د. محمود عباس
تأويل المتناول سابقاً:
نقدنا المؤسسة المعنية بالأمر، ضمن حكومة الإقليم، وحملناها مسؤولية معاملتهم لأبناء المخيمات، ودورهم في جزء من مصائب معبر سيمالكا، وتأفف القادمين من الغربة، وغيرها. محاولات بعض الأطراف الحزبية التغطية على الجدل، وتساؤلات الاستفهام، والتعجب، والاستنكار، بعرض التطور المتنامي في الإقليم ومقارنتها بباقي مناطق العراق، وليست بالدول الحضارية والتي لها الثروات المماثلة، لا تعتم على مثل هذه التجاوزات والأخطاء.
ويقال بأنه لا يحق لنا النقد، لكننا ننوه، بما أن الإقليم أحد ركائز نواة كوردستان، نأمل أن تكون عصرية وديمقراطية على البعد الكوردستاني. وبما أنه لا ينتسى فضلهم وخدماتهم لقرابة ربع مليون كوردي من جنوب غرب كوردستان هاجروا من قساوة وظلم الإدارة الذاتية والحزب الحاكم، كواجب وطني، يحق لنا كحراك ثقافي كوردستاني، الطلب من الإدارات المعنية عدم العبث بهذا القدر، وتنبيههم على الأخطاء الممكنة وضع حد لها.
لكن وللأسف، فعلى خلفية الصراع بين الطرفين؛ يكاد أن يغيب البعد القومي الإنساني، والإحساس بالبعد الكوردستاني، ونحن هنا لا نتحدث عن خطط الإقليم لحماية الذات من المتربصين بها، بل عن عذاب المواطن على خلفية الصراع بين الإدارتين، ومن يقف خلفهما.
كثيرا ما نقدنا، وعلى مدى سنوات عدة، الكثير من أساليب الإدارة الذاتية، وعرابيها، وآمريها، وواضعي استراتيجيتها، والمآسي التي تعرض لها الشعب الكوردي من أساليبهم حصراً، ولن نقف، لكن لا بد من استخدام منطق العقل والحكمة لتصحيح المسارات، في البعدين.
وقد تناول الكاتب والصحفي القدير (ماجد ع محمد) في مقاله (الدكتور محمود والسيّد كلسي (بتاريخ 8/8/2021م، http://www.welateme.info/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=27697
قضية مهمة تكاد أن تكون من إحدى مرتكزات الثقافة الكوردية من جانبها السلبي، وهو التعنت شبه المطلق في المفاهيم، وانعدام احتماليات التغيير أو التحييد عنها، إلى جانب شبه استحالة إقناع الأخر المخالف، حتى ولو عريت الأخطاء أمامه، وعرضت الإثباتات الدامغة.
وعلى خلفية هذا المنطق المعروف، نصح بعدم هدر الوقت، في عمل لا جدوى منه، لربما يبنيها على جدلية معروفة عنا نحن الكورد بالرأس اليابس، وخاصة مع طرف من الحراك الكوردي مقتنع بإيديولوجية شبه جامدة، ناقلا العام على الخاص، والتي أراها من بين العوامل الرئيسة في ديمومة الخلافات بيننا، مثل تعنتنا المؤدي إلى معاركنا الداخلية على مدى تاريخنا.
ولكننا وعلى خلفية انتشار الثقافة الحضارية، وسهولة تبادلها، في عصر انعدام الزمكان، وحيث انتشار الإنترنيت، وجدنا أنه لا بد وأنه هناك أساليب أخرى؛ تكون لها تأثير على مداركنا، وعلى مفاهيم شعبنا، لنرتقي إلى مرحلة قبول الرأي الأخر.
لذا علينا أن نكتشف السبل الحضارية هذه، ونتخلى عن الطرق الكلاسيكية في التعامل، ويجب أن تكون هذه من بين أولى واجباتنا كحراك ثقافي-سياسي كوردستاني، وكاتبنا العزيز (ماجد محمد- ماجد حاج كبه) يدرج ضمن النخبة الثقافية الواعية، والعالية المدارك، ويملك من التراكم المعرفي الواسع، والإمكانيات التي قد تساعد في تنوير حراكنا السياسي.
لكن علينا أن نعمل معاً على أنه لا مستحيل على الأرض، ونقتنع على أنه بإمكاننا إخراج حراكنا من قوقعته الصلدة، عندما تكون قناعاتنا متكاملة. والأن وكمقدمة لمسيرة طويلة وشائكة، لا حرج أن ندفع بحراكنا وخاصة البعض من قيادات الأحزاب الكوردستانية على استخدام العقل في الإيمان وليس النقل، وإلا فنحن أمام ديمومة المسار التاريخي المؤلم، الغارق في الصراع الداخلي وحيث الفشل، والبقاء أدوات بيد القوى المحتلة لكوردستان.
