د. محمود عباس
انقسمت الأمة الإسلامية إلى 73 فرقة، 72 منها ضالة، تنتظرهم يوم القيامة وصراط المستقيم والعدالة الإلهية، واحدة ناجية لا حول لها ولا قوة عند البشر، مكانتها عند الله.
لا جنة للضالة والمضللين وعلى رأسهم: قادة العالم الإسلامي، ورؤساء وملوك الدول الإسلامية، وأئمة ولاية الفقيه وقادة حزب العدالة والتنمية، وحماس وحزب الله اللبناني، ومن على شاكلتهم من المعارضة السورية التكفيرية وفي مقدمتهم جيش الإسلام والنصرة سابقا، وغيرهم الذين قاموا بتصفية وجوه المعارضة الوطنية الصادقة في مناطق نفوذهم قبل محاربة النظام، وساهموا على تحريف وتشويه الثورة السورية، وإيصال بشار الأسد إلى هذا اليوم المشؤوم الذي يتجرأ فيه وبوقاحه إجراء الانتخابات أمام مرأى العالم تحت شعار الاستحقاق الدستوري. قال رسول الله (صلى) ” لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه”.
يدعون الإسلام دينا وينتهجون الكفر فعلا وعملا. الضلالة متفشية، والأسباب متعددة، منها: الازدواجية ما بين الإيمان والنفاق، مواقف سياسية تجاري المصالح الذاتية، غياب القناعة بالنص الإلهي وأحكامه. لا يخفى عند الله ما في النفوس، فما بين أفعالهم وأقوالهم وادعاءاتهم ذممهم تتعرى، من السهل التغطية عليها أمام البشر، عند الله لا تخفى ولا تضيع. خداعهم فاضح، الأنانية قضت على الإيمان، إما أنهم لا يؤمنون كما يدعون، وهو باللسان دون القلب، أو أنهم جهلاء بقدراته.
أحكام الله قاسية، نصه واضح للذين يتعاملون مع القضايا التي تمس حق الشعوب، وفي مقدمتها الشعوب الإسلامية، يدركون أن العدالة الإلهية لا تميز بين أمة وأخرى، قضاءه جلي في نصه، تشمل أهل الذمة أيضاً، مع ذلك يتناسون، ففيهم قول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾ [الأحزاب:70-71، مع ذلك لم نسمع يوما قولا سديدا بحق الكورد المسلمين.
معظمهم يستنكرون ما تقوم به إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ويدينون أعمالها، مع تلاعب بخلفيات الصراع، وتأويلات مشوهة لنصوص الأديان الإبراهيمية، تطغى فيها المصالح الذاتية على منطق إنقاذ الشعب الفلسطيني المعاني، يضحون بشبابهم وأطفالهم كأدوات.
المواقف أخبث عند حضور القضية الكوردية، رغم أن الوجوه هي ذاتها، يتغاضون عن حقوق الشعب الكوردي، بتغيير المعايير القيمية، يدعمون طغاة الأنظمة الشمولية المحتلة لكوردستان؛ ويستنكرون على الكورد حقوقهم الإنسانية والإلهية، متناسين قول الله سبحانه وتعالى (كونوا قوامين بالقسط) يدركون أنها أنظمة تدعي الإسلام في الدساتير، وفاجرة في التطبيق، فكيف لمسلم يجرم بحق مسلم ويصمت المسلم الآخر عن قول الحق، وجلهم يعرفون قول الإمام ابن القيم ” الساكت عن الحق شيطان أخرس”، فما بال الناهون للحق الكوردي والداعمون للأنظمة العنصرية الفاسدة.
قدم الشعب الكوردي للمسلمين ما لم يقدمه أي شعب أخر، خدموا الإسلام بصدق ونزاهة، بالمقابل حصلوا على الجور في التعامل، والغبن في الأحكام، وعدم المصداقية في قول الحق، والنفاق في المواقف السياسية. ظهر من لدن الأمة الكوردية خيرة الأئمة، وأصدق مشايخ الطرق الإسلامية، منهم ظهرت الصوفية لتلطيف العنف في الإسلام، أبدعوا في الفقه والتفسير، أنقذوا الأمة الإسلامية من الهلاك لمرات عدة، ومن متاهات الصراع بين الفرقتين القدرية والجبرية، علماءهم ساهموا في تفوق القدرية مثلما أنقذوا الإسلام من التجسيد الإلهي، وغيرها من الخدمات للدين والأمة. مع ذلك نجد أن معظم من يساندون الحق الفلسطيني يستنكرون حقوق الشعب الكوردي المسلم، ويهدرون دم الكوردي الإيزيدي ولا يكفرون من سبى نساؤهم وأطفالهم، بل وهناك من أفتى بالفتاوي الفاجرة لإحلال ما قامت به داعش من الجرائم، أفضلهم من صمت بدون القول الحق.
