زاكروس عثمان
يتجاهل تجار الأممية البائرة عمدا حقيقة وجود اتجاهين متناقضين في الفكر القومي، اتجاه مدني إنساني تحرري ليبرالي يؤمن بالتعددية القومية والاثنية ويناهض العنصرية و الشوفينية، بلغ من التطور مرحلة خلق فيها امة واحدة من إعراق متعددة على اساس المساواة بينها في الحقوق والواجبات، ربما تكون سويسرا نموذج الفكر القومي المدني حيث القوميات المكونة لهذا المجتمع المتقدم تعيش بسلام.
اما الاتجاه الآخر اثني ويمثل نزعة دكتاتورية همجية شوفينية استعمارية، تنادي بالتفوق العرقي، بناءا على هذه القناعة تبرر إبادة الاعراق الاخرى، وشن العدوان بغرض التوسع ومحو القوميات المغلوبة سواء في المجازر او عبر عمليات الصهر القومي، ولعل الدول المحتلة لكوردستان على المستوى الرسمي والشعبي اكثر من يمثل الوجه البشع للفكر القومي، إذ نجد التركي خلال الحقبة العثمانية والحقبة التركية تجسيدا حي ومستمر لأشد نزعات الفكر القومي المتطرف، وما زالت هذه السياسة عقيدة رسمية للدولة.
هنا نسأل الابوجية الأممية اي فكر نضعه في قفص الاتهام، الفكر القومي الكوردي ام الفكر القومي التركي الفارسي والعربي، هل حدث خلال الـ 100 سنة الاخيرة ان الكوردي شن حروب على هذه القوميات في تركيا إيران العراق او سوريا، ام انه كان دائما وابدا وما زال في خندق الدفاع عن النفس او المطالب بحق استنشاق هواء بلاده، لماذا إذا كل هذا التجني البغيض على الفكر القومي الكوردي، ولماذا السكوت المعيب على الشوفينية التركية الفارسية والعربية، امر مثير للسخرية ان أمميي آخر زمان يُحَملون القومية الكوردية “المجني عليها” وزر القوميات العربية التركية الفارسية “الجناة ” فلماذا الايحاء بان النزاعات المسلحة لا يشعلها غير الفكر القومي الكوردي، وكأن أصحاب الفكر القومي لدى الدول المحتلة لكوردستان ملائكة، من يمنع تحول تركيا إلى سويسرا هم الاتراك انفسهم وليس الكورد، فلماذا نكافح الفكر القومي الكوردي المدني، ونقوي الفكر القومي التركي العنصري، إذا كنتم تبحثون عن الحرية كيف تكافحون الفكر القومي الكوردي وهو اهم اسباب الفوز بها، ان القومية ظاهرة طبيعية تعود إلى العصر البدائي، تطورت عبر التاريخ حتى جاء عصر الحداثة ليلد الـفكر القومي في اوروبا، والذي كان من العوامل الاساسية في رسم خريطة اوروبا الحالية، وهي خريطة مستقرة اكثر من استقرار اية منطقة في العالم، إذ رغم ان غالبية دول الاتحاد الاوروبي متعددة القوميات إلا ان كل دولة تعيش سلم اهلي على الصعيد المحلي، وكذلك هناك سلم دائم بين دول الاتحاد، عمليا نجد الاتحاد الاوروبي تعبيرا عن فكر قومي مدني متقدم تجاوز المفهوم العرقي للقومية، في هذا الصدد يجد بعض المفكرين أن الثورة الأمريكية شكل من أشكال القومية الحديثة العابرة للقومية الواحدة.
فيما الدولة التركية السورية العراقية والايرانية ما زالت تتبع القومية الإثنية وهي نزعة شرقية غير ديمقراطية، فالدولة تخصص كل جهودها لمحو القومية الكوردية، هذا يعني ان الخلل يكمن في العقول والثقافات وليس في الفكر القومي، إذ نجد اقليم كوردستان الجنوب رغم الظروف غير المواتية، ورغم انه لا يمتلك قراره بالكامل يطبق سياسة لحل مسألة القوميات تعتبر متطورة قياسيا إلى سياسات دول الجوار، إذ يكفل دستور الاقليم حقوق كافة المكونات العرقية والدينية، ولم يحدث ان السلطة الحاكمة او ابناء القومية الكوردية حاولوا الطغيان على الهويات الكوردستانية الاخرى او تعريضها لعمليات الابادة والتذويب.
ماذا يستفيد الكوردي حين يعمل على طمس الدور التقدمي للفكر القومي وتأثيره الايجابي في توجيه عشرات القوميات المقهورة إلى الخلاص والحرية، أليس الفكر القومي هو من أنقذ الفرس من الذوبان في القومية العربية بعد زوال إمبراطورتيهم على يد العرب المسلمين، وإذا بحثنا عن تجارب في العصر الحديث نجد أمم ظروفها كانت اقرب إلى ظروف الامة الكوردية في التاريخ المعاصر، لم تعرف الخلاص إلا عبر الفكر القومي، فقد ظهرت القومية الألمانية كرد فعل على سيطرة فرنسا “نابليون” على مناطق ألمانية، ويرى مؤرخو القومية في أوروبا ان الفكر القومي بدأ مع الثورة الفرنسية (1789)، ليس فقط لتأثيرها على القومية الفرنسية بل على الألمان والإيطاليين ايضا، وبالنسبة للمستعمرات في اسيا افريقيا وامريكا اللاتينية فان اغلب حركات التحرر الوطني فيها تبنت الفكر القومي وانجزت الاستقلال، واخيرا نسال الكوردي القومي والكوردي الأممي ان كنتم صادقين في البحث عن خلاص للكورد فكروا لماذا بقيت كوردستان وحدها في العالم مستعمرة كلاسيكية تحت اسوأ شكل من اشكال الاحتلال الاستيطاني، اليس السبب ان الكوردي يفتقر إلى مدرسة فكرية يهتدي بها.