وكمثال عن مسيرة نقدنا كحراك ثقافي، نادرا ما تطرقنا إلى أخطاء مؤسسات حكومة الإقليم الداخلية، في السنوات الأولى التي نجح فيها النظام الفيدرالي بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب عدة، إلا تلك التي طالت جنوب غرب كوردستان، وتجنبت معظم الجهات الثقافية النصائح والإرشادات ولا تزال، وهو ما أدى إلى ظهور بعض الأخطاء الخارجية الكارثية، ومنها خسارة ثلث جغرافية جنوب كوردستان، مقارنة بما ملكته ما بين عام 2004م و2014م، في الوقت الذي كانت إقليم كوردستان تتحكم بكل العراق، وأصبحت الأن تحاول جاهدة الحفاظ على فيدراليتها بالمساحة الحالية.
ما بين النقد والهدم:
العديد من الأخوة الكتاب مثلي، يأملون أن يتم تناول موادهم: بنقد حاد، ودون مجاملة، بعيدا عن الابتذال والتجريح الشخصي، والكلمات النابية، التي تقزم الحراك الثقافي-السياسي ليس فقط داخليا، بل على المستويات الإقليمية، والأنجح عندما يأتي النقد من مختصين، يقدمون النصائح، والأفكار البديلة، ويبتعدون عن مقاصد كسب الموقف والانتصار على المنتقد.
معظمنا يعلم أن النقد يتهدم ويتحول إلى حوار مؤذٍ، عندما تهيمن ذهنية الأحكام النهائية الرافضة للنقض، ويتم تناسي الأفكار المعالجة ويتحول النقد لغاية النقد، والأبشع عندما يتجاوز الناقدون حدود الأدب، ويستخدمون فيه الألفاظ المسيئة، وخدم البلاط أو الباحثين عن شهرة هم أكثرهم سقوطا في هذا الأسلوب الرخيص.
جميعنا ندرك، وأبسط الناس في الشارع الكوردي يعلم، أن ثقافة إلغاء الأخر وباء معدي أبتلي به مجتمعنا، وتنهش في جسد الأمة. فالأطراف الحزبية تحت مفهوم النقد، ينشرون كل ما لديهم من المفاهيم المضرة، كالتعنت، وتخوين الأخر، والتهم، والكلام البذيء، ومحاولات إثبات الذات، وخطأ الأخر، وجلها من مخلفات ثقافة موبوءة متداولة بيننا حتى ولو كانت على إشكاليات مختلفة تأقلمت مع القرون الطويلة الماضية، والتي على أثرها لم نتمكن من بلوغ غايتنا كأمة صاحبة وطن؛ كغيرنا من شعوب العالم. ولربما حتى ولو ظهرت حركة تنويرية، سنحتاج إلى عقود طويلة لتلطيف هذه الثقافة.
متطلبات النجاح:
رغم علمنا التام أن المسيرة شائكة وصعبة، لكن علينا ألا نتقاعس، عن تصحيح مسارات البعض، بقدر ما نتمكن منه، ونبتعد عن منطق الهدم كحل، لأن سقوط طرف هو انتقاص وبداية انهيار الأخر، وابتذال الخصم الكوردي هو طعن ووصف للذات قبل الموجه له.
ليكن نقدنا متوازناً، حتى مع الذين يعادوننا، كحراك إصلاحي يؤمل منه أن يكون تنويري، لأننا ندرك خطورة الهوة ما بين النقد والتهجم، بين التقارب والعداوة الداخلية، وهي مسافات كارثية، سقط فيها الممتعضون من آرائنا على مدى السنوات الماضية.
لنحاول معا تصحيح أخطاء بعضنا قدر الإمكان، بعيداً عن التبجح وإبراز الذات، بل على المنهجية الوطنية، وعلينا ألا نتقاعس عن الحوار، وإبداء الرأي، والنقد، إن كان ضمن الحراك الكوردي أو مع الإدارات الكوردستانية.
ليتنا نوسع من اطلاعنا على الثقافات الحضارية، وأساليب تعاملهم، ونستخلص منها العبر، حتى ولو استمرينا على خلافاتنا المتعددة والمتنوعة، فما أسهله والأنترنيت ألغت المسافات والزمن، وبسطت تلقي المفاهيم الديمقراطية العصرية.
علينا أن نتخلص من رواسب الأنظمة الشمولية وما تلقيناه من المفاهيم المدمرة، دونها على أمتنا السلام وإلى قرن أخر من العبودية والعيش كموالي.
الولايات المتحدة الأمريكية
2/8/2021م