بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*
ليس خافيا على أحد أن الخاسر الأكبر في الانتخابات العراقية الأخيرة هو نظام ولاية الفقيه الإرهابي واللاإنساني المتسلط على إيران، وكانت محاولة اغتيال السيد مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي معبرة وبقوة عن هذه الخسارة ونهاية لكل الشكوك والغموض بهذا الصدد.
يعرف الجميع حقيقة المشاركة الضئيلة للعراقيين في الانتخابات الأخيرة، والسبب الرئيسي لذلك لم يكن سوى جرائم النظام الإيراني وتدخلاته الفجة في الشؤون الداخلية للعراق، لكن الشعب العراقي وتياراته العراقية الأصيلة رغم الخيانات والضغائن الموجهة في ظاهر وشعار “الصداقة” و “داعمي الديمقراطية الزائفين في هذا البلد” بات اليوم يعرف صديقه من عدوه وبشكل جيد.
وجود “عدو مشترك” : تجلت هذه الحقيقة أمام الشعب العراقي من قبل فوجد نفسه إلى جانب الشعب والمقاومة الإيرانيين بشكل تلقائي، وأخذ أبعادا أوسع من ذلك في الغالب، واليوم ما إن سألنا أي عراقي واعٍ ووطني ما المقصود بالعدو المشترك؟ ليقولن ببديهية مطلقة إنه “نظام ولاية الفقيه المتسلط على إيران”، ذلك لأنهم يعتقدون بأنه ما دام نظام ولاية الفقيه جاثما على صدر الحكم في إيران فإن إيران والعراق والمنطقة لن ترى الإستقرار ولا الأمن ولا الديمقراطية ولا التعايش.
أثارت أعمال الشغب اليوم ضد “الانتخابات العراقية” سواء كان ذلك من خلال أمواج استفزازات النظام الإيراني العابرة أو ردود أفعاله اليائسة المشينة حيال هذا “الحدث المهم” أو من خلال قيام عملاء النظام الإيراني بوضع العراقيل والحواجز في طريق إعلان النتائج النهائية وتشكيل الحكومة العراقية سخط وقلق شعب هذا البلد.
وبالرغم من أن نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة لا تزال بعيدة كثيرا عن واقع الغليان والنهضة التي يعيشها المجتمع العراقي لكن يمكننا القول إنها على طريق سينتهي بالتصميم على “استئصال النظام الإيراني وخلع يده كليا من المشهد العراقي” و “تطهير العراق من فساد وجرائم عملائه داخل العراق” وذلك لأن هذه العناصر لم تكن يوما من الشعب العراقي ولا هم من العاملين لأجل العراقيين، ولقد أعلنوا مرارا وعملوا أيضا على ارتكاب جرائم صغيرة وكبيرة مبرهنين على عدم ولائهم للعراق، وأن حماية مصالح الشعب العراقي أمر لا قيمة له عندهم، ويرون أنفسهم حراسا مكلفين لضمان بقاء نظام الملالي في إيران، وجنودا لحفظ أمن نظام ولاية الفقيه في العراق والمنطقة.
ولذلك كانت النتيجة الرئيسية التي خرجت بها الإنتخابات العراقية هي إضعاف القدرات الجبهوية لنظام ولاية الفقيه المتسلط على إيران في العراق الذي يراه ولي الفقيه “عمقا استراتيجيا لنظامه”، وإضعاف نفوذ هذا النظام في العراق بالطبع ليس بالأمر الكافي حيث يجب المضي قدما للعمل على خلع يده كليا حتى لا يعود للنمو والتوسع من جديد كغدة خبيثة ومهلكة، وكان الشعب العراقي مدركا لهذه الحقيقة جيدا سواء كان ذلك عندما كانت قوات المقاومة الإيرانية متواجدة على تراب بلاده ويعتبرها “سدا منيعا ضد النظام الإيراني” وكذلك قبل ظهور القوى الإرهابية المسماة بـ “الحشد الشعبي” والتي تعد أسوأ من داعش، وتدل الأوضاع المؤلمة التي يعيشها المجتمع العراقي خاصة في السنوات الـ 18 الأخيرة الماضية على هذه الحقيقة.
كان للجماعات والحركات التابعة للنظام الإيراني اليد العليا في المناصب الرئيسية بالمؤسسات والوزارات العراقية الرئيسية منذ سقوط الحكومة العراقية السابقة سنة 2003 تحت مظلة التحالف الدولي، ومع تمكن هؤلاء من زمام السلطة وبتوجيهات من النظام الإيراني عبر سفارة النظام في بغداد وقوة القدس الإرهابية بقيادة الجلاد قاسم سليماني لم يتورعوا عن ارتكاب أي جريمة بحق الشعب العراقي وعناصر المقاومة الإيرانية في أشرف، ونتذكر جميعا تلك الانفجارات الكبيرة التي عمت أجزاء مختلفة من العراق، وكذلك الهجمات البرية والصاروخية والجوية ضد أشرف، وكذلك يمكن رؤية تنامي النفوذ والتأثير المتزايدين للنظام الإيراني في العراق بوضوح من خلال الانقسام الحاصل في المجتمع العراقي، ومنها الإنقسامات والخلافات التي عمل النظام الإيراني على إيجادها بين الشيعة والشيعة، والشيعة والسنة، والأكراد والعرب، والمسلمين والمسيحيين وغيرهم حيث كان من ضمن المخطط التالي للنظام العمل على تقسيم كل من التيارات الشيعية والسنية والكردية والمسيحية وغيرها وتسخير ذلك لخدمة مصالحه، وقد وسع اليوم من حدة الخلاف الشيعي الشيعي والأحداث الجارية الآن خير دليل على ذلك.
ويتوجب على أي مراقب سياسي محايد ومنصف اليوم أن ينظر إلى هذا المشهد ليرى بأن هذا النظام ما هو إلا إخطبوط قاتل جثم على مصير العراق والعراقيين ساعيا إلى احتلال العراق وجعله كـ “محافظة من محافظات إيران”، وترزح إيران اليوم تحت إحتلال هذا الإخطبوط ، وإن لم يقف إيران ضد هذا الإخطبطوط المتمثل بهذا النظام الدموي اللإنساني فسيستبيح أرضهم وكرامتهم ومصيرهم وينهب مقدراتهم.
يقف العراق اليوم في مفترق الطرق وفي بداية فصل النهضة يُلقى على عاتق التيارات العراقية الحقيقية للقيام مهمة القيام بهذه الرسالة الوطنية التاريخية والمهمة متكاتفين بعيدا عن الخلافات الجانبية بين بعضهم البعض ويقولوا نعم حاضرون مستعدون لتحمل مسؤولية مهمة إقامة حكومة وطنية شعبية تقوم على إرساء دعائم الديمقراطية وتكفل وتصون الحريات بالمجتمع كركيزة محورية، وتعزل بين الدين والدولة.
كان هناك إجماع دولي بعد هلاك الحرسي قاسم سليماني في أوائل السنة الميلادية 2020 على أن نفوذ النظام الإيراني في العراق أمام تحدٍ قوي، وأن نجم طالع الجماعات التابعة لهذا النظام في هذا البلد آخذ في الأفول، وبإلقاء نظرة فاحصة على نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة تَثبُت هذه الحقيقة.
إن تقليص نفوذ النظام بين فئات الشيعة والسنة والأكراد في صورة المقاعد البرلمانية أو انقسام القوات الموالية للنظام في العراق بات أمرا ملحوظا للغاية، فبعض هذه القوى إما لم تفز بمقعدٍ على الإطلاق أو أن مقاعدها قد تقلصت قياسا بالدورات الإنتخابية السابقة.
ما يثير اهتمام علماء وخبراء السياسة في الشرق الأوسط هو عدد المقاعد التي تنتمي إلى “دولة القانون” أو نوري المالكي حيث يعزون ذلك إلى الأموال المنهوبة التي تبددت ونُهِبَت في فترة رئاسة نوري المالكي لمجلس الوزراء العراقي، ووفقا لمصادر مطلعة فإن “عملية النهب الكبرى” هذه كانت قرابة الـ 120 مليار دولار نُهِبَت من أموال الشعب العراقي وتُستَخدم اليوم بالإفساد السياسي.
يُتَبَع
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.