قراءة في كتاب: للتاريخ مسعود بارزاني

بسام مرعي  

((نصيحتي لكل فرد ولكل سياسي كوردي حيال موضوع الحقوق المشروعة لشعبنا، هي أن لا يدفئوا ظهورهم بأحد في أي وقت، لأن العالم هوعالم المصالح،  فإذا كانت لهم مصالح منسجمة مع الكورد سيصبحون أصدقاء، وأن تعارضت مصالحهم مع الكورد سيهملونكم ويتجاهلونكم، لذلك اعتمدوا فقط على الله وعلى أنفسكم، وما دمنا نملك البيشمركة والقوة الذاتية فكوردستان تستطيع حماية ذاتها وأن أصبحنا ضعفاء فلا أحد يحمينا 
بهذه الجمل اختتم الرئيس مسعود بارزاني كتابه للتاريخ” وأورد فيه أيضاً أن الاستفتاء والسادس من أكتوبرأظهرا بوضوحٍ إنه لايمكن التوقع من الانتهازيين وفاقدي القيم والمبادئ أن يكونوا وراء قضية عالية، ولا أن نتأمل منهم أن يصبحوا أصحاباً لقضيةٍ، إذن فوحدة الصف مع هؤلاء تبقى دون معنى .
وسيبيدوننا ))
بعيداً عن المناظرات وبحنكة السياسي الذي اختبر الواقع وعاصر أحداث شتى وذاق طعم الإنتصار مرات، ومرارة الظلم وقسوة الخيبات مرات، يحاول البارزاني خلع الملاءة عن وجه الحقيقة المروالعابس في وجه الكوردي، وهو الذي لُدِغَ من جحور أصدقائه وشركائه في الجغرافيا والخريطة العراقية مرات ومن إخوة الدم مرات، ليكون درس السياسة قاسياً من جهة، ومثقلاً بحمل المسؤولية الكبيرة من جهة أخرى ، حيث يدلي بشهادته التاريخية على مشهدٍ تراجيدي، وهو مشهد تداعيات الإستفتاء  ليرسم بذلك لوحة دقيقة بتفاصيلها رغم خطوطها المتشابهة، إنها لوحة كوردستان المهتزة والمتأرجحة على جدران الأعداء المتربصين تاريخياً ٠
الكتاب يعرض في بدايته قراءة تاريخية عن الشعب الكردي وأصالته ، والمعاهدات والاتفاقيات التاريخيةالتي قسمت كوردستان بدءاً من معركة جالديران، واقتسام الصفويين والعثمانيين لها، مروراً ب معاهدة زهاو التي نال بموجبها العثمانيون القسط الأكبر، إلى تباحث الشيخ عبد السلام بشأن تأسيس دولة فيدرالية مختلطة من الكورد والأرمن والأشوريين ولقاء الشيخ عبد السلام بالقيصرالروسي في سردٍ وتسلسلٍ تاريخي سلس ومتدرج ومن ثم التطرق للاتفاقية المصيرية التي أفرزت تقسيم كوردستان، ومن ثم اتفاقية سيفر 1920، ومعاهدة لوزان التي أنحت سيفر جانباُ، ولم يهمل السيد مسعود بارزاني التحدث عن اتفاقية عام ١٩٧٠ بين صدام حسين ومصطفى البرزاني، واعتراف الحكومة العراقية  بحق الكورد، واعتبار ذلك إنعطافة تاريخية تم خرقها فيما بعد أيضاً، كما هومعهود من الحكومات العراقية المتعاقبة تاريخياً، وتتالت بعد ذلك أحداث كثيرة من محاولة اغتيال البرزاني، وإعدام ليلى قاسم بسبب نشاطها السياسي، واتفاقية الجزائر ١٩٧٥ وامتداد يد شاه إيران في العراق ٠
في العام ٢٠٠٣ وفي ظل عملية تحرير العراق وسقوط نظام البعث، كانت بدايةٌ لعهدٍ جديدٍ في ظل حكم فيدرالي، ومشاركة شعب كردستان عن طريق ممثليهِ في بناء العراق الجديد .
 محطاتٌ كثيرةٌ يمر بها العراق إلى أن يصل إلى المحطة الأكثر توتراُ، وهي ظهور داعش معلناً دولته وولايته على الموصل واحتلال شنكال، وليمتد على حساب دماء أهل المنطقة بكوردها وعربها حيث الجينوسايد الأكثر دموية في العهد الحديث على الكورد الإيذيديين في شنكال  ٠
لقد أشار الكاتب هنا إلى دورالكرد في الحرب ضد داعش، ودور البشمركة الكبير في إيقاف داعش وامتداده على كامل الجغرافيا العراقية، ومشاركته الكبيرة في تحريرالكثير من المناطق، بالمقابل كيف تم  التعامل مع الكورد من قبل العرب، وكيف تم الرد بحقدٍ ونيات مبيتة .
