في الذكرى الـ 64 لتأسيس حزبنا الديمقراطي الكوردستاني – سوريا

شاهين أحمد
شهد الـ 14 من يونيو / حزيران سنة 1957 حدثاً قومياً وسياسياً بارزاً ، فبعد سلسلة متواصلة من الاجتماعات والمناقشات الجدية من جانب كوكبة من المناضلين من أبناء شعبنا الكوردي ، تم الإعلان بشكل رسمي عن ولادة أول تعبير سياسي – تنظيمي خاص بالجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية . حيث شكل الإعلان نقطة تحولٍ هامة في حياة شعبنا الكوردي في كوردستان سوريا ، لجهة تنظيم الطاقات ، وتوجيه الإمكانات ، وتحديد النشاطات ، ورسم مسار السياسات والأهداف …إلخ . وسيبقى هذا اليوم مشهوداً في تاريخ شعبنا ، ومحفوراً في قلوب ووجدان أبنائه ، وذروةً مضيئة في مسيرة النضال القومي التحرري لشعبنا في كوردستان سوريا.
 نحن نستذكر هذه الذكرى وبلدنا سوريا يمر بأسوأ أزمة سياسية وإنسانية في تاريخه ، حيث تحول البلد إلى ساحةٍ مفتوحة لتصفية حسابات الدول ، ومرتعاً للإرهابيين وأصحاب المشاريع المعولمة العابرة للحدود ، وتحولت سوريا شيئاً فشيئاً إلى مايشبه مكباً للنفايات البشرية ، بعد أن حصل التزاوج بين البعث الشوفيني والأسلمة السياسية الراديكالية، وفشل السوريون المتصدرون للمشهدين المعارض والموالي في الترفع عن اللونيات الطائفية الضيقة ، والاتفاق على مساحة المشتركات الوطنية ، لطي صفحة البعث السوداء ، والاتفاق على صياغة مشروع وطني سوري تغييري جامع ، ينهي معاناة السوريين ، ويؤسس لإعادة إنتاج جمهورية سورية اتحادية ، وبديل وطني ديمقراطي على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري . ومع تأكيدنا بأنه لايمكن تقييم المرحلة التي تأسس فيها البارتي قبل نحو ستة عقود ونصف انطلاقاً من مناخات اليوم،وطبقاً للمقاييس الراهنة ، بنفس الدرجة نؤكد بأنه لايحق لأحد القفز فوق أهمية وضرورة المراجعة الدورية الدائمة لمسيرة العمل والنضال ، والوقوف على أسباب الضعف والوهن والتشرذم والتفريخ الغير طبيعي داخل حركتنا التحررية الكوردية في سوريا ، بعيداً عن السجالات العقيمة التي سادت مراحل تاريخية مضت من عمر حركتنا ، والترفع عن الجزء الأكبر من تلك السجالات التي ربما لم تكن مفيدة في قسمها الأعظم ، وخاصة تلك المتعلقة بمفاهيم الصراع الطبقي التي كانت إحدى الشعارات المتماهية مع الموضة ، وساهمت في الانقسامات الأولى ، بالرغم من أن مجتمعنا السوري عامة ، والكوردي السوري خاصةً مازال يعيش مرحلة التشكيلة الزراعية المتوسطة ، وكذلك مايتعلق بملكية وطبيعة وسائل الانتاج ، كمحدد لنوع التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية التي تشكل الأساس في التقيمات الطبقية وصراعاتها،مع عدم القفز بالضرورة على الأسباب الأخرى المتعلقة بالتباين في الموقف من حقيقة بقاء جزء من شعبنا وكوردستان التاريخية داخل الحدود الإدارية والسياسية المعروفة للدولة السورية ، تلك الحدود التي رسمت وفرضت دون إرادة شعبنا وجميع شعوب المنطقة ، وكذلك الموقف من النظام الشوفيني ، ومن ثورة أيلول الوطنية المجيدة ، وقيادة البارزاني الخالد مصطفى …إلخ . وكي نكون موضوعيين ومنصفين لتلك الجهود الخيرة ، وتلك المحاولة النبيلة من جانب تلك الكوكبة التي غادرتنا إلى ديار الحق باستثناء الدكتور ” خليل محمد ” ، الذي نتمنى له دوام الصحة وطول البقاء . ونظراً للظروف الاستثنائية ، وخطورة هذه المرحلة التي بات فيها الوجود القومي لشعبنا في كوردستان سوريا مهدداً ، فإن هذا الحدث يحتم علينا الترفع فوق الخلافات الثانوية ، وتجنب مفردات الحرب الباردة ، وضرورة التسلح بروح التسامح والتصالح ، وتقبل الاختلاف ، والتعامل مع