د. محمود عباس
ثالثاً:
1/2
لم نحصر هذه المادة في الإدارة الذاتية لأنها آفة مبتلية بها كلية حراكنا الكوردي والكوردستاني، مثلما كانت القضية الأولى من هذه السلسلة تخصنا جميعا.
لولا النخبة من المثقفين المهتمين بالقضية إلى جانب قلة من السياسيين، المتزايدة تأثيراتها الإيجابية يوما بعد أخر، والمتوقعة أن تبلغ المرحلة التنويرية بزيادة عددها يوما ما، أمام ما ينشره، بعض الكتاب والمثقفين ونشطاء الأنترنيت، على المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث المقرف والبذيء من الكلام، والمفاهيم التي تعمق الخلافات بين الشعب، لقلنا إن أمتنا لا تزال في ضياع.
من آداب حديث المناظرات والمناقشات أن يكون المحدثون على قدر مناسب من أدب المحادثة وحسن الكلام فيما بينهم، مهما اختلفت آراؤهم وتنوعت مشارب أفكارهم. وجرت منذ القديم المناظرات والمناقشات بين المجموعات البشرية ودولها، فكان الغالب عليه حسن الحوار والمخاطبة. فالمناقشات خارج هذا الإطار، خاصة، بين المجتمعات الصغيرة كالقرى والضيع، ومتربي شوارع المدن والبلدات هم من يغلب على مخاطباتهم سوقية الكلام، ونابيه، ولهذا أسبابه المبررة، لذا سمي هؤلاء بالسوقيين.
والملاحظ على وسائل تواصلنا الاجتماعي انتشار هذا النوع من الكلام، بين فينة وأخرى، بدلا من الجدي والهادف، وكأنها منابر لتشفي القرويون ومتربيو الشوارع من بعضهم البعض. ومن الطبيعي أن تنال الهادفين والمعتبرين رشقات هؤلاء من الكلام النابي لدلوهم هم أيضا بدلوهم في بوست أو بوستات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وما هو شاذ ومحيّر في هذا: هو أن عددا لا يستهان به من الكتابات البليغة في عباراتها، والرصينة في تسلسلها وترتيبها يوحي إلى القارئ رفعة مقامهم، وعلو مكانتهم؛ إلا أن تعليقاتهم وتعقيباتهم سوقية بما فيها الكفاية أن تتكشف حقيقة دخيلتهم، وتدني منطقهم. يتخيل لنا تحملهم لمقابلهم أشبه بالكحول الطبي الذي يتبخر في فترة قصيرة عند تعرضه للهواء المكشوف. وهذا النوع من المصدور منهم يثير تساؤلات شتى في أذهاننا، منها أنهم لا زالوا ذهنيا مشدودين إلى ماضيهم حين كانوا في حيزهم المحدود، أم أنها حنين إلى صباهم؛ حينما كان مخزونهم المعرفي محدودا أو أنها طبيعتهم التي جبّلوا عليها، فلا مناص من الفكاك منها، مهما بلغوا من الرفعة قامة ومكانة. يقال إن موزارت رغم علو شأنه ورفعة مقامه كان بذيء الكلام صبيانية التصرف وما إلى ذلك ما لم يكن يليق بمكانته، كونه كان معاشر الأباطرة والملوك والأمراء.
من الغرابة، في عالمنا المحاط بأشرس الأعداء، أن تسخر هذه الشريحة من الحركة الثقافية كتاباتها الجميلة في الجوانب السلبية، وتستعمل الغث من الكلام، في الوقت الذي تتبين من خلال نصوص العديد منهم؛ أنهم على مقدرة كتابية وفكرية مناسبة، كما ذكرنا سابقاً، وبإمكانهم الدخول في حوارات جمالية وبمنطقية، ولا يحتاجون إلى الابتذال في الكلام، وبإمكانهم التأثير على الشريحة التي لا ترقى ملكاتها إلى إيصال مفاهيمها إلى الآخرين.
ننوه إلى هذا لأننا نتحسر ونأسف على ما يجري على ساحتنا الثقافية والسياسية، ونسأل ذاتنا: ما الذي ينقصنا لنكون على سوية المجتمعات الحضارية ونتحاور على سويتهم، لنرقى بمدارك وسوية تعاملنا، ونطور مجتمعنا بتلقينه الرقي في الكلام، وليس نشر ثقافة الابتذال، نقنع ونقتنع، ننقد ونتقبل النقد، نبتعد عن الكريه والبذيء من الكلام، في الوقت الذي يملك أغلبية من يستخدمون هذا النوع من المعاملة قدرات كتابية مناسبة وجميلة، ولكن المستخدم تعكس الضحالة الفكرية، بعكس ما قد يكون عليه صاحبها، وبها يتهدم الرباط الإنساني والقومي بين المجتمع؟
توقفنا على هذه مرات عدة، نكررها الأن على خلفية التهجم من ثلاثة أطراف كوردية، كل حسب المواضيع المطروحة التي كانت تمسهم وتبين أخطائهم، لكن مؤخرا، جمعتهم بعض القضايا التي تناولناها، لا ليتكاتفوا، بل ليتنافسوا على مدى تأويلهم للمطروح، كل رآها حسب ليلاه، فأصبحت المواد للتشفي فيما بيهم، ليس بحوار منطقي، بل بابتذال الكلام بين بعضهم، ومن ثم لشخصي، فأظهرت على أن الأغلبية لم يتجاوزوا الاطلاع على مقدمة المقال؛ دون التمعن في متن النصوص، وهذا، إلى جانب مواقفهم السابقة للقراءات، والتي أسقطتهم في مستنقع اللغة السوقية، وأبعدتهم عن محاولات إقناع بعضهم، وإقناعنا على خطأ ما ربما اقترفناه ولا ندرك. وفي المواقع معظم النخبة من الحراك الثقافي تلقى مثلما تلقيناه من بذيء الكلام، وأحياناً أبعد.
شريحة لا تتحدث الجميل، ولا نقرأ لهم أراء؛ رغم كتابتهم، لذلك لا نتمكن من رؤيتهم، كما قالها سقراط (تحدث لأراك) جل ما يستخدمونه هي الدونية في الكلام، ومن بينها كلمات سوقية مباشرة. لن نذكر أسمائهم، من باب الأمل أن يتم يوما ما رفع سقف لغة الحوار إلى مستويات مناسبة، ويتم تبادل الآراء، بدل الرث من الكلام، ويرقى نمط الحوارات.
كما وحافظنا على الأبواب مفتوحة معهم، ومن بينهم من كانوا أصدقاء على صفحتنا، لكن بعضهم أجبرونا قبل أيام على قطع الصلات، أزلناهم من على صفحتنا الفيس بوك. قاطعناهم، وألغينا بذاءاتهم، بعدما كنا نحتفظ بهم دون رد، لنبين للقراء والجهات التي دفعتهم إليها أو التي يمثلونها، مدى العبث الذي يخلقونه، والتي لا تستحق إلا الشفقة، وتصعيد العمل على توعية قياداتهم، على أمل أن تستيقظ معها هذه الشريحة التائهة.
لن نيأس وسنظل على هذا الحلم، على أمل أن نبلغ السوية التي حاورني فيها بعض الأفراد، المشكوك في أمرهم، وانتمائهم القومي، حيث لغة الحوار معهم دفعني لأقدمهم كمثال، رغم أنني حظرتهم، ولربما أخطأت في هذا…
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
10/9/2021م