بعد السرد التاريخي ومحطات الخذلان وتجربة الشراكة الفاشلة والتي دامت حوالي مئة عام، وحقيقة صعوبة العيش المشترك، كان لابد من مشروع الإستفتاء وكان الهدف هو تبيان وإطلاع العراق وبلدان المنطقة والعالم على الرغبة الحقيقية لشعب كوردستان، وتم التحضير للاستفتاء وأخذ الأراء والمواقف التي كانت أغلبها مؤيدة في ظاهرها ، وكان الاستفتاء الذي تجلت مظاهره بحشد جماهيري واسع ومن ثم كان ماكان .
بعد الإستفتاء ونتائجه بدأت تظهر ردود الافعال القوية سواء من الحكومة العراقية بإصدار قرارات عقابية من دون وجود النواب الكورد، وتصاعد لهجة التهديد بالقوة التي كانت ممنوعة حسب الدستور العراقي لتتحول إلى حرب حقيقية ضد كوردستان، بالإضافة إلى ردود الأفعال الأمريكية والدول الإقليمية٠
ولا يخفى عن متابعٍ اجتماع دوكان 16 أكتوبرعام 2017، ففي تجمع عدواني إقليمي وتسهيل داخلي وتحت أنظار الأمريكيين، قام الحشد بدعم إيراني وبقيادة إقبال بور بمهاجمة كركوك والمناطق المتنازعة عليها٠
 وكان موقفه واضحاً من خلال التعبيرعن خذلانه من الموقف الأمريكي في موضوع الاستفتاء واستخدام الحشد للسلاح الأمريكي في قيادة الهجوم على كركوك ومن خلال السفير الامريكي دوكلاس سليمان الذي استخدم معلومات وتقاريرمضللة بشأن كوردستان   والجنرال بول فانك الذي لعب دوراً سيئاً في موضوع الاستفتاء، بالإضافة إلى الموقف البريطاني من خلال السفير البريطاني  فرانك بيكر الذي كان على علم بالكثير من المؤامرات السرية ضد كوردستان . .
وهنا من المهم أن تتم الإشارة، أن البارزاني يضع  القارىء وبشكل مباشر أمام أسباب وتداعيات الإستفتاء  وما آلت إليه الأوضاع في الإقليم بعد الإستفتاء ليقدم شهادة تاريخية ٠
 لعل الاكثرأهمية في موضوع الإستفتاء، هو كيف تم التعامل معه من قبل شركاء الأمس والأوساط العربية العراقية سواء الرسمية منها أو الثقافية، والتي كانت تحمل لهجة عدائية حاقدة مليئة بالتشفي وتدفع باتجاه إذلال شعب كوردستان والنيل من كرامته، وقد كان أثر القرارات التي أقرتها الحكومة العراقية من إغلاقٍ للمطارات والحصارالمتعمد كعقوبة على شعب كوردستان، وأظهرت نفسها كمنتصرعلى أربيل، كانت كفيلة بأن تزيد من حقد الكردي على العراق، وتشعره بالخيبة من قرارات الحكومة، ومن طريقة تعامل  النخب العراقية الثقافية مع الاستفتاء كحقٍ مشروع ٠
إن لعبة المصالح الإقليمية والدولية كانت العائق الأكبر لسد الطريق أمام نتائج الاستفتاء الذي حصل في 25 أيلول 2017  ٠
  لاشك أن النضال والإيمان بعدالة القضية هوالسبيل الوحيد الذي يجب أن يستمر ويُدافع عنه ، وهذا مايؤكد عليه الرئيس البارزاني، مؤكداً من خلال هذا الكتاب أيضاً نجاح الاستفتاء وفوزه بما كان يصبو إليه، وذلك من خلال نتائجه كتصويتٍ عبرعنه أغلبية شعب كوردستان . 
نعم كان مسعود بارزاني هو المتمرد الأعظم على التاريخ، ولكن يبدو أن التمرد على الجغرافيا والخرائط في شرقنا الموبوء شيء آخر مختلف٠ 
  وإذا كانت الحكومة العراقية قد استعادت بعض المناطق المتنازعة، فعليها قبل كل المناطق المتنازعة أن تستعيد العلاقة المتوازنة مع الكوردي لتعيش معه في استقرارٍ، لا في خصام وعِداء دائم٠
 والسؤال الآخرالذي يطرح نفسه بقوةٍ في موضوع الاستفتاء، هل الاستفتاء حقق المرجو منه ليكون بمستوى الطموح والهدف، أم كان هزةً عنيفةً في كيان الإنسان الكوردي، ودعوة إلى إعادة الحسابات لبلورة رؤية سياسية جديدة، وهنا يبقى السؤال مرسوماً على الشفاه التي َمازالت تترقب الإجابة؟
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…