الجهل المقدس للحزبي والسلفي وجهان لعملة واحدة

دلكش مرعي

  لقد اندلعت ثورات شعوب المنطقة  بشكل عفوي نتيجة الاحتقانالمتراكم التي سببته ظلم واستبداد الأنظمة الدكتاتورية عبر عقود من الزمن بحق هذه الشعوب أي يمكن القول بأن هذه الثورات لم تكن تمتلك مشروعاً فكرياً معاصراً وثقافة ثورية  تعبر عن المفهوم الحقيقي لمبادئ الثورة وشروطها وقيمها لتتمكن عبر ذلك من وضع حدا للقيم والمفاهيم والأفكار الشمولية التي انتجت تلك الأنظمة المستبدة الظالمة والفاسدة وهذا الواقع العفوي فتح المجال واسعا أمام قطعان الظلاميين والانتهازيين وتجار السياسة ومافياتها لاستغلال دماء الشباب  وسرقة ثوراتهم واستغلال شتى الطرق الملتوية لتحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصية والحزبية البائسة فمن المستحيل أن تتمكن الشعوب من تحقيق حريتها ونيل كرامتها والقضاء على الظلم والاستبداد والجهل والطغيان من خلال قيم الظلم والاستبداد والجهل ذاتها 
أي من المستحيل أن تتمكن هذه الشعوب عبر إرث الاستبداد والجهل والتخلف والمفاهيم الظلامية التي لم تنتج عبر تاريخها سوى عصور الانحطاط والجهل والظلم والتخلف من أن تنتج عبر هذا الإرث المتعفن إلا مزيداً من الطغاة والمستبدين والقتلة وإعادة الواقع المأزوم ذاته والتحول من المأساة والبؤس الى المهزلة والفوضى ذاتها كالفوضى العنفية التي تجري فصولها في سوريا ومصر وليبيا وغيرها من مناطق العالم الإسلامي فمن المستحيل على سبيل المثال أن تتمكن الأصولية بفكرها السلفي الإخواني الظلامي من بناء مجتمع مدني ديمقراطي متحرر يواكب العصر وما يجري فيه من تطورات علمية ومعرفية في شتى مجالات الحياة هذا من جهة أما بالنسبة للأحزاب الكردية وصراعتها المحمومة على قيادة الشعب الكردي من أجل تحقيق مصالحها الحزبية البائسة فيمكننا القول بأننا لا نستطيع فصل سلوك هذه الأحزاب بأي حال من الأحوال من جذور الثقافة السلفية  المعشعشة على دماغ أبناء هذا الشعب منذ قرون فمن يدقق النظر في سلوك هذه الأحزاب سيلاحظ بأن معظمها تدعي بأنها تمتلك الحق والحقيقة دون غيرها كممثلي الفكر السلفي تماما وتتأله معظم قياداتها وتتلاعب بمصير هذا الشعب عبر حالة التشرذم والشقاق والتشظي علما إن ظاهرة التأله والألوهية هي ظاهرة تاريخية من نتاج الفكر الديني وهذه الظاهرة هي التي انتجت الفراعنة وملوك للعموريين والسومريين الذين تألهوا ومن ثم أنتجت من كان يدعي بأنه من  سلالة الآلهة كالسركون الاكادي وحمو رابي وقوروش الفارسي وغيرهم من الذين تألهوا وتفرعنوا  …  صفوة القول هو إن غياب قوى علمانية وطنية شىريفة تقود هذه  الثورات وتضعها على مسارها الصحيح  مكنت القوى السلفية عبر هذا الفراغ من حرف اتجاه هذه الثورات ودفعتها نحو الاتجاه الخاطئ وهي تحاول إفراغها من مضمونها الثوري وبدأ بإعادة تكريس الهويات الطائفية وصراعاتها الشيعية والسنية وأقلمتها من جديد في المنطقة فلا يمكن بأي حال من الأحوال الخلط بين ما هو ثقافي وما هو ديني لأن المجتمع المدني بمفهومه الديمقراطي العلماني تعني الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع الديني حيث لا تمارس الدولة أي سلطة دينية ولا تكون للمساجد والحوزات ( العلمية ) وولاية الفقيه والكنائس أي سلطة سياسية لأن الفكر الديني يرسخ ويكرس في عقول البشر ما هو كائن  خارج قواعد المعرفة العلمية في تفسير الظواهر الكونية والكائنية  فالخلاص من الظلم  والاستبداد في الفقه الديني لا يتطلب معرفة علمية بل إيماناً أعمى للمؤمن بما هو كائن وراء الطبيعة بمفهومها الغائي والغيبي فالثقافة العلمية من منظور الأصولي هي وثنية وبدعة وضلالة وكفر وألحاد ناهيك بأنها عبر فكرها الشمولي تقضي على النهج العلمي للهويات الثقافية المعاصرة وتخلق قطيعة وتصادم بين المذاهب والطوائف // وتضع ثقافة  (النيو فقيه والنيو إخواني ) مكان ثقافة المثقف بالقول والفتوى.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين تمر سوريا بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مُعقّدة ، يجد الإنسان السوري نفسه في ظلِّها أمام تحدّي التوفيق بين هوياته المتعدّدة. فهو من جهة ينتمي إلى الوطن السوري، وهو الانتماء الجامع الذي يحمل الهوية وجواز السفر والشهادة ، ومن جهة أخرى، يرتبط بانتماءات فرعية عميقة الجذور، كالقومية أو العرق أو الدين أو الطائفة. ويخلق هذا التنوّع حالة من…

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…