الآخر المختلف بتغليب المشتركات ، والابتعاد عن التطرف ، وانتهاج الاعتدال والوسطية ، وتخليد جميع المؤسسين بغض النظر عن المسارات المختلفة التي اختارتها الظروف لهم لاحقاً . ومن الأهمية بمكان هنا التوقف والتركيز على نقطة غاية في الخطورة وهي المتعلقة بحالة التشرذم التي كانت مرضاً أصاب الحزب في البدايات ، ولكن وبكل أسف تحول هذا المرض لاحقاً إلى وباء قاتل حيث نرى اليوم عشرات الحزيبات والأرقام المجهرية ، والأسماء الوهمية المكررة التي شوهت صورة الحراك القومي والحركي ، مما يستوجب التصدي لهذه الظاهرة ، من خلال مراجعة تقيمية شاملة وشفافة ، وإشراك مختلف المهتمين والكفاءات في هذا الجانب . ومن هنا كانت أهمية خطوة الوحدة الاندماجية بين أحزاب الاتحاد السياسي بتاريخ الـ 3 – 4 – 5 من نيسان 2014 ، كرسالة قوية وهامة في وجه وباء التشرذم والانشقاقات ، ومنجزاً هاماً نحو تأطير الطاقات والامكانات ، وتوجيهها نحو مسارات وأهداف شعبنا ، وشكلت عملية التوحيد رسالة طمأنة للشارع الكوردي ، ودعوة لجماهير شعبنا بضرورة الوقوف خلف مشروع الحزب ، الذي هو مشروع وجود وحقوق الشعب الكوردي في سوريا ، وخاصة أن الحزب أكد استمرار التزامه بنهج الكوردايتي نهج ” البارزاني الخالد ” . بدون أدنى شك أن هذه الوحدة كانت مبعث سرور لشعبنا وللأشقاء والشركاء والأصدقاء . وخاصة أن الأهداف التي وضعها الحزب في برنامجه ،كانت أهدافاً طموحة ونبيلة وكبيرة تتعلق بوجود شعب كوردي وجزء من كوردستان داخل الحدود الإدارية والسياسية للدولة السورية . ولكن بكل أسف دوام الأزمة السورية ، وتعرض المنطقة بشكل عام ومناطق كوردستان سوريا ، وكوردستان العراق بشكل خاص لهجمات الإرهاب الداعشي الأسود ، شكلت ضربة كبيرة لمخططات الحزب ، وذلك نظراً للنزوح الجماهيري الذي حصل ، وكذلك مافعله حزب الاتحاد الديمقراطي pyd ومسلحيه وإدارته من أعمال وممارسات لامسؤولة أدت إلى تفريغ مناطق كوردستان سوريا من الطاقات الشبابية والكفاءات العلمية والفعاليات الإقتصادية ، مما أدى لهجرة ونزوح شرائح واسعة للحاضنة الحركية والحزبية وتشتيتها ، وكذلك الانحرافات التي حصلت للثورة السورية ، ودخول الراديكاليين على خط الثورة وتغلغلهم في مفاصل مؤسساتها ، وإصرار النظام على الحل العسكري للمعضلة السورية ، وتخاذل المجتمع الدولي ، والتدخلات السلبية من جانب اللاعبين الاقليميين والدوليين في القضية السورية ، أدت إلى تحويل سوريا إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين المتدخلين فيها ، وخرجت المبادرة من أيدي السوريين عموماً . وبما أننا أيضا جزء من سوريا وحراكها ، لذلك دفعنا غاليا ثمن ماحصل ، وترك ذلك أثراً كبيراً على شعبنا وحركتنا وحزبنا ، وحال كل ذلك دون تحقيق ماكنا نأمل عمله وإنجازه .  وهنا من الأهمية بمكان التأكيد بأن الحزب منذ إنطلاقته الجديدة أكد ومازال على أهمية العمل من خلال المجلس الوطني الكوردي ENKS ، ومازلنا معاً في خندق الشعب السوري ، ونعمل من خلال الهيئة العليا للمفاوضات لصياغة الأسس التي من شأنها إعادة إنتاج سورية جديدة مختلفة عن سوريا البعث .  