هل علينا أن نميز بين المسلم والإسلام، وهل هؤلاء جميعهم لا يفقهون في الدين، أم أنهم ينافقون، أم أنهم يفضلون العاطفة على العقل، وأحكام الله تحاكي العقل، وهي أسطع من أن تخفى، فكيف بهم التغاضي عنها، هل هم في ضلالة، أم بينهم وبين الإيمان بالنص والحديث مسافات، وعليه يحق فيهم حكم الإرشاد للهداية، مثلما يطبق على المرتدين أو المنافقين لأنهم يؤمنون بألسنتهم ويجحدون بقلوبهم، أم أنه كالحكم على الكفار الذين يجحدون بلسانهم وقلوبهم، وهو ما يلاحظ أثناء مواقفهم من الكورد والأنظمة المحتلة لكوردستان.
شوارع مدنهم تهول وتصرخ دفاعا عن الفلسطينيين، حق مع غياب العدالة الإنسانية، ليس للفلسطيني، بل ولليهودي أيضاً، ومثلها لغيرهم من الشعوب الإسلامية التي تتعرض لبعض الغبن أو الظلم، وتسكت عندما يتم حرق الآلاف من الشعب الكوردي بالأسلحة الكيميائية، ويتم تذويبهم في السجون وطمرهم جماعيا في أعماق الصحاري، وقتلهم من على أعواد المشانق، وسكتوا يوم افتى الخميني بإحلال دمهم، ونددوا يوم ظهر الألاف من الكورد مطالبين بحقهم في الاستقلال باستفتاء عام، وهو حق إنساني يصونه النص الإلهي، وفي بعده القانوني الإنساني، وهو أصدق من الحق الفلسطيني في إقامة دولته. ما أبشع مواقفهم اليوم من الكورد المطالبين بحقوقهم في العراق، وسوريا، وتركيا، وإيران.
هناك صراع تاريخي عمره ألفي سنة وأكثر، على أرض نزلت فيها وعليها نصوص الأديان الإبراهيمية الثلاث، تبحث عن وجود شعبين، شعب خرج منهم معظم الأنبياء، وشعب عاصرهم على الأرض ذاته، مقارنتهم بالشعب الكوردي الذي لم يشاركه على جغرافيته أي مكون أخر، والحضارات المتعددة التي ظهرت عليها أنحلت وخلفت شعوب جغرافية كوردستان، أما الذين يحتلونها اليوم وقدموا إليها واستوطنوها، إما أنهم كانوا غزاة، أو مستعمرين، أو محتلين، والأخيرة هي واقع كوردستان الحالية، مع ذلك فالصوت الإسلامي السياسي أخرس، الأغلبية تقودها أئمة منافقين، آذانهم لا تسمع إلا إعلام الأنظمة العنصرية، توجههم إعلاميون أو كتاب بأدمغة مؤدلجة؛ تتقدمهم غاياتهم، يفقهون ما تفرض عليهم من الإملاءات أو ما ترسل لهم من الأحكام الضالة.
كم من المرات كَّفروا الكورد وهم يدافعون عن كرامتهم وأرضهم، تحت حجة أنهم يحاربون أنظمة إسلامية، وعلى أثرها ظهر دعاة حللوا فيها دمهم، أصبحوا قادة الصراعات المذهبية، كانوا ولا يزال ورثتهم يعيشون الازدواجية والفسق الديني، ما بين دعم الفلسطينيين ورمي الإسرائيليين إلى البحر، ونسيان الحق الكوردي مع دعم للطغاة والأنظمة الشمولية الإسلامية أسما والمنافقة فعلاً، يكفرون الكورد، ويتهمونهم بالإرهاب على طلب من قيادات حزب العدالة والتنمية التركية المكفرة حتى أئمتها، أو أئمة ولاية الفقيه التي خلقت من الويلات بين الشعوب الإسلامية ما لم تفعله القرامطة في عصرهم.
كليهما وأمثالهم من الأنظمة، حفدة الذين تشدقوا بالعلماء المسلمين، وكفروا الغرب وعلماء من أمثال “إبن سينا” و “إبن الراوندي” و”أبا بكر الرّازي” وثابت بن قرّة بن مروان” و”أبا نصر الفارابي” و”إبن الهيثم” و”إبن باجه” و”إبن رشد” و”إبن طُفيل” و”الطّوسي” وغيرهم وحكموا كملحدين، وسليل حجاج بن يوسف الثقفي، والخوارج، والذين عظموا “أبي حامد الغزالي” الذي كفّر الفلسفة والفلاسفة، و “إبن تيميّة” شيخ التّكفيريّين. العالم الإسلامي، بكل شعوبه وأديانه ومكوناته، في ظل هذه الازدواجية والأحكام ستظل غارقة في مستنقع الضياع والظلام.
الدين الإسلامي يربط ما بين الفلسطينيين، والكورد. مع ذلك مواقف العالم الإسلامي متضاربة من نضال منظماتهما، فعلى سبيل المثال:
منظمة فتح، قبل أن تصبح على هيئة دولة، قامت بالعديد من العمليات الإرهابية في العالم، تحت سقف الدفاع عن الحق الفلسطيني، أما الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الديمقراطي الكوردستاني، حاربا الأنظمة العراقية الإجرامية عقود طويلة لكنهما لم يقدما على أي عمل إرهابي، لا في العراق ولا خارجها، مع ذلك كانت مواقف العالم الإسلامي من حقوق الشعبين غير عادلة، بل وفي كثيره منافقة وفاجرة، أوصلوا فتح إلى هيئة الأمم المتحدة، وقطعوا جميع الطرق الدبلوماسية والسياسية عن الحزبين الكورديين للوصول إلى أي محفل عالمي.
حماس تكافح بمنطق السلاح والعنف، والـ ب ك ك تؤمن بالسلاح كأسلوب للكفاح، حماس عرابها إيران، وتتحكم بها قوى خارجية، هكذا يقال عن الـ ب ك ك أيضاً، حماس على أرض مشتركة بين الشعبين اليهودي والفلسطيني وعلى مدى التاريخ، الصهيونية اليهودية تحتل أرضهم، أما ب ك ك فهي على أرض كوردستانية، تصارع قوة محتلة لكوردستان. حماس نابعة من رحم الإخوان المسلمين شرعا، والسياسي حكما، وهي من كانت تدعم داعش التي قتلت وسبت وهجرت المسيحيين والإيزيديين، وحماس هي من جعلت مدينة غزة تعيش الويلات، وأعطت المبرر لنتنياهو بالعبث بها وإنقاذ نفسه، تحت شعارات المواجهة، الـ ب ك ك على نقيضهم في البعد الديني، تدعي العلمانية الأممية، لكن أعمالها مشابهة. فهل هذين الحزبين هما بوصلة مواقف العالم الإسلامي، وفقهاءهم، ورؤساء دولهم، وموقف المؤتمر الإسلامي، والأزهر وغيرهم من الشعبين الكوردي والفلسطيني، لتظهر هذه الازدواجية المكروهة.
لماذا تجاري معظم الدول الإسلامية منهجية تركيا في أتهام الـ ب ك ك بالإرهاب، وتدعم حماس وهي مصنفة أيضا ضمن قائمة الإرهاب؟ والأغرب أن الضغوطات التي تراكمت من العالم الإسلامي على أمريكا جعلتها تتبرع قرابة 75 مليون دولار كدفعة أولى لإعادة إعمار غزة، ولم يتم التبرع للكورد بدولار واحد، ولم تطالبها أو تتبرع أية دولة إسلامية، خلال السنوات التي دمرت فيها الحكومات التركية المتعاقبة قرابة 4500 قرية وهجرت قرابة 5 مليون كوردي من مناطقهم؟
يقول النحوي: في كتابه (منهج المؤمن بين العلم والتطبيق، ص (188))
” من الناس تراه ينهض للصلاة…… وقد يؤدي فريضة الحج، ثم ترى ولاءه لعائلته قبل كل شيء، أو لمصالحه أو لعصبته مهما تكن عصبته، إنه لا يستطيع أن يكون مسلماً في شعائره، مسلماً في فكره، مسلماً في أدبه، مسلماً في تجارته و معاملاته، مسلماً في وطنيته إنه يجمع مذاهب الأرض كلها، أو بعضها في ميادين سلوكه ونشاطه “
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
27/5/2021م
ملاحظة: المقالة هي كلمة العدد (106) لجريدة (بينوسا نو) لسان حال الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكورد في سوريا.