مروان سليمان
بات الحديث عن الأزمة السورية لازمة مكررة ومستهلكة في الفكر السياسي السوري، ولا سيما عند الجماعات المسلحة منه، إذ استمرأت الكيانات و العصابات السائدة، ومنذ زمن، الحديث عن الأزمة في الإجتماعات و اللقاءات و المحاضرات، و لكن إلى الآن لم يقدم أحد من الشخصيات السورية أية مبادرة أو تشخيص موضوعي و جدي لهذه الأزمة و لم يبحث أحد منهم في النهايات أو إيجاد حلول لها.
عندما نبحث في الأزمة السورية لا بد أن نأخذ بعين الإعتبار أمرين أساسيين : أولهما التمييز بين المشكلات التي نشأت في ظل تشكيل هذه الكتائب و العصابات المسلحة و التي أوجدت مساحة من الخلل الكبير في موازين السيطرة و القوة لمصلحة تركيا و الذي تم بموجبه تمزيق المجتمع الكردي بشكل خاص و السوري بشكل عام و خضوعه لأنظمة مختلفة (تركية- روسية- أمريكية إيرانية…….الخ) مع نشوء تلك المجموعات في ظل الإحتلالات الأقليمية للدولة السورية و تبعية تلك الفصائل و العصابات و حتى النظام السوري القائم لأنظمة الدول التي تدخلت في الشأن السوري و خصوصاً الإعتماد على أموال الدول الداعمة و التي سيطرت من خلالها على الأرض و فرضت أجنداتها على السوريين الذين إرتضوا لأنفسهم هذا الوضع للإستفادة الشخصية (الإرتزاق) فقط على حساب الوطن و المواطن و هذه العوامل تحكمت في تحديد مدى الجدية لتلك المجموعات في تحديد مستوى جديتها على تبني الشعارات التي طرحتها في الأيام الأولى من الهبة الشعبية و هذه الأموال المغدقة عليهم كانت بمثابة تقييد حركاتهم و أهدافهم و تعشعشت داخل أزماتهم و عززت المشكلات فيما بينهم أكثر.
الأمر الثاني الذي لا بد من أخذه بعين الإعتبار هو أسباب الأزمة السورية و المشكلات العضوية التي واجهتها و الأشكال التي تمظهرت بها و لم يعد هناك شئ رئيسي و ثانوي مما خلق إنقساماً حاداً و الإفتقار إلى الشرعية و فقدان القدرة لدى الجميع في تجديد تنظيمها و تجميعها و تحديد الأولويات و الأهداف حسب أهميتها و لكنها إعتمدت على الخطابات الكلامية و المظاهر الخادعة و الشعارات الفارغة التي سئم الشعب منها.
في البداية وصلت الإيجابيات إلى ذروتها و سقفها الممكن وفقاً للمعادلات التي تقوم فيها الهبات الشعبية من أجل تغير الواقع الحالي حيث الحاضنة الشعبية و توحيد الطاقات الشعبية و تأسيس منظمات تقوم بالتنسيق فيما بينها و التضامن بين المناطق و المحافظات المختلفة و إدراج القضية في المحافل الدولية و تحقيق الإعتراف الدولي بالمجلس الوطني السوري و من بعده الإئتلاف و التي كانت في شكلها و مضمونها نتاج الهبة الشعبية العفوية نتاج الشعب في الداخل أكثر ما هي نتاج فصائل الرعب و الإرهاب و من ثم الوقوع في فخ التبعية التركية و القطرية التي استخدمت الشعب السوري من أجل خدمة أجنداتها و مصالحها و فرضت عليهم شروطها و ظهر الإخوان المسلمين على حقيقتهم في بيع الوطن و التضحية بأبنائه من أجل تنصيب أميرهم أردوغان كخليفة للمسلمين فخانوا العهد و الشعب و الوطن و ما تصريحات رئيس الإئتلاف السابق نصر الحريري بين فينة و أخرى و دعوته الصريحة بمطالبة تركيا بإحتلال المناطق الكردية خير دليل على الخيانة العلنية للوطن بمساعدة فصائله الإرهابية و العنصرية و تكريم الرئيس الجديد للإئتلاف المسلط للمجرم أبو عمشة خير دليل على إنغماس قادة الإئتلاف في الأعمال الإرهابية التي تقوم بها العصابات المسلحة ضد أهالي عفرين و سري كانيه ، و من هنا نستنتج أن الفصائل التي تقاتل الشعب السوري و بمساعدة الجيش التركي لم يجلبوا للأزمة السورية أي إنجاز يذكر غير الخطاب الطائفي و العنصري البغيض.
لم تتوقف الأزمة السورية و لم يبحث أحد لها عن حلول طالما أن الأموال و الدعم تغدق من الدول الراعية للإرهاب مثل قطر و تركيا و إيران بل تعدت ذلك و دخلت مرحلة السلاح و القوي يأكل الضعيف و لم يلتزم أحد بالقرارات التي كانت تتخذ سواء في جنيف أو سوتشي و من هنا تم إنقسام الشعب السوري و أدى إلى إنسداد الحلول و إهتزت الشرعية بالمعارضة و أصبحت أزمة كيانان و فصائل مسلحة و عصابات و أصبح الهدف من أجل التغيير يقاس بما تحققه هذه الفصائل من إنجازات لمصلحة إيران و تركيا و تحولوا إلى جزء من الخيانة في جزء من الأرض المحتلة و هذا يعني بأن المشروع الوطني الذي ينادي به البعض من المنبطحين لتركيا قد إنتهى . فهل يمكن إعادة بناء المشروع الوطني من جديد بعيداً عن تجديد الفكر البالي القديم لأشكال و أعمال و أهداف باتت مستهلكة.
نستنتج مما سبق بأن إدارة الأزمة من قبل المعارضة السورية لم تكن سليمة منذ البداية و ظهرت كنسخة من النظام البعثي حيث القيادة الفردية و غياب المساءلة و التداول , و إن تبدلت الشخصيات التي كانت بمثابة ذر الرماد في العيون حيث المخابرات التركية كانت لهم بالمرصاد، و أيضاً الإفتقار إلى التفكير النقدي و المحاسبة و تنوعت القيادات و باتت التصريحات بشكل طائفي و عنصري و استمرار العمل مع الأهداف البالية و الخطابات المعطوبة و لم يعد يعول أحد على هذه الشخصيات المعارضة أي شئ بسبب عدم إمتلاكهم لرؤى مستقبلية سوى الوصول إلى سدة الحكم و سوء إدارة أدى إلى الإفلاس جماهيرياً و فقدان المكانة السياسية و الأخلاقية .
السلك التربوي- المانيا
12.08.2021