وعلى الصعيد التنظيمي للحزب والمجلس ، هناك دراسات جدية لكيفية عقد المؤتمر العام للمجلس وللحزب ، وإيجاد الآليات المناسبة والسبل الكفيلة التي من شأنها توفير شروط نجاح عقد المؤتمرين ، وتقوية وتفعيل دور الحزب والمجلس ومأسسة عملهما أكثر،وإعادة هندسة مكاتبهما حسب الكفاءات والاختصاصات ، وتفعيل دور المرأة والشباب في المؤسسات المختلفة . ومن الأهمية العمل للخروج من حقول الغموض في السياسية وكل مايتعلق بقضية شعبنا العادلة ، ومنح المكلفين بممارسة السياسة في حقل العلاقات مساحات أوسع ومرونة أكثر،وندرك أن الأهداف لن تتحقق بالخطابات الشعبوية التي تستهدف قلوب البسطاء ، وضرورة التزام الموضوعية في طروحاتنا من خلال خطاب علمي وواقعي ، عبر تحجيم  الذاتية ، وتعظيم الموضوعية والشراكة والجماعية من خلال ” نحن ” بدلاً من الـ ” أنا “. ونؤكد في هذه المناسبة على أن حزبنا وكما كان دائماً سيعمل على تفعيل دور المجلس الوطني الكوردي وتقويته وتطويره من خلال استيعاب وإشراك كافة الطاقات السياسية والعلمية والشبابية ، والعمل على جعل رؤية المجلس أساساً في صياغة أي عقد اجتماعي جديد لسوريا المستقبل . ونؤكد مجدداً بأن الحزب يعتمد الواقعية في طروحاته ، ويعتبر القضية القومية الكوردية إحدى أهم القضايا الوطنية السورية ، وأن حلها واجب ومهمة جميع الوطنيين السوريين ، وعلى هذا الأساس ينخرط  حزبنا من خلال المجلس في الأطر السياسية للمعارضة الوطنية السورية ، ولايتعامل الحزب مع الأحداث بردات فعل ، ويعي حزبنا أسباب التهجم عليه ، ويعرف تماماً الجهات التي تقف خلف الحملات التضليلية التي تستهدفه ، ونؤكد بأن المتربصين بمشروع حزبنا لن ينجحوا في جره إلى حقول المهاترات ، ولن نتخلى عن الثوابت القومية والوطنية في أي تحرك أو حوار ، وسنستمر بالتفاعل إيجاباً مع كافة الجهود الخيرة والهادفة لتوحيد الطاقات ، ويعتبر حزبنا أن قضية وحدة الصف وترتيب البيت الكوردي هي قضية استراتيجية بالنسبه له ، وكذلك مطلب ملح لكافة المخلصين ، وأن أية خطوة في حقل التقارب الكوردي – الكوردي ستساهم في فهم التلازم بين مساري النضال القومي الكوردي والوطني السوري ، وستعزز الشراكة الحقيقية بين مختلف مكونات الشعب السوري ، وستؤسس لعلاقات حسن الجوار ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول بشكل عام ودول الجواربصورة خاصة ، وستقطع الطريق على أية حروب أوتدخلات عسكرية جديدة وتكرار مأساة عفرين وسري كاني / رأس العين وكري سبي / تل أبيض . وستجرد البعث من أوراقه المكذوبة والمتعلقة بحماية مكونات الشعب السوري الأقل عدداً ، وستسرع في إنهاء الإستبداد وطي حقبة البعث ، ويرفض حزبنا خطاب الكراهية وعقلية الإقصاء ، ويسعى إلى تأسيس مرجعية جامعة لشعبنا الكوردي في سوريا من خلال إشراك كافة الطاقات التي تؤمن بالحقيقة المذكورة أعلاه ( قضية الأرض والشعب ) . وسيستمر حزبنا من خلال المجلس الوطني الكوردي وبالتعاون مع كافة المخلصين من شركائنا الوطنيين في سوريا على ” إعادة إنتاج الدولة السورية ” التي سرقها البعث ردحٌ من الزمان ، والمحافظة على وحدة أراضيها واستعادة سيادتها ، وإنقاذ ماتبقى من شعبها من المعتقلات ، وإعادة كافة النازحين إلى منازلهم ، من أجل سوريا جديدة عبرالحل السياسي وفق مرجعية جنيف 1 لعام 2012 والقرارات الأممية ذات الصلة وخاصة القرارين 2254 و2118 ، ودولة اتحادية بنظام مدني ديمقراطي يمثل كافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية وعلى مسافة واحدة من كافة المكونات المذكورة، قائمة على أساس التعددية السياسية ، والتداول السلمي للسلطة ووفق محددات الشراكة والتوافق والتوازن . ونؤكد في هذه المناسبة بأننا سنبقى الصوت المعبر عن طموحات شعبنا الكوردي في المحافل الدولية ، وسنستمر في الدفاع عن قضيته العادلة وحقوقه المشروعه بكل أمانة وإخلاص . وبهذه المناسبة نتوجه بالتحية إلى جميع المخلصين الذين تحملوا مصاعب العمل والنضال في الداخل والمهاجر والشتات ، ونتعهد بأننا سنبقى سائرين على نهج الكوردايتي نهج البارزاني الخالد بكل أمانة وإخلاص حتى تحقيق أهداف شعبنا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…