، حاولنا اقتلاعها وقتلها، وفي أفضل الأحوال، مقتها وإسكاتها، وتشويه الناطق بها! مستعدوّن لأن نفتح ألف قبر لشخصيّة مناضلة ومتنوّرة وأكاديميّة كالراحل نور الدين ظاظا. ذلك أنه حتّى ونحن نحتفي به، نزيد عدد قبوره، لأن هذا الاحتفاء هو بداعي استثمار ذكرى ظاظا لأغراضٍ حزبيّة. ) .
لا شك أن قارئه المأهول بحمّى الانفعال يتجاوب معه سريعاً، وهو يتابع كلماته بطابعها الإنشائي وهي تكرر نفسها، إذ تهوّل الوضع وهو استثناء منه، وبلغة الجمع:
تُرى إذا كان الكرد مهترئين من الداخل، ألا يعني أن كل الكلام اللاحق عليه شرح له وشرح لشرح بالمقابل؟ حسن، لا بأس أن يأتي التالي توضيحاً ” وكل شخصٍ فينا يجد نفسه أحد أباطرة الفكر والفقه والسياسة والثقافة “، إنما التالي على التالي ما نفعه؟ أليس هو مكرره بمعنى ما؟
ثم ماذا يعني ” الاهتراء ” ؟ عدم صلاحيته البتة في أي شيء؟ كيف نصل هنا بين رؤية سوداوية إلى الجاري، ورؤية من الخارج تبقيه القيّم عليه ؟ ما موقع النجيب المميّز، والمدائح الذاتية، وخرافات الأمجاد، والانتقاص من الذات…الخ؟ أليست كلها تكرر ما سبق في المعنى؟
وكيف نصل ما بين ” الاقتلاع والقتل والمقت والإسكات والتشويه ” ؟ أهذا تشخيص للوضع، أم اعتراف لاشعوري للكاتب بأنه يعاني من ” اهتراء ” داخلي قبل سواه ؟
هذا الانتقال من جمع المتكلم إلى مفرد المتكلم، تعزيز للتمايز، وهو يقدم اعتذاره لخالد مشايخ، وسلسلة التكرارات التي تترجم بؤس المردود الفكري ” مناقب، شمائل، محاسن “، وهكذا الحال مع ” التضليل والتشويه والتجاهل والإهمال والافتراء والسطو..”، لكأن التضليل لا يستدعي التشويه، والتجاهل لا يُسمّي الإهمال، والافتراء خلاف السالف.
ثم، رغم تأكيد مكانة مشايخ، كيف يأتي هذا التصنيف ” أن يكون نظير ظاظا ” وهو في موقع مختلف كلياً؟ خالد مشايخ كمناضل كردي يمكن الحديث عنه إلى جانب آخرين ممن ذاقوا مرارة السجن والحرمان والإهمال، أما ظاظا فموقعه مغاير في الأسلوب النضالي مسلكاً وكتابة، أو مساحة تحرك، ومن الصعب إن لم يكن مستحيلاً الجمع بينهما، وهو يشدد على ما عرِف به مشايخ من عصامية ونقد للفساد التحزبي، إنما انطلاقاً من أي مرجعية بحثية ؟ هذا الإجراء يشدّد أكثر على انعدام سوية المقارنة، وهي تترجم لاسوية الضبط النفسي .
وما تقدَّمنا يصلنا بالتالي، وهو يتحدث عن المستفيدين من الفاسدين كردياً، ولا يستثني سلطة ” حزب الاتحاد الديمقراطي “، ولا بد أن صدمته هنا كبيرة جداً بما يجري، حيث تكرار الحديث مجدداً عن الفاسدين والمفسدين والوشاة، يعيدنا إلى الجملة الأولى ” الاهترائية “.
وما يأتي في النتيجة يعمق مأساة كتابة المقال بطابعه الصراخي: التهويلي ” نحن في بلادٍ لا شفاعة فيها لمناضل. نحن في بلادٍ يشفع في الفاسد للفاسد، والفاسد للمناضل. وكثيرون يعلمون أن صمتك يخفي خلفه خزائن فضائحهم. أما أنا فأقفُ عاجزاً عن ردّ واحد في المئة من ديونك علينا، لذا، وجب عليّ الاعتذار الشديد “..
أتراه بطريقته هذا يحصّل براءة ذمة مما كانه سابقاً، أم يسمّي تمايزه، والآخرون عمْيٌ ؟
تُرى ماالذي يضيف آخر المقال إلى أوله ؟ وما هو أمرّ من ذلك: ما الذي دفع بكاتبنا إلى إبراز هذه المناقبية الاعتبارية للمذكور؟ تحت أي بند وحالة ومناسبة؟ وهو يخلط ما بين المفرد والجمع ” الجمع المدان، والمفرد المصان!
هوشنك أوسي، لديه كلمات محددة في ” مدح الآخر ” أو ” قدحه “، وهما وجهان لعملة واحدة، تندرجان في خانة الذاكرة المرضية مجدداً، وما تعانيه من تكبُّل بالماضي: ماضيه الذي يزيد في عنفه الكلامي إزاءه ومن يمثله، وهو الذي كان يمتلك سهماً وافراً في ” فساده وإفساده ” إن جاريناه في منطقه، وهذا العود الأبدي إليه، تعزيز للاسوية الحالة، ولا أدري هل تجاوز كاتبنا ” الفساد والإفساد ” اللذين كانا يحملان بصمة جلية له عبر كتاباته؟ لا أعتقد ذلك، لأن بنية إنشاء القول حتى اللحظة، بعربيّها وكرديها، تشي بأنه هوشنك أوسي الذي كان، لأن تبديل تطرف بتطرف ربما يكون أكثر إيلاماً وتعمية للذات.
أما عن استمرار نشر كتابات من هذا القبيل في صحيفة ذائعة الصيت ” الحياة “، فأحسب ذلك ينتمي إلى خانة ” المتاجرة ” بقضية كان سمساراً فيها، ليصبح شاهداً عليها، وفي محكمة تنظر إلى المعنيين بها كرداً بعين الاستصغار بجلاء.
كلمة ليست أخيرة: هوشنك أوسي، وجه آخر نظير وجه سالف هو نزار آغري، وربما يعيد تجربته بطريقة ما، رغم أن الأخير أكثر تميزاً بالثقافة منه واهتماماً بما هو معرفي وبأكثر من لغة، كما هي كتاباته المختلفة في ” الحياة ” قبل كل شيء، سوى أن آغري كان قد تناول ” أوجلان ” في أكثر من مقال وتعظيمه ” كما هو الحال في كتابه: كاكا والجدار “، والهجوم المستمر على تجربة إقليم كردستان قبل أكثر من عقدين من الزمن، وبعد استقراره في أوربا، صار بوجه آخر: كتابة المغاير تماماً، ومن ثم استجداء المتنفذين في الإقليم، ثم لم يعد له حضور كما كان. تُرى هل يسلك هوشنك أوسي السبيل نفسه، وخصوصاً في مقاله الأخير هذا؟ أتراه صعَّد بنبرته محتداً مهولاً، لأنه حضر معرض الكتاب العربي في إقليم كردستان، ولم يجر تكريمه أو الاهتمام به، كما حصل مع آغري ذات يوم ؟ ربما كان في ذلك صواب ما،كشخصية شباطية جامعة النقيضين!!؟؟